فورين بوليسي: لماذا رحبت إيران بانقلاب طالبان في أفغانستان؟
سواء كان الدعم الإيراني يهدف إلى ضمان إمدادات المياه، التي تشتد الحاجة إليها عبر الحدود، أو لأسباب دينية، أو كوسيلة لإبعاد حكومة يُنظر إليها على أنها حليفة للولايات المتحدة، يبدو أن إيران تعتقد أنها ستستفيد من سيطرة طالبان على أفغانستان، بشكل أو بآخر

ترجمات – السياق
سلَّطت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، الضوء على العلاقة بين إيران وحركة طالبان، بعد ترحيب طهران بسيطرة الحركة على أفغانستان، مشيرة إلى أن النظام الشيعي في طهران، لديه أسباب استراتيجية واقتصادية وأيديولوجية، لدعم المتطرفين السنة.
ونقلت المجلة، عن أحد شيوخ القبائل، قائد في الشرطة المحلية، زعمه أن قائدًا في طالبان من منطقة شاه والي كوت شمال قندهار -مسقط رأسه- يسافر من قندهار لإيران بصحبة حراس شخصيين إيرانيين.
قائد الشرطة -الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأغراض أمنية- قال للصحفية، من مكان منعزل في إحدى ضواحي مدينة قندهار: "لقد سافر قائد طالبان ذهابًا وإيابًا من إيران منذ عقود.. إذ كان قائداً بالقرب من هرات غربي أفغانستان، أثناء حُكم طالبان لأفغانستان بين عامي 1996 و2001 .
دعم إيراني
وأشارت المجلة -في تقرير- إلى أنه عندما استولت طالبان على معبر إسلام قلعة الحدودي الرئيس في أفغانستان مع إيران، في 9 يوليو الماضي، أفاد السكان المحليون بأن المسؤولين الإيرانيين على الجانب الآخر رحبوا بهم، لذلك عندما بدا في 6 أغسطس الجاري أن عاصمة مقاطعة نمروز غربي أفغانستان، كانت على وشك السقوط، وهرع العديد من أولئك الذين يخشون طالبان نحو الحدود للهروب، ورد أن المسؤولين الإيرانيين رفضوا بدلاً من ذلك، دخول معظم الفارين.
ووفقا للتقرير، فإن لإيران تاريخًا طويلًا في استضافة أعضاء القاعدة وزعماء طالبان، ففي مايو 2016، قُـتل زعيم طالبان الملا أختار محمد منصور في باكستان بطائرة أمريكية من دون طيار بعد مغادرته إيران، حيث تعيش عائلته، ويقول المسؤولون الأمريكيون، إن الملا منصور كان يسافر بانتظام وبحرية من إيران وإليها".
وذكرت مصادر تحدَّثت إليها "فورين بوليسي" على الأرض في جميع أنحاء البلاد، خلال رحلة صحفية، استغرقت شهرًا بين يوليو وأغسطس من هذا العام، إن إيران لعبت دورًا رئيسًا في الصراع داخل أفغانستان.
وذكرت شيلي كيتلسون كاتبة التقرير: "بينما كنت أعد التقرير من قندهار، أخبرني العديد من المسؤولين الأمنيين، بأنه تم العثور على أسلحة إيرانية في أيدي مقاتلي طالبان القتلى في المنطقة"، وأضافوا أنهم تلقوا معلومات عن مقاتلين إيرانيين، يعملون في مقاطعات نمروز وهيرات وهلمند غربي وجنوبي غرب أفغانستان، بالقرب من الحدود مع إيران.
واتهمت تقارير إيران وفيلق الحرس الثوري الإسلامي التابع لها، بتوفير الأسلحة والتدريب لطالبان، ففي فبراير 2017، أخبر القائد الأعلى للقوات الأمريكية في أفغانستان، الكونغرس بأن إيران كانت تدعم طالبان لتقويض المهمة الأمريكية في البلاد، مشيرًا إلى أن "روسيا وإيران والقاعدة تلعب أدوارًا مهمة في أفغانستان".
