خلية أزمة واستعداد للتنازل... ثورة داخل حركة النهضة تهدِّد مصيرها
الانقسام يضرب حركة النهضة ويدفعها إلى تشكيل خلية أزمة... والرئيس التونسي يحذِّر

السياق
«من انقلاب إلى فرصة للإصلاح»، تحول كبير في موقف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، تجاه قرارات الرئيس قيس سعيد، في ظِل أسوأ أزمة تضرب الحركة منذ 10 أعوام، وتضع مستقبلها السياسي على المحك.
الغنوشي، الذي يرأس حركة النهضة، منذ نشأتها بداية سبعينات القرن الماضي، دعا خلال اجتماع -وُصف بـ«العاصف» أمس- إلى «تحويل إجراءات 25 يوليو إلى فرصة للإصلاح، وأن تكون مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي».
تحول تاريخي
إلا أن ذلك التصريح، الذي أطلقه الغنوشي عُدَّ انقلابًا على تصريحاته السابقة، التي كان يصف فيها قرارات الرئيس قيس سعيد، بإعلانه التدابير الاستثنائية وتجميده اختصاصات البرلمان، بالانقلاب على الدستور.
التصريح الذي نشرته حركة النهضة عبر حسابها في «فيسبوك» مع صورة للغنوشي، سرعان ما حذفته من دون إبداء أسباب.
إلا أنه بعد ساعات من حذف التصريح، الذي أثار جدلًا كبيرًا، قالت الناطقة الرسمية باسم مجلس شورى النهضة، سناء مرسني، إن المجلس قرَّر تشكيل خلية أزمة، تحت إشراف رئيس الحركة راشد الغنوشي، تتولى إعداد خارطة طريق للمرحلة الجديدة، والتفاوض مع مختلف الأطراف.
تصريحات مرسني، تأتي بعد انسحاب عدد من أعضاء مجلس شورى النهضة، خلال اجتماع الدورة الـ 52، بينهم القياديات يمينة الزغلامي ومنية إبراهيم وجميلة الكسيكسي، وإعلانهن عدم تحملهن أي مسؤولية عن قراراته.
من جانبها، قالت القيادية في حركة النهضة، يمينة الزغلامي، عبر صفحتها الرسمية في «فيسبوك» بعد انسحابها من الدورة الاستثنائية لدورة الشورى، إنها لا تتحمَّل مسؤولية أي قرار يصدر منها، نتيجة سياسة الهروب إلى الأمام وعدم الانتباه لخطورة اللحظة التي تمر بها الحركة والبلاد.
وأكدت القيادية منية إبراهيم، عدم اعترافها بأي قرار يصدر من مجلس الشورى، وهو ما أشارت إليه جميلة الكسيكسي بدورها، مؤكدة انسحابها وبراءتها من كل قرار يصدر عن المجلس.
تلك التصريحات، التي أطلقها الغنوشي وقيادات في النهضة، أحدثت شرخًا كبيرًا داخل الحركة، وأثارت مبارزات بين قيادييها، فبينما يرى فريق أن الحركة يجب أن تراجع موقفها وتتصالح مع التونسيين، ما زال آخرون يصرون على أن قرارات الرئيس سعيد انقلاب على الدستور.
رأي شخصي
القيادي في النهضة سامي الطريقي، الذي أيد عبر صفحته الرسمية في «فيسبوك»، تصريحات الغنوشي، مؤكدًا أن الأخير صرَّح بها خلال مجلس شورى الحركة، الذي عُقد مساء الأربعاء، قوبل بنفي من القيادي رفيق عبدالسلام، الذي قال إنه لا علاقة له بما ورد من مداولات في مجلس الشورى، وإنه رأي شخصي يمثِّل الغنوشي.
إلا أن ذلك لم يكن رأي محمد القوماني، عضو المكتب التنفيذي لحزب النهضة، الذي أكد أن الحركة عاشت زلزالًا سياسيًا بسبب قرارات الرئيس سعيد، كاشفًا عن اختلافات داخلية في الحزب بشأن تلك القرارات.
واعترف القيادي في حركة النهضة، في مقطع بثته الحركة عبر حسابها في «فيسبوك»، بأن الحركة أخطأت، مشيرًا إلى أنها ستصوِّب بوصلتها، وستعتذر للتونسيين عن الأخطاء التي ارتكبتها.
استعداد للتنازل
وأكد القيادي في النهضة، أن الحركة لديها استعداد للتفاعل والتنازل، لتهيئة البلاد للانتخابات المبكرة، مشيرًا إلى أنه حال إعادة البرلمان إلى أعماله، ستتغيَّر أولوياته، وكذلك أوضاعه.
وأشار إلى محاولات لإزاحة راشد الغنوشي من رئاسة النهضة، قائلًا: كل رغبة في إزاحة راشد الغنوشي من المشهد السياسي، جزء من خطة وصفها بـ«الانقلابية» سنتصدى لها.
رسالة طمأنة
من جهة أخرى، وفي محاولة من الرئيس التونسي، لتأمين مؤسسات الدولة من أي اختراق إخواني، زار وزارة الداخلية، لبث رسالة طمأنة للتونسيين، بأنه سيتم التصدي لكل محاولات التسلل إلى مفاصل الدولة، وتفتيتها من الداخل، أو المس بوزارة الداخلية وتوظيفها لمآرب شخصية.
وأكد الرئيس التونسي -في تصريحات بثتها الرئاسة التونسية عبر حسابها في «فيسبوك»- حيادية وزارة الداخلية، التي هي وزارة كل التونسيين، مشيرًا إلى أن تونس دولة القانون، وأن التونسيين سواسية أمام القانون.
مصاصو دماء الشعب
وتعهد الرئيس سعيد، بألا يتم التعرُّض لأي شخص، من دون سبب قانوني، مشدِّدًا على أن الصلح لا يكون إلا مع الشعب، وليس مع مَنْ وصفهم بـ«مصّاصي الدماء» ومَنْ يحاولون ضرب الدولة من الداخل وتفجيرها.
وأشار إلى أن بعض مَنْ لديهم مليارات في الداخل والخارج، يبحثون سبلًا ملتوية للخروج من تونس، مؤكدًا أن الدولة التونسية لن تعترض طريق أحد، مادام نظيفًا، إلا أن مَنْ يواجه قضايا، عليه أولًا أن يعيد الأموال إلى الشعب التونسي.
تفتيت المجتمع
وحذَّر من أن الخطر الحقيقي الذي يتهدَّد الدول، هو محاولات تفتيت المجتمع والمواقف التي لا تدل على الانتماء إلى هذا الوطن، في إشارة إلى تصريحات الغنوشي، التي هدَّد فيها أوروبا بموجة من اللاجئين، حال الوقوف مع قرارات الرئيس سعيد.
وهو ما أشار إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، منددًا بما اعتبره مساعي أطراف في حركة النهضة لـ«تأليب الرأي العام الدولي والتحريض على تونس، من خلال الاستقواء بقوى أجنبية».
تحريك لوبيات
وأكد الناطق الرسمي باسم الاتحاد سامي الطاهري -في تصريحات بثتها وكالة تونس إفريقيا للأنباء- أن أطرافًا داخل حركة النهضة، تحاول تحريك "لوبيات" من أجل الضغط، لحمل بلدان غربية على التدخل في الشؤون الداخلية لتونس.
وأشار إلى أن هذه المحاولات، تستهدف إقناع "لوبيات" خارجية بالضغط على حكومات البلدان الغربية، ومن بينها دول أوروبية والولايات المتحدة، من أجل تعليق المساعدات الصحية الموجَّهة إلى تونس، فضلًا عن تحريض بلدان صديقة، لفرض عقوبات اقتصادية على تونس، في مخالفة لكل الأعراف الدولية.
هذه الدعوات وصفها القيادي في اتحاد الشغل، بأنها تشكِّـل استهدافًا لاستقلالية القرار الوطني، محذِّرًا من أن هذه المحاولات قد تكون لها تبعات قانونية واتهامات أمام القضاء، تصل إلى الخيانة، مشيرًا إلى أن المسار التصحيحي كان أمرًا اقتضته مطالب التونسيين.
قرارات جريئة
وكان قطاع الشباب في حزب النهضة، دعا راشد الغنوشي إلى اتخاذ قرارات جريئة «تؤكد بالفِعل استيعاب الرسائل السياسية» لقرارات الرئيس قيس سعيد، التي لقيت ترحيباً في الأوساط الشبابية والشعبية.
وقال راشد الكحلاني، رئيس «قطاع الشباب» في الحركة -في تصريحات صحفية- إن أغلبية شباب الحركة، دعت إلى انتخاب قيادة وطنية للإنقاذ، يتشكَّـل معظمها من الشباب، لتسيير شؤون الحركة في هذه المرحلة الانتقالية، في انتظار عقد المؤتمر الوطني العاشر نهاية العام الجاري، بعد أن تأجَّل مرات عدة، بسبب وباء كورونا.