المجاعة أم الوقود الحيوي؟.. تساؤلات وجودية وخبراء يتحدثون عن الأزمة الأوكرانية
المحاصيل من أجل الطاقة.. هل فاقمت الحرب الأوكرانية أزمة الوقود الحيوي؟

ترجمات - السياق
آثار وُصفت بـ«الكارثية» خلفتها الأزمة الروسية الأوكرانية، التي دخلت شهرها الرابع من دون أفق للحل، بينما العالم يكتوي بنارها التي ألهبت الجميع.
الحرب التي بدأت في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، تسببت بارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية العالمية، ما فاقم مخاطر المجاعة، وألقى بثقله على منتجي الوقود منخفض الكربون المشتق من المحاصيل.
وقالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، في تقرير ترجمته «السياق»، إن الجدل احتدم بسبب مفهوم الغذاء مقابل الوقود، مشيرة إلى أن إنتاج الوقود الحيوي العالمي وصل إلى مستوى قياسي، في العديد من الدول، قبل إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب على أوكرانيا.
وأوضحت الصحيفة، أن الولايات المتحدة (المنتج الرئيس للوقود الحيوي في العالم) خصصت العام الماضي، قرابة 36% من إجمالي محصول الذرة لديها إلى الوقود الحيوي، في حين مثل وقود الديزل الحيوي 40% من إمدادات زيت فول الصويا.
إلا أن الأوضاع تغيرت بعد تأزم الأوضاع في أوكرانيا، ما دفع بعض شركات الأغذية لمناشدة واضعي السياسات تخفيف التفويضات لمزج الوقود الحيوي في البنزين والديزل، لزيادة إمدادات الحبوب والزيوت النباتية العالمية.
حوافز سياسية
وقال المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية ومقره واشنطن، إن الوقت ليس مناسبًا للحكومات لتشجيع تحويل المحاصيل الغذائية إلى طاقة من خلال حوافز سياسية مصطنعة أو أهداف مزج إلزامية.
وأوضح المعهد الدولي، أن روسيا وأوكرانيا كانتا تنتجان ما يقرب من خُمس الذرة في العالم، وأكثر من نِصف زيت دوار الشمس، بينما مثلت صادرات المحاصيل من الدولتين جزءًا ضئيلًا من مستويات ما قبل الحرب بنحو دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريتش -الأسبوع الماضي- للتحذير من أن مئات الملايين من الناس معرضون لخطر الجوع والعوز، بسبب نقص الغذاء الناجم عن الحرب.
ووفقًا لشركة «جرو أنتيليجينس» الأمريكية -منصة الذكاء الاصطناعي للمناخ والزراعة- فإن كمية المحاصيل المستخدمة سنويًا للوقود الحيوي تساوي استهلاك السعرات الحرارية لـ 1.9 مليار شخص، ما يسلِّط الضوء على السلع الزراعية التي يمكن تحويلها من استخدام الطاقة إذا تفاقمت أزمة الأمن الغذائي.
تفاقم أزمة الغذاء
وتساءلت «فايننشال تايمز»: هل الوقود الحيوي يسبب مشكلات في أسواق المواد الغذائية؟.. لتؤكد مزج الوقود الحيوي، أو «الإيثانول الحيوي» المصنوع من الذرة وقصب السكر والديزل الحيوي المصنوع من الزيوت النباتية، بما في ذلك زيت فول الصويا وزيت النخيل، في وقود المحركات منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، لتعزيز إمدادات الطاقة وتقليل التأثير البيئي للوقود الأحفوري.
إلا أن تلك السياسة، كانت أحد أسباب تفاقم أزمة الغذاء الأخيرة بين عامي 2007 و2008، بحسب «فايننشال تايمز»، التي قالت إن دراسات صادرة عن صندوق النقد والبنك الدوليين، أشارت إلى أن الوقود الحيوي أسهم بنسبة 20-50% في زيادة أسعار الذرة خلال الأزمة، بينما وصف الاستخدام المتزايد له بأنه «جريمة ضد الإنسانية».
هل الوقود الحيوي السبب؟
وأمام اعتبار الوقود الحيوي السبب في أزمات ارتفاع الأسعار الغذائية، دافع منتجوه عن صناعتهم، مؤكدين أن تلك الصناعة لم تلعب دورًا كبيرًا في الأزمة الراهنة.
ورأى جيمس كوغان من شركة إيثانول يوروب، أن الوقود الحيوي لم يتسبب في هذه الأزمة، سواء ما يخص ارتفاع الأسعار أم انكماش المعروض.
وأوضح أن الأسعار المرتفعة لا تتعلق بالطلب، لكنها تعكس ظروف التداول المتقلبة وأسعار الطاقة المرتفعة، مشيرًا إلى أن خفض إنتاج الوقود الحيوي لن يخفف أزمة الأسعار بشكل ملموس.
وعن إمكانية أن تقلل القيود المفروضة على الوقود الحيوي من الجوع في العالم، رأى معهد الموارد العالمية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، أن التخفيض بنسبة 50% بالحبوب المستخدمة في الوقود الحيوي في أوروبا والولايات المتحدة، من شأنه تعويض الصادرات المفقودة من القمح والذرة والشعير الأوكراني.