مراكز تدريب إيرانية
عام 2017، كشف حاكم مقاطعة فرح بغربي أفغانستان، عن إنشاء مراكز تدريب داخل إيران لتدريب مقاتلين محتملين، وألقي اللوم على الدعم الإيراني، لتصاعد العنف في ذلك العام.
وعام 2016، نقلت مجلة فورين بوليسي، عن مسؤولين غربيين لم تذكر أسماءهم قولهم: إن طهران "تزوِّد قوات طالبان على طول حدودها، بالمال وكميات صغيرة من الأسلحة، منخفضة الدرجة نسبيًا، مثل المدافع الرشاشة والذخيرة والقذائف الصاروخية".
ويقول مايك مارتن، ضابط سابق في الجيش البريطاني، يتقن لغة الباشتو وعمل على نطاق واسع في هلمند وألَّف كتابًا عن المنطقة بعنوان (حرب حميمة) للمجلة: إن أحد أسباب الدعم الإيراني لطالبان، حاجة إيران للمياه التي تتدفق إلى البلاد عبر الحدود، مضيفًا: "يتغير ولاء طهران حسب مَنْ له اليد العليا في المقاطعة".
وأشار مارتن إلى أسباب اقتصادية واستراتيجية للاهتمام الإيراني، مؤكدًا أن "السيطرة على هلمند، لا سيما ولاية هلمند العليا، حيث تقطن قبائل أليزاي ونورزاي وإيشاكزاي، تعني السيطرة على سلسلة من قنوات السدود، التي تسمح بالسيطرة على ناتج نهر هلمند، الذي يصب في منطقة سيستان الإيرانية، حيث يستفيد نحو مليون شخص ".
واكد مارتن -في تصريح للمجلة الأمريكية- أن الدعم الذي قدَّمته إيران للجماعات المسلَّحة داخل أفغانستان "تراوح بين الأموال والأسلحة وطرق تهريب المخدرات، واستمر العقد الماضي على الأقل، إن لم يكن ضعف ذلك، فالمياه من نهر هلمند، كانت مصلحة وطنية حيوية للحكومة الإيرانية ".
علاقة تاريخية
وكشف التقرير عن علاقة تاريخية بين إيران وطالبان، وأضاف: "طالما عبر عملاء القاعدة وطالبان إيران وعملوا من أراضيها".
وقالت كاتبة التقرير: عند إرسال تقرير من محافظة ميدان وردك في أفغانستان عام 2012، صوَّرت لوحة إعلانية باللغة البشتونية تعرض مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لياسين السوري، وهو من شمالي شرق سوريا مقيم في إيران منذ فترة طويلة، معروف بأنه سافر على نطاق واسع في أفغانستان وعمل كمجنّد للقاعدة".
في يناير الماضي، قالت وزارة الخارجية الأمريكية: إن السوري ياسين، أحد كبار وسطاء تنظيم القاعدة، وسيف العدل أحد نواب أيمن الظواهري، لا يزالان داخل إيران".
وذكر تقرير للأمم المتحدة، أن طالبان ما زالت "متحالفة بشكل وثيق" مع القاعدة وأن المجموعة الأخيرة تواصل العمل في مقاطعات عدة من البلاد.
وأضافت كاتبة التقرير: في وقت سابق من هذا العام، في المحافظة نفسها التي صورت فيها لوحة الإعلانات قبل تسع سنوات -ميدان وردك- أسقط مقاتلون لقائد ميليشيا الهزارة الشيعية عليبور مروحية حكومية، ما أسفر عن مقتل تسعة من أفراد الأمن، بمن فيهم طياران وأربعة من القوات الخاصة"، إذ تقول قوات الأمن الأفغانية إن عليبور مدعوم من إيران.
الأفغان الشيعة وطالبان
رغم أن البعض يجد أنه من الغريب أن يدعم الأفغان الشيعة طالبان -نظرًا لاستهداف الأقلية الشيعية عندما كانت طالبان في السلطة- فإن هناك إشارات عدة على أن البعض أصبح أقرب إلى الجماعة على مر السنين، نتيجة النفوذ الإيراني.
فقد اتُهم نائب الرئيس السابق، زعيم الهزارة محمد محقق، على سبيل المثال، بـ "الضغط من أجل المصالح الإيرانية"، ويُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه ربما يعمل على توثيق العلاقات مع طالبان، كما شارك في محادثات مع طالبان في مؤتمر بموسكو عارضته الحكومة الأفغانية عام 2019.
وقبل ذلك، في نوفمبر 2017، ألقى كلمة في مؤتمر في طهران، أشاد فيها بدور إيران في أفغانستان وبالجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، الذي اغتيل في غارة جوية أمريكية بطائرة مسيَّـرة في يناير 2020.
واكدت الصحفية شيلي كيتلسون، أنه ليس لدى إيران مخاوف أيديولوجية من دعم الجماعات السنية المتطرفة وغيرها من الجماعات غير الدينية ظاهريًا، عندما يخدم هذا الدور أغراض طهران، مشيرة إلى دعم إيران المستمر لمنظمة حماس السنية في قطاع غزة بالمال والسلاح.
وفي العراق، تدعم إيران الجماعات المسلَّحة التي تعمل مع جماعة حزب العمال الكردستاني العلمانية، التي تصنفها الولايات المتحدة إرهابية في جبال سنجار، كما عمل حزب العمال الكردستاني وحلفاؤه المحليون في بعض الأحيان مع الحكومة السورية، الحليف القوي لإيران منذ فترة طويلة.
أكثر وحشية
وقبل وقت من استيلاء طالبان على معبر إسلام قلعة الحدودي، عُقد اجتماع في طهران، بين ممثلي طالبان والحكومة الإيرانية.
وقال المتحدَّث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد: "نسعى إلى إقامة علاقات مع إيران، لأن إيران لديها نظام إسلامي، ونريد نظامًا إسلاميًا".
لكن الصحفية شيلي كيلستون، ذكرت أنه من غير المرجَّح أن تقدِّم طالبان الكثير من العزاء للأفغان العاديين، إذ يعتقد واحد فقط من عشرات الأفغان الذين تحدَّثت إليهم في مقاطعات عدة، خلال شهر واحد في البلاد، أن طالبان ستتصرف بشكل مختلف عن سلوكها خلال حُكمها السابق، بين عامي 1996 و2001، بينما قال آخرون إنهم يعتقدون أن طالبان ستكون أكثر وحشية.
وقُتل عدد من الصحفيين على يد طالبان في السنوات الأخيرة، أبرزهم المصور الصحفي لوكالة رويترز، الهندي دانيش صديقي في منطقة سبين بولداك بإقليم قندهار في 16 يوليو.
وفي 6 أغسطس، اغتيل رئيس مركز الإعلام الحكومي، دوا خان مينابال، في كابل، وقد عمل مينابال صحفيًا لسنوات وساعد في كثير من الأحيان الصحفيين الأفغان والدوليين، في الاتصالات والحصول على المعلومات.
وأشارت كيتلسون، إلى أنها التقت مينا بال قبل أسبوعين في مكتبه في كابل، لتحصل منه على معلومات بشأن قندهار، حيث ينتمي جزء من عائلته إليها، وقالت إنه أخبرها بأنه من الواضح أن إيران تدعم طالبان.
وتقول كيلستون: سواء كان هذا الدعم يهدف إلى ضمان إمدادات المياه، التي تشتد الحاجة إليها عبر الحدود، أو لأسباب دينية، أو كوسيلة لإبعاد حكومة يُنظر إليها على أنها حليفة للولايات المتحدة، يبدو أن إيران تعتقد أنها ستستفيد من سيطرة طالبان على أفغانستان، بشكل أو بآخر.