ليس في مالي فحسب.. النفوذ الفرنسي في إفريقيا آخذ في التدهور
قبل عقد واحد فقط، كان لفرنسا نفوذ كبير في إفريقيا، واليوم أصبح انتشارها في حالة من السقوط الحر، مع انتهاء ادعائها بأنها لاعب رئيس على المسرح العالمي

ترجمات - السياق
ينظر العديد من الأفارقة إلى الفرنسيين، على أنهم غير مهمين إن لم يكونوا غير مرغوب فيهم، في العديد من البلدان التي كانوا يسيطرون عليها، بحسب مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية.
وعلى سبيل المثال، احتفل آلاف الماليين بطرد السفير الفرنسي في العاصمة باماكو، فعندما وصف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، المجلس العسكري المنتخب بأنه غير مشروع، أمر قادة عسكريون ماليون السفير جويل ماير بمغادرة البلاد.
ورأن المجلة أن ذلك لا يعني أن باريس ليست لديها وجهة نظر، من خلال تصريحات وزير خارجيتها، فقد نما الإحباط من باماكو بشكل مطرد.
وانتشرت القوات الفرنسية، في الدولة الواقعة غربي إفريقيا في يناير 2013 لمحاربة تمرد الطوارق، الذي استغله تنظيم تابع للقاعدة، للسيطرة على أراضٍ شمالي البلاد، فبينما كانت مالي من أكثر دول إفريقيا ديمقراطية، فقد تحولت إلى مستنقع من الحكم السيئ والتمرد.
في الآونة الأخيرة، تعاقد المجلس العسكري في مالي، مع مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية، وهي معروفة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ونهب الموارد، بالتزامن مع خروج القوات الفرنسية من البلاد.
على نحو متزايد، تنتهي الهيمنة الدبلوماسية الفرنسية في إفريقيا، التي تزيد على قرن من الزمان، ومعها ينتهي ادعاء فرنسا بأنها لاعب رئيس على المسرح العالمي، وفقًا للمجلة الأمريكية.
ذاكرة قوية
في جمهورية إفريقيا الوسطى، هدد المتمردون في المستعمرة الفرنسية السابقة -الغنية بالموارد- بنهب العاصمة بانغي، ووقفت الأمم المتحدة، التي لديها قوة حفظ سلام قوية هناك، جانبًا، وكذلك فعلت فرنسا، وفقًا لـ"ناشونال إنترست" الأمريكية.
أما رواندا، التي يبلغ عدد سكانها خُمس سكان فرنسا، وجيشها أقل من عُشر الجيش الفرنسي، فهبت إلى الدفاع عن نفسها، وأوقفت تقدم المتمردين، ودفعتهم إلى المناطق النائية.
من وجهة نظر السكان المحليين، ضاعف التقاعس الفرنسي طعم الخيانة التي شعروا بها، بعد دعم الرئيس الراحل فاليري جيسكار ديستان، الديكتاتوريات المحلية، مقابل إمداد الخزائن الفرنسية بألماس إفريقيا الوسطى.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن هناك جيلًا من صانعي السياسة الفرنسيين، يعتقدون أن بإمكانهم نهب مواطني جمهورية إفريقيا الوسطى والهجوم عليهم، لكنهم اكتشفوا أن سكان إفريقيا الوسطى لديهم ذاكرة قوية.
دوافع فرنسا
وفقًا لمجلة ناشيونال إنترست، فإن السياسة الفرنسية، كانت ملتوية في التعامل مع البلد، إذ كشفت وثائق أرشيفية فرنسية، رُفعت عنها السرية حديثًا -بما لا يدع مجالاً للشك- تواطؤًا فرنسيًا مباشرًا في الإبادة الجماعية ضد التوتسي عام 1994، وتساءلت "ما دوافع فرنسا؟".
عدم الثقة بالروانديين، الذين يسعون إلى علاقات أقوى مع العالم الناطق باللغة الإنجليزية، وكذلك استعداد الرئيس جوفينال هابياريمانا، لإخضاع المصالح الرواندية وحقوق الإنسان للطلبات الفرنسية.
فبينما نجحت هوليوود في تصوير بعض الرعب من الإبادة الجماعية عام 1994، أغفل المنتجون ما قدَّمه المستشارون الفرنسيين للجناة، من تدريب وحتى حراسة نقاط التفتيش، مع مرتكبي الإبادة الجماعية من الهوتو.
في الوقت نفسه، قال الرئيس إيمانويل ماكرون، إن القوات المنسحبة من مالي، ستعيد انتشارها في أماكن أخرى بمنطقة الساحل، لكن هل هذه القوات مرحب بها؟
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي، أثناء قتاله للمسلحين الإسلاميين، أزاح حليفًا قويًا لفرنسا، لافتة إلى أن دعم دعم ماكرون لنجل ديبي محمد، قد يأتي بنتائج عكسية على حساب النفوذ الفرنسي.
وقالت إن بوركينا فاسو والنيجر ودول الساحل الأخرى، تراقب جيرانها بعناية، مشيرة الى أنها لن تتردد في طرد فرنسا، وهي في طريقها إلى السقوط، خاصة إذا وجدت البدائل.
خطاب مناهض لفرنسا
كما أن عدم رغبة فرنسا في الاعتراف بالمنافسة الإقليمية، كان له أثره أيضًا في مكانتها بتلك البلدان، ففي جيبوتي -على سبيل المثال- كان لفرنسا نفود استراتيجي لسنوات، بينما الآن أصبح للصين النفوذ المهيمن في المستعمرة الفرنسية السابقة، وفقًا لمجلة إنترناشونال إنترست.
وأضافت: "ليست الصين فحسب، بل تستخدم تركيا الخطاب المناهض للفرنسيين والاستعمار، لتنمية المستعمرات الفرنسية السابقة، في جميع أنحاء إفريقيا.
واستشهدت المجلة باشادة أحمد كافاس، السفير التركي في تشاد، بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، واتهم القوات الفرنسية التي تقاتلها بأنهم الإرهابيون الحقيقيون.
أما بالنسبة لواشنطن، فهناك سؤالان، الأول: سبب تجاهل فرنسا لعلامات التحذير على تآكل نفوذها، وهنا هل يمكن أن يحدث شيء مشابه لنفوذ الولايات المتحدة؟
في حين أن الولايات المتحدة ليس لديها إرث استعماري في إفريقيا، إلا أن لديها تاريخًا في دعم الحرب الباردة والحرب العالمية على الإرهاب، التي "ربما تكون واشنطن قد نسيتها، لكن السكان المحليين في مختلف البلدان لم ينسوها".
أما السؤل الثاني: ما ثمن التساهل في التعامل مع الأحداث؟ لأنه ما كان ينبغي لفرنسا أن تسمح للصين بمنافسة نفوذها في جيبوتي، وما كان ينبغي لها أن تسمح لتركيا بتنمية نفوذها في العديد من البلدان الفرانكوفونية، أكثر من فرنسا نفسها.