ونقلت «فايننشال تايمز»، عن باحثين، قولهم: رغم ارتفاع إنتاج المحاصيل إلى جانب إنتاج الوقود الحيوي، ما يعني أن الكمية المتاحة للإمدادات الغذائية لم تنخفض، فإن استخدام الوقود الحيوي لا يمكن أن يرتفع بشكل كبير من دون الإضرار بالبيئة.
من جانبه، قال أوليفر جيمس، الباحث في جامعة برينستون الأمريكية، الذي ساعد في تجميع بيانات المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية: «في عالم يعاني انعدام الأمن الغذائي، نحتاج إلى التفكير بشكل نقدي في مواردنا المحدودة بينما نحاول إطعام العالم وحل أزمة المناخ».
حرق الخبز
بدروه، قال مايك ماراهرينز، من مجموعة «النقل والبيئة» التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها، إن بلدان الاتحاد الأوروبي تحرق نحو 10 آلاف طن من القمح، أي ما يعادل 15 مليون رغيف خبز يوميًا، لتحويله إلى إيثانول سيارات.
وردًا على ذلك، جادل القائمون على الصناعة بأن هذه المقارنات غير عادلة، من منظور أن معظم الحبوب المستخدمة في إنتاج الوقود هي في الحقيقة حبوب علف، تدخل في أغذية الحيوانات، وليست حبوب القمح، الذي يحوَّل إلى خبز.
من جانبه، قال إريك سيفيرز ، مدير الاستثمارات ات في (كلونبيو) التي تمتلك أكبر معمل لتكرير الحبوب في أوروبا، ومقرها المجر: «من غير المنطقي رفع إيثانول القمح حتى إلى موضوع نقاش في الأزمة الحالية عن الخبز».
وعن إمكانية أن يكون الحد من الوقود الحيوي أكثر ضررًا، جادل المسؤولون التنفيذيون في قطاع الوقود الحيوي، بأنه ينتج سلعًا تُغذي الحيوانات والبشر بشكل غير مباشر.
وأشارت «فايننشال تايمز»، إلى أن هذه الصناعة تعد منتجًا مهمًا للأعلاف الحيوانية، مؤكدة أن عملية تحويل الحبوب إلى إيثانول تنتج بروتينات ومنتجات ثانوية للدهون، تغذي الدجاج والأبقار والخنازير.
وعن تأثير الأمر في الاتحاد الأوروبي، قال كوغان: القيود المفروضة على إنتاج الوقود الحيوي ستؤدي إلى فقدان الطاقة المتجددة، وفقدان الاستقلال في مجال الطاقة، وفقدان الوظائف، وفقدان أمن الدخل الزراعي، مع زيادة واردات الوقود الأحفوري، وزيادة انبعاثات الكربون».
هل تتغير سياسات الوقود الحيوي؟
وعن إمكانية أن تتغير سياسات الوقود الحيوي، قالت «فايننشال تايمز»، إن بعض الدول الأوروبية، مثل بلجيكا وألمانيا تدرس تخفيف مهام مزج الوقود الحيوي، لمعالجة الأمن الغذائي.
وأشارت إلى أن وكالة الطاقة الدولية خفضت توقعاتها لنمو الوقود الحيوي لهذا العام بنسبة 20%، بينما توقعت زيادة الطلب العالمي بنسبة 5% من عام 2021 إلى 8.5 مليار لتر.
ويعد الإيثانول المستخرج من الذرة في الولايات المحدة الوقود الحيوي الرئيس، بينما حاولت واشنطن الحد من ارتفاع أسعار البنزين، من خلال السماح باستمرار مستوى المزج الأعلى، الذي يتم خفضه عادةً خلال الصيف بسبب مخاوف من التلوث، بشكل مؤقت.
لكن الحوافز الحكومية لوقود الديزل الحيوي وتراجع الصادرات العالمية من أوكرانيا، زادا المنافسة على زيت فول الصويا، ما أدى إلى تقلص الإمدادات لمجموعات الغذاء الأمريكية.
وبينما حذرت الصين منتجي الإيثانول من أنها «ستسيطر بشكل صارم على معالجة وقود الإيثانول من الذرة»، تمضي الهند قدمًا في تحقيق أهداف زيادة حصص المزج، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السكر، المادة الأولية الرئيسة للإيثانول الحيوي في البلاد، بشكل أقل من المحاصيل الأخرى.
ورغم أن العمل المنسق بشأن الأمن الغذائي تقدم بسرعة على جداول الأعمال الدولية، فإنه لم يكن هناك نقاش للقيود المفروضة على الوقود الحيوي على المستوى الدولي، بحسب «فايننشال تايمز».
وقال نيكولاس دينيس، الشريك في شركة ماكينزي: بدلاً من ذلك، يجب على البلدان التي تستخدم الوقود الحيوي، أن توازن بين الأمن الغذائي والاستدامة مع تكاليف الطاقة والاستقلالية، مشيرًا إلى أن الحكومات بحاجة إلى أن تقرر «كيف يبدو الاستخدام المستدام للأرض، في ضوء الأولويات المختلفة».