آثار كارثية على لبنان بسبب أزمة الوقود.. نزوح جماعي للأطباء وإجلاء دبلوماسيين
حذَّرت الأمم المتحدة، من أن أربعة ملايين شخص -ثلثا سكان لبنان- قد يفقدون الوصول إلى إمدادات المياه في الأيام القليلة المقبلة، مع انقطاع التيار الكهربائي عن محطات الضخ.

السياق
من المهد إلى اللحد، تؤثِّر أزمة الوقود في لبنان على الجميع، فملايين المنازل والشركات، في جميع أنحاء الدولة الواقعة شرقي البحر المتوسط، تعاني انقطاع التيار الكهربائي.
تلك الأزمة التي عطلت إمدادات الغذاء والمياه، جعلت السائقين يصطفون بالآلاف، في محطات البنزين التي لا تملك وقودًا قليلًا، أو ليس لديها وقود للبيع، ما أدى إلى شلل في جميع مناحي الحياة.
السفارة البريطانية في بيروت أجلت -إثر الأزمة- الموظفين غير الأساسيين والعائلات، متعلِّلة بنقص الوقود وتأثيره في الخدمات الحيوية، لا سيما الرعاية الطبية، والنقص الحاد في الفريق الطبي والأدوية والكهرباء.
وحذَّرت الأمم المتحدة، من أن أربعة ملايين شخص -ثلثا سكان لبنان- قد يفقدون الوصول إلى إمدادات المياه في الأيام القليلة المقبلة، مع انقطاع التيار الكهربائي عن محطات الضخ.
وذكرت صحيفة التايمز البريطانية -في تقرير- أنه «مع النقص الحاد في الفريق الطبي والأدوية والكهرباء، التي تُملي مَنْ يعيش ومَنْ يموت، تؤثِّر أزمة الوقود في لبنان على الجميع».
نزوح جماعي
وأكد التقرير، أن نحو 2500 طبيب وممرض غادروا البلاد هذا العام، كجزء من نزوح جماعي أوسع للذين لديهم الوسائل أو المال للهجرة، مشيرًا إلى أن كثيرين غيرهم ليس لديهم خيار سوى البقاء، بينما تشعر أقلية بأن من واجبها البقاء.
الصحيفة البريطانية