مايكل روبين عن صعود الصين: ميكيافيلية هنري كيسنجر السبب

عندما يفكر المؤرخون في كيفية تمكن الصين الشيوعية من تجاوز الولايات المتحدة عسكريًا، إن لم يكن اقتصاديًا، فإنهم سيعيدون السؤال إلى إدارة نيكسون.

مايكل روبين عن صعود الصين: ميكيافيلية هنري كيسنجر السبب
هنري كيسنجر

ترجمات - السياق

سلَّط الباحث في معهد أمريكان انتربرايز، مايكل روبين، الضوء على تاريخ صعود الصين منذ سبعينيات القرن الماضي، حتى الآن، محملًا إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون -رئيس الولايات المتحدة السابع والثلاثون (1969–1974)- مسئولية هذا الصعود المتنامي للقوة الشيوعية الحالية.

واستشهد روبين، بتصريح لرئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، قال فيه: «إن العالم يشهد واحداً من أكبر التحولات في القوة الجيواستراتيجية العالمية، التي شهدها على الإطلاق، وهو التغيير الأساسي في طبيعة الحرب»،

وحذر روبين في مقال بمجلة واشنطن إجزامنير الأمريكية، من أن يكون هذا التحول في صالح الصين فقط، قائلًا: «طالما أن استراتيجية الولايات المتحدة لا تزال في حالة من الفوضى، وينتقد ساستنا بعضهم بدلاً من التوحد ضد خصم مشترك، فقد تنجح بكين».

ورأى روبين، أن صعود الصين لم يخطط له، أن يكون بالصورة التي عليها الآن، مضيفًا: «عندما يفكر المؤرخون في كيفية تمكن الصين الشيوعية من تجاوز الولايات المتحدة عسكريًا، إن لم يكن اقتصاديًا، فإنهم سيعيدون السؤال إلى إدارة نيكسون».

ولشرح الأمر، وكيفية ربط التقدم الصيني بعصر نيكسون، أضاف الكاتب الأمريكي: «في ذلك الوقت -أي عهد نيكسون- كانت الصين في خضم ثورتها الثقافية، إذ قتل منظرو ماو تسي تونغ -مؤسس الجمهورية الصينية- 20 مليونًا من مواطنيهم، وحينها كانت الصين معزولة دوليًا، قبل أن تواصل الأمم المتحدة ومعظم الدول الاعتراف بجمهورية الصين».

يذكر أنه رغم سيطرة ماو على الصين منذ عام 1949، فإن الولايات المتحدة رفضت الاعتراف بها كدولة 30 عامًا، بينما كانت تعترف بنظام شيانغ كاي شيك، الذي فر نحو جزيرة تايوان كممثل شرعي للشعب الصيني.

عام 1972، زار الرئيس الأمريكي نيكسون، جمهورية الصين الشعبية، حيث التقى أهم المسؤولين الصينيين، ليشهد العالم بناءً على ذلك ميلاد ميثاق شنغهاي، الذي وعدت من خلاله الصين والولايات المتحدة، بتخفيف حدة التوتر بينهما، وبدء سياسة جديدة لتحسين العلاقات.

 

مخطط كيسنجر

ويوضح روبين، أن خطوة نيكسون جاءت، بتخطيط من مستشاره للأمن القومي آنذاك السياسي العجوز الشهير هنري كيسنجر، الذي رأى فرصة لإبعاد الصين الشيوعية، عن المحور المناهض لأمريكا، الذي شكلته مع الاتحاد السوفييتي.

وكان كيسنجر سافر عام 1971 سرًا إلى بكين، لبدء محادثات بشأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، تلتها زيارة تاريخية للرئيس نيكسون إلى بكين.

وأضاف: "حتى يومنا هذا، يصور كيسنجر والمعجبون به رحلته السرية إلى بكين، واللحظة اللاحقة لنيكسون في الصين، بأنها انتصار لواقعية كيسنجر واستراتيجيته"، مشيرًا إلى أن هذا الاختراق أصبح حجر الزاوية في سمعته وشهرته، حسب وصفه.

ويستطرد روبين تحليله لدور إدارة نيكسون في صعود الصين، قائلًا: «بعد فوات الأوان، ورفع السرية عن وثائق الزيارة، يبدو أن كيسنجر أفسد اللحظة»، مضيفًا: « أن الدافع إلى التقارب الأمريكي الصيني، كان أكثر أهمية لنيكسون من كيسنجر».

 

من المسؤول؟

ورغم أن روبين حمَّل في البداية كيسنجر مسؤولية فتح الباب أمام الصين للصعود العالمي، بزيارته السرية الشهيرة إلى بكين عام 1971، فإنه عاد ليقول: «بالتأكيد أخطأ كيسنجر في قراءة ماو وطموحاته، لكن سيكون من الظلم الإيحاء بأنه وحده يتحمَّل مسؤولية تمكين الصين، فقد اتخذ الرئيس الأسبق جيمي كارتر ومستشاره للأمن القومي زبيغنيو بريجنسكي موقفًا سيئًا، وزاد الأمر سوءًا من خلال التعامل مع العلاقة ببكين على أنها شبه تحالف».

ففي ديسمبر 1978، لم يتردد الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر، في إصدار بيان أعلن من خلاله أن بلاده ستعترف بحلول العام الجديد، بجمهورية الصين الشعبية بشكل رسمي، وستقطع من جهة أخرى علاقاتها بتايوان، نزولاً عند رغبة المسؤولين الصينيين.

وأوضح روبين، أن قبول الصين الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، أدى إلى تحولها إلى سوق ضخمة، تجتاح منتجاتها العالم أجمع، مشيرًا إلى أنه بحلول عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون -الرئيس الثاني والأربعون للولايات المتحدة بين عامي 1993 و2001-  كانت طموحات الصين العسكرية واضحة، في إشارة إلى التحول من التفوق الاقتصادي إلى العسكري، في فترة وجيزة لم تتعد عقدين من الزمن.

وشدد الكاتب على أن الصين لم تكن الدولة الوحيدة، التي أعمته فيها بلاغة كيسنجر وتطوره الواقعي، عن التداعيات طويلة المدى لاتفاقاته المكيافيلية، مشيرًا إلى أنه عام 1975، وعلى حساب معاناة إنسانية كبيرة، باع دعم الولايات المتحدة لأكراد العراق، كجزء من صفقة لترسيم الحدود الإيرانية العراقية، مبينًا أن ذلك لم ينجح في ما بعد، حيث شن العراق غزوًا لإيران عبر تلك الحدود نفسها بعد خمس سنوات فقط، مضيفًا: «حتى يومنا هذا ، يستشهد الأكراد بخيانة كيسنجر كسبب لعدم الثقة بواشنطن».

 

إرث كيسنجر

ورأى روبين، أن ما سماه (إرث كيسنجر) بشأن إيران إشكالية بالقدر نفسه، مشيرًا إلى أنه بينما يناقش المؤيدون حكمة ومصير الاتفاق النووي لعام 2015، طورت إيران الجزء الأكبر من برنامجها النووي العسكري، خلال رئاستي علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، واللذين غالبًا ما يوصفان في الصحافة الدولية بأنهما معتدلان.

ومن المفارقات -يضيف الكاتب- بالنسبة إلى اللاجئ الذي فر من ألمانيا بسبب الاضطهاد النازي، لم يعترف كيسنجر بالإيديولوجية الدينية، التي تقف وراء نظام الحُكم في إيران، وبينما شجع ارتفاع أسعار النفط في عهد كلينتون، صب الأمر في النهاية لصالح النظام الإيراني الذي حقق مكاسب غير متوقعة لبرامجه النووية والصاروخية السرية.

يذكر أن كيسنجر كان أحد اللاجئين الذين فروا من ألمانيا بسبب الاضطهاد النازي.

ويقول مايكل روبين: «قد لا يكون كيسنجر أسوأ وزير خارجية، فهو لم يكن ساذجًا مثل فرانك كيلوج ولا مغرورًا مثل جون كيري، لكن هل يستحق الشهرة التي يتمتع بها حتى الآن؟"، وأضاف: "إذا عدنا إلى سجله في الملفين الإيراني والصيني، قد يكون أكثر ما يميز كيسنجر عن غيره، الفجوة بين سجله العملي، وسمعته المصقولة بعناية».