أرشيف البنتاغون المخفي.. آلاف المدنيين من سوريا والعراق قتلتهم أمريكا بالخطأ

نشرت الصحيفة الأمريكية معلومات، قالت إن وزارة الدفاع الأمريكية -البنتاغون- أخفتها، تؤكد استهداف آلاف المدنيين بطائرات من دون طيار، وغالبًا ما كانت الخسائر في صفوف المدنيين، ناجمة عن أن الجيش عند الاستعداد للهجوم، أساء تقدير الوضع على الأرض، أو اعتبر المدنيين إرهابيين، وفي كثير من الحالات، لم يراعِ العسكريون الأمريكيون، أن المدنيين قد يكونون في المباني التي قدروا أنها تعود إلى المسلحين

أرشيف البنتاغون المخفي..  آلاف المدنيين من سوريا والعراق قتلتهم أمريكا بالخطأ
الهجمات خلفت آلاف القتلى المدنيين، بينهم أطفال

ترجمات - السياق

واصلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تحقيقاتها عن الضحايا الأبرياء، جراء قصف الطائرات من دون طيار الأمريكية، بعدد من المناطق المدنية في أفغانستان والعراق وسوريا، ما خلَّف آلاف القتلى المدنيين، بينهم أطفال.

وفي الجزء الثاني من التحقيقات، نشرت الصحيفة الأمريكية معلومات، قالت إن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" أخفتها، تؤكد استهداف آلاف المدنيين بطائرات من دون طيار، مشيرة إلى أنها حصلت على أكثر من 1.3 ألف وثيقة داخلية في وزارة الدفاع الأمريكية، تؤكد أن قيادة البنتاغون لم تجرِ تحقيقات في مثل هذه الحوادث، ولم تتخذ إجراءات لمنعها في المستقبل.

ويشكل هذا التحقيق، الذي استند إلى 1300 تقرير لـ"البنتاغون" عن حوادث أدت إلى ضحايا مدنيين، حصلت عليها الصحيفة الأمريكية اليومية بموجب قانون الشفافية في الإدارات، ضربة لصورة "الحرب النظيفة" التي تجرى بـ"ضربات دقيقة" كما يؤكد الجيش الأمريكي، خصوصًا أن القصف بالطائرات من دون طيار، أصبح الوسيلة المفضلة للجيش الأمريكي منذ 2014 في حربه ضد الجماعات الجهادية، في أفغانستان والعراق وسوريا.

خمسين ألف غارة

وكشفت "نيويورك تايمز" أنه خلال خمس سنوات، شنّ الجيش الأمريكي أكثر من خمسين ألف غارة جوية، في أفغانستان وسوريا والعراق، مشيرة إلى أنه اعترف بقتل 1417 مدنيًا خطأ في غارات جوية بسوريا والعراق منذ 2014، لكن التحقيق وجد أن عدد القتلى المدنيين كان أعلى بكثير.

وفي التحقيق الذي استغرق أشهرًا، حللت الصحيفة الوثائق التي حصلت عليها، وتحققت من الوقائع على الأرض، ودققت المعلومات الرسمية عن أكثر من مئة موقع تعرَّضت للقصف، مبينة أن الوقائع المذكورة كانت معروفة، لكن التحقيق كشف أن عدد الضحايا المدنيين الذين اعترف بهم البنتاغون "أقل من الحقيقة بشكل واضح".

وأضافت: "غالبًا ما كانت الخسائر في صفوف المدنيين، ناجمة عن أن الجيش عند الاستعداد للهجوم، أساء تقدير الوضع على الأرض، أو اعتبر المدنيين إرهابيين، وفي كثير من الحالات، لم يراعِ العسكريون الأمريكيون، أن المدنيين قد يكونون في المباني التي قدروا أنها تعود إلى المسلحين".

وتابعت: "لم يخبر العسكريون الأمريكيون القيادة، بأن مدنيين بمن فيهم الأطفال، قد يكونون في منطقة وجود الإرهابيين".

وتؤكد الصحيفة أن "قيادة البنتاغون لم تنشر تقديراتها للخسائر المدنية المحتملة، إلا في عدد قليل من الحالات، ونادرًا ما تنطوي الإجراءات الداخلية، على أي تغييرات استعدادًا لضربات مستقبلية، ولم تؤدِ إلى إجراءات تأديبية ضد العسكريين، كما أنها أوصت بإجراء تحقيقات في 12% فقط من عدد الغارات الجوية التي قُتل فيها مدنيون، واعتمدت أدلة غير كاملة أو غير صحيحة وتم إيقافها"، مشيرة إلى أن "القيادة الأمريكية دفعت تعويضات لأسر القتلى والمصابين، في أقل من عشر قضايا فقط".

سوريا

وفي ما يخص الوضع في سوريا، كشفت "نيويورك تايمز" أنه في 19 يوليو 2016، قصفت قوات العمليات الخاصة الأمريكية ما اعتقدت أنه ثلاث "مناطق تجمع" لداعش في ضواحي توخار، وهي قرية صغيرة على ضفاف النهر شمالي سوريا، وأفادوا حينها بقتل 85 مقاتلًا من التنظيم الإرهابي، بينما هم في الواقع -حسب الصحيفة- قصفوا منازل بعيدة عن خط المواجهة، حيث سعى المزارعون وعائلاتهم وغيرهم من السكان إلى ملاذ ليلي من القصف وإطلاق النار، وأدى القصف إلى قتل أكثر من 120 قرويًا.

كما كشفت النقاب عن "خلية سرية جدًا" دبرت إطلاق عشرات آلاف الصواريخ والقنابل على سوريا، في الحرب ضد "داعش".

ووفق "نيويورك تايمز" فإن فرقة "Talon Anvil" خلية قتالية أمريكية سرية للغاية، كانت مسؤولة عن إلقاء عشرات الآلاف من القنابل والصواريخ، ضمن المناطق التي كانت خاضعة للتنظيم وينشط فيها مسلحوه.

وأشارت الصحيفة إلى أن الفرقة مسؤولة عن مقتل عشرات الأشخاص، في بلدة الباغوز شرقي سوريا في مارس 2019، بعد شن طائرات أمريكية غارتين، وإلقاء قنابل بـ2500 رطل.

وذكرت أن عمليات القصف أصابت (بالخطأ) مدنيين، ومن ذلك استهداف أشخاص يجرون باتجاه موقع أثناء قصفه، اعتبروا مقاتلين لتنظيم الدولة (داعش)، وليس رجال إنقاذ، كما اعتبر راكبو دراجات نارية بسطاء أنهم يتحركون في "تشكيل" ما يدل على هجوم وشيك.

وتفيد وثائق البنتاغون، بأن 4 في المئة فقط من الأخطاء في تحديد العدو، أدت إلى سقوط مدنيين، لكن التحقيق الميداني الذي أجرته الصحيفة، يدل على أن نسبة هذه الحوادث تبلغ 17 في المئة، سقط خلالها ثلث القتلى والجرحى المدنيين.

وحسب "نيويورك تايمز" فإن العوامل الثقافية كان لها أيضًا تأثير كبير في قصف المدنيين، فقد اعتبر العسكريون الأمريكيون أنه "لا وجود لمدنيين" في منزل كانوا يراقبونه خلال أحد أيام رمضان، بينما كانت عائلات عدة نائمة أثناء النهار داخلها، للاحتماء من الحر.

وفي أغلبية الأحيان، ساهمت صور رديئة أو عمليات مراقبة غير كافية، في الضربات التي أدت إلى سقوط مدنيين، كما أنها كبحت محاولات التحقيق.

وذكرت الصحيفة الأمريكية، أن الجيش الأمريكي أمام هذه المعلومات الصادمة، يؤكد "صدق" 216 من أصل 1311 حالة درستها الصحيفة، بينما رفض الجيش الأمريكي تقارير متعلقة بسقوط ضحايا مدنيين، لأنه لم تظهر في مقاطع الفيديو جثث تحت الأنقاض، أو لأنها لم تكن طويلة بما يكفي لاستخلاص نتائج.

العراق

أما في ما يخص العراق، فقد كشفت الوثائق، التي حصلت عليها "نيويورك تايمز" أنه أوائل عام 2017، قصفت طائرة حربية أمريكية مركبة داكنة اللون، يعتقد أنها سيارة مفخخة، توقفت عند تقاطع في حي وادي الحجر غربي الموصل، بينما في الواقع، لم تكن السيارة تحمل قنبلة، بل كانت تحمل رجلاً يُدعى ماجد محمود أحمد وزوجته وطفليه الذين كانوا يفرون من القتال في مكان قريب، وقد قُتلوا في القصف هم وثلاثة مدنيين.

وفي مثال آخر، نفذت ضربة في نوفمبر 2015 بمنطقة الرمادي في العراق، بعد رصد رجل يجر "شيئًا مجهولًا وثقيًلا" إلى موقع لتنظيم داعش، وتبين في تقرير أعد بعد مراجعة أن الذي يحمله الرجل، كان طفلا قُتل في غارة.

أفغانستان

وفي أفغانستان، لم يسلم المدنيين أيضًا من القصف الأمريكي، إذ كشفت "نيويورك تايمز" أن الولايات المتحدة اضطرت مؤخرًا إلى التراجع عن تأكيدها، أن سيارة دمرتها طائرة مسيّرة في أحد شوارع كابل في أغسطس الماضي، كانت محملة بقنابل، وقد تبين أن ضحايا الضربة كانوا عشرة من عائلة واحدة.

ويشير التحقيق إلى أن كثيرين من المدنيين، الذين أصيبوا في ضربات أمريكية وبقوا على قيد الحياة، يعانون إعاقات تتطلب علاجًا مكلفًا، وأن أقل من 12 منهم تلقوا تعويضات مالية.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن الناطق باسم القيادة المركزية الأمريكية بيل أوربان، قوله: "حتى بوجود أفضل التقنيات في العالم، تحدث أخطاء، إما بسبب معلومات خاطئة وإما تفسير خاطئ للمعلومات المتوافرة".

وأضاف: "نبذل أقصى جهودنا لتجنُّب الإضرار، ونحقق في كل القضايا التي تتمتع بصدق، ونأسف لكل خسارة في أرواح أبرياء".

ورأت الصحيفة أن "ما يظهر نهاية الاطلاع على أكثر من 5400 صفحة من الوثائق، هو وجود مؤسسة عسكرية، تقبل بأن تكون هناك أضرار جانبية حتمية"، في إشارة إلى أن قتل المدنيين، لا يمكن تجنُّبه في المستقبل.