حل مجلس القضاء الأعلى.. ضربة جديدة لإخوان تونس

هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، تكشف عن وجود وثائق تكشف عن تورط رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بالتخابر مع جهات أجنبية، إلى جانب وجود وثائق تؤكد تورط الغنوشي بالاعتداء على أمن الدولة التونسية.

حل مجلس القضاء الأعلى.. ضربة جديدة لإخوان تونس
راشد الغنوشي

السياق

أثار قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد، حل المجلس الأعلى للقضاء الذي يمثل السلطة القضائية المستقلة في البلاد، ردود فعل متباينة في تونس، فبينما رأى البعض أن القرار الهدف منه إصلاح القضاء، وإنهاء نفوذ الإخوان في مؤسسات الدولة، دعت جمعية القضاة التونسيين، إلى تعليق العمل في المحاكم، احتجاجًا على قرار الرئيس.

يأتي قرار سعيد بحل المجلس، بعد انتقاداته اللاذعة على مدى أشهر للقضاة، حين ردد كثيرًا بأنه لن يسمح بأن تكون هناك دولة للقضاء، بل هناك قضاء الدولة.

كما انتقد -في أكثر من مناسبة- تأخر القضاء في إصدار الأحكام في قضايا الفساد والإرهاب، قائلًا إن هناك فسادًا، وإنه مصر على إصلاح القضاء.

بدوره، رفض المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين تصريحات الرئيس قيس سعيد، بحل المجلس، ورأى أن حل المجلس الأعلى للقضاء -بصفته مؤسسة دستورية مستقلة- تدخلٌ مباشرٌ في السلطة القضائية، وتقويضٌ لنظام الفصل بين السلطات عماد دولة القانون، بحسب قولهم.

ودعت جمعية القضاة التونسيين، إلى تعليق العمل بكل محاكم الجمهورية اليوم الأربعاء وغداً الخميس، معبِّـرة عن رفضها لقرار حل المجلس الأعلى للقضاء.

إلى ذلك، طالب مبعوثون غربيون، الرئيس التونسي قيس سعيّد، بالرجوع عن قراره حلّ المجلس الأعلى للقضاء.

وأصدر السفراء المعتمدون لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في تونس "المملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة وإيطاليا واليابان وفرنسا وكندا"، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، بياناً مشتركاً، أعربوا فيه عن "قلق بالغ مما أعلنه الرئيس سعيّد بحل المجلس الأعلى للقضاء من جانب واحد، هذا المجلس الذي تتمثل مهمته في ضمان حُسن سير القضاء واحترام استقلاليته".

كان الرئيس سعيّد، قال إنه يطمئن الجميع في تونس وخارجها، أنه لن يتدخل في شؤون القضاء. وأضاف أن المسؤولية اقتضت وضع حد للمهازل التي نستمع إليها.

أدوات القرار

بدورها، أعلنت هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، تأييدها لقرار حل المجلس الأعلى للقضاء، معتبرة أن السلطة القضائية لا تملك أدوات القرار والاستقلال.

وأعلنت الهيئة في مؤتمر صحافي اليوم الأربعاء، وجود وثائق تكشف عن تورط رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بالتخابر مع جهات أجنبية، إلى جانب وجود وثائق تؤكد تورط الغنوشي بالاعتداء على أمن الدولة التونسية.

وقالت الهيئة، إنها ضد المجلس الأعلى للقضاء في تونس بتركيبته الحالية، موضحة أن السلطة القضائية لا تملك أدوات القرار والاستقلال.

وأوضحت أن القاضي العكرمي ارتكب جرائم بتورطه بملف الاغتيالات بتونس، وبعلاقته بالجهاز السري للغنوشي، مشيرة إلى أنه لم يوجه أي تهم بقضية الغرفة السوداء.

إصلاح شامل

قال المحلل السياسي التونسي مختار اللواتي، في تصريحات لـ"السياق" إن السلك القضائي بتونس بحاجة إلى إصلاح، وأضاف: "هناك شبه إجماع شعبي على تخاذل القضاة وحتى على مستوي المحامين، فقد عملت هيئة الدفاع عن الراحلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، بكل جهدها، لإماطة اللثام عن سر عدم التقدم في الكشف عن قتلتهما، بينما كشفت وثائق عدة تورط قضاة في المماطلة، حسب قوله.

وراى المحلل السياسي التونسي أن "أغلبية معارضي قرارات سعيد الإصلاحية منذ 25 يوليو 2021، التي كان آخرها اتخاذ قرار حل المجلس الأعلى للقضاء، إما مناصرون لحركة النهضة الإخوانية، وإما من المغرمين بالدفاع عن الشكليات الإجرائية القانونية، من دون الأخذ بالاعتبار ضرورات الواقع، مستندًا إلى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات".

غير أن "اللواتي" أقر ببطء إعلان الرئيس التونسي، حزمة الاجراءات الاستثنائية، التي كان من المرتقب إعلانها منذ 25 يوليو الماضي، وهى المدة التي يرى أن معارضي سعيد، وفي مقدمتهم "النهضة" عملوا على استغلالها، في محاولة لإعادة ترتيب أوراقهم ووحدة صفهم، مستغلين في ذلك لفيفًا من اليساريين والحقوقيين، الذين يتشبثون بالمظهر ويهملون الجوهر.

وأشار المحلل التونسي، إلى دعوة راشد الغنوشي رئيس البرلمان المجمد، لعقد اجتماع عبر الإنترنت للمجلس، الأمر الذي قال إنه لجس النبض لاجتماع أكثر مشاركة فيه من الأعضاء المجمدين، وحتى من غيرهم ممن يعارضون الرئيس وإجراءاته تحت مسميات مختلفة.

وشدد على ضرورة إسراع رئيس الدولة، بالدعوة إلى انتخاب مجلس  نواب جديد، حتى تنطلق عملية محاسبة ومحاكمة علنية عادلة، تنهي الشك باليقين في كل ما علق بصفحة حكم الإخوان، والمضي في تصحيح المسار الديمقراطي، على أسس صلبة نظيفة لا لبس فيها.

 

استكمال المسار الديمقراطي

السجال الدائر بين الرئيس التونسي والمجلس الأعلى للقضاء، لم يكن وليد الأحد الماضي بتصريحات سعيد حل المجلس، فقد سبقته تصريحات متكررة، انتقد خلالها سعيد مرفق العدالة في البلاد، مشيرًا إلى أنه "مسيس ويخدم أطرافًا معينة بعيدًا عن الصالح العام" فضلًا عن جملة من قرارات تجميد المنح المالية المسندة لأعضائه.

 قرار حل المجلس، قابله القضاة برفض تام وتصعيد ودعوات للاحتجاج، أمام مقر المجلس الأعلى للقضاة، الخميس 10 فبراير الجاري، إلى جانب إعلان بعقد اجتماع عام قضائي لعموم القضاة التونسيين، السبت 12 فبراير، لم يعلن مكان انعقاده.

مع هذا التصعيد من القضاة، يرى المحلل السياسي التونسي محمد ذويب، في تصريحات لـ"السياق"، أن قرار الرئيس قيس سعيد، بحل المجلس الأعلى للقضاة، خطوة مهمة، في سبيل استكمال المسار الديمقراطي، الذي أعلنه الرئيس في 25 يوليو الماضي.

ويلفت ذويب إلى أن المجلس الأعلى للقضاة التونسيين، جاء نتيجة لتوافقات سياسية وخدمة لأحزاب بعينها، ولم يكن لخدمة البلاد والشعب، مشيرًا إلى أن القضاة ظلوا العقبة منذ عام 2011 أمام مضي تونس نحو الديمقراطية، لذا وجب حله بشكل نهائي.

ويرى مراقبون أن إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، حل المجلس الأعلى للقضاة، يجب أن يكون كأمر رئاسي في الجريدة الرسمية، بحسب نص القانون التونسي، إلا أنه اتخذه بموجب الإجراءات الاستثنائية، التي فرضها في 25 يوليو 2021.

ومن المرتقب أن يعيد الرئيس التونسي قيس سعيد، صياغة الدستور ويعرضه لاستفتاء خلال الصيف المقبل، بينما تدعو الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني إلى حوار سياسي، قبل تلك الخطوة.