حروب الكيوي... فاكهة ذهبية تغذي العداء بين نيوزيلندا والصين

منتصف عام 2010، أخذ بعض مزارعي الكيوي أسرار زراعتها وتفوق نيوزيلندا فيها، ونقلوه إلى الصين، ومنذ ذلك الحين، ظهرت آلاف الهكتارات من البساتين هناك، ما جعل نيوزيلندا تمضي سنوات تكافح لحماية أسرارها الزراعية بالنسبة للكيوي.

حروب الكيوي... فاكهة ذهبية تغذي العداء بين نيوزيلندا والصين
فاكهة الكيوي

ترجمات - السياق

سلَّطت صحيفة الجارديان البريطانية، الضوء على حرب مختلفة من نوعها، أساسها ليس الخلافات على أرض، ولا التوسع الاستعماري، أو حتى الخلاف على مجرى مائي، وإنما على أحد أنواع الفاكهة.

الفاكهة التي قصدتها الجارديان هذه المرة، هي الكيوي، التي قد تتسبَّب في حرب محتملة بين نيوزيلندا والصين، ورغم أنها حرب تجارية، فإن بعض الحروب قد تبدأ لأسباب اقتصادية، وتنتهي عسكريًا.

تنتشر فاكهة الكيوي في كل مكان عبر العالم، إلا أنها بالنسبة لنيوزيلندا الفاكهة الأهم، لأنها أكثر صادرات البستنة قيمة وتصديراً، ما جعلها سببًا لصراع وتوتر قائم بينها وبين الصين.

منتصف عام 2010، أخذ بعض مزارعي الكيوي أسرار زراعتها وتفوق نيوزيلندا فيها، ونقلوه إلى الصين، ومنذ ذلك الحين، ظهرت آلاف الهكتارات من البساتين هناك، ما جعل نيوزيلندا تمضي سنوات تكافح لحماية أسرارها الزراعية بالنسبة للكيوي، إلا أنها صدمت أمام تحديات عدة، خصوصًا أن الصين كانت أكبر مستورد للكيوي النيوزيلندي.

 

الشمس الذهبية

تُعَـدُّ تجارة الكيوي أساسية لنيوزيلندا، فقد حقَّقت شركة Zespri، وهي جمعية تعاونية كبيرة للكيوي، عائدات بلغت نحو 3.9 مليار دولار نيوزيلندي (1.9 مليار جنيه إسترليني) العام الماضي فقط.

لكن هناك نوعاً جديداً من الكيوي، تختص به نيوزيلندا، يسمى Sungold (الشمس الذهبية) هو الأهم بين كل الأنواع، حيث ساعد في إنقاذ التجارة المحلية من كارثة الركود، لكن بحلول عام 2010، تم تدمير بساتين الكيوي، بسبب مرض جديد يعرف باسم PSA. حيث تعفنت الأزهار وتلفت الفاكهة.

وقالت "الجارديان": لقد كان كابوسًا ماليًا وبستانيًا، لأنه أضاع على البلاد نحو 900 مليون دولار نيوزيلندي، وكانت الأصناف الذهبية (الشمس الذهبية) المشهورة حديثًا من بين الأكثر تضررًا.

انضمت شركة Zespri إلى ممولين مختلفين، واستثمرت ملايين الدولارات في البحث عن نوع بديل، كما خفَّضت عدد الأنواع من 50000 نوع إلى 40 نوعًا فقط، وبعد العديد من التجارب، توصلت في النهاية إلى نوع يسمى Gold3، يمتاز بصفات وخصائص مختلفة عن مثيلاته.

من الصفات التي تتميَّز بها Gold3 أنها متينة وجذابة، وذات نكهة لطيفة ومختلفة، وغنية بفيتامين ج، فضلاً عن أنها منخفضة التكلفة ومحصنة ضد بعض الآفات التي تصيب الفاكهة، وأنها مفضَّلة الرجال كمنشِّط جنسي.

كانت Gold3 أوزة Zespri الذهبية، وتحرَّكت الشركة بسرعة لتسجيل حيازة فريدة لها، في مواقع دولية عبر العالم، لتضمن حقوقها الفِكرية فيها.

انتقال السر للصين

بينما بدأ يزدهر هذا النوع من الكيوي في أنحاء نيوزيلندا، وفتح باب كبير للتصدير، سرت شائعة عام 2016، عن وجود نوع Gold3 في الصين، ومن ثم بدأت الشركة توظيف محقِّقين غير عامين، واكتشفت أن الشائعات كانت صحيحة.

حيث كشف التحقيق أن رجلاً صينيًا يدعى Haoyu Gao وهو مغامر اشترى بستانًا للكيوي في مقاطعة Opotiki ، ثم هرَّب شحنة تحمل سر زراعة Gold3  بـ 60 ألف دولار نيوزيلندي، إلا أن مقامرته انتهت بأن المحكمة العليا النيوزيلندية أمرته بدفع 14 مليون دولار نيوزيلندي كتعويض.

ورغم حكم المحكمة، فإن شركة Zespri اكتشفت أن المساحة المزروعة بالكيوي الينوزيلندي خاصتها، زادت بشكل غير مشروع داخل الأراضي الصينية، بين عامي 2019 و2021 إلى أكثر من 5200 هكتار.

وفور ذلك، بدا أن زراعة Gold3 تنتشر داخل الصين، بشكل لا يمكن إيقافه، ما أضر بالكيوي النيوزيلندي، وتراجعت الصادرات بشكل ملموس.

 

اقتراح جريء

"الجارديان"، تتبعت أصل زراعة الكيوي، فوجدت أنها بدأت في الصين عام 1904، إلا أنها انتقلت إلى دول عدة، منها نيوزيلندا، لكن النوع الفاخر منGold3، لاشك أنه خاص بنيوزيلندا، حتى أن الأوروبيين يربطون دائمًا بين اسم الكيوي ونيوزيلندا.

وأمام ذلك، لم يكن أمام الصين، سوى تقليل تسويق هذه الفاكهة، باعتبارها حقاً تختص به دولة أخرى،

وحتى تقلل نسبة خسائرها، قدَّمت شركة Zespri   النيوزيلندية، اقتراحاً جريئاً، للمزارعين الصينيين، يقوم على مبدأ: (في حال عدم قدرتك على التغلب عليهم، انضم إليهم، أو على الأقل اشتر منتجاتهم)، والمعنى باختصار أنه إذا كانت الشركة لا تستطيع أن توقف هؤلاء، فمن الممكن أن تشتري هي منهم، ثم تتولى هي التسويق، وبذلك تستطيع مواصلة سيطرتها على السوق.

لكن يبدو أن هذا الأمر قد يزعج الصين، إذ يتخوف مراقبون من أن يؤدي ذلك، إلى تدخل مباشر للحكومة الصينية، وحينها لن تستطيع نيوزيلندا وقف زراعة الكيوي داخل الأراضي الصينية، ما دفع وزيرة الخارجية، نانايا ماهوتا، إلى التحذير من الدخول في معترك يخص هذه القضية، قائلة: "ستكون العواقب أكبر بكثير من قضية الملكية الفكرية".

أما في ما يتعلَّق بالجانب الصيني، فيقول المسوولون: "إنها مسألة إرادة سياسية أكثر من أي شيء آخر... السلطات المركزية تريد التركيز على التنمية، لا سيما الريفية، وعلى معالجة قضايا الفقر داخل الصين، وهو ما يشير إلى أن بكين أقل ميلًا إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد المزارعين الريفيين، الذين تبنوا نوعًا جديدًا من الكيوي النيوزيلندي".

تصريحات المسؤول الصيني فُهم منها، أنه لا جدوى من أي شكاوى نيوزيلندية، وأنه مع مرور الوقت قد تصبح الصين المنافس الأقوى لنيوزيلندا في ما يخص إنتاج الكيوي، خصوصًا نوعGold3.

 ومن الواضح -حسب الجارديان- أن زراعة Gold3 في الصين، تتم بإذن ضمني من الحكومات المركزية.

قد تشعر بكين حقًا بضغوط كبيرة لحماية صورتها العالمية، لكن من غير المرجَّح أن تتراجع أو تهتم بمطالب الشركة النيوزيلندية، لأن ذلك في النهاية سيصب في اقتصادها، فضلاً عن أن بكين لا تعطي اهتمامًا متزايدًا باتفاقية التجارة الحرة مع نيوزيلندا، ومن ثم فإن حقوق الملكية النيوزيلندية بشأن الكيوي، في مهب الريح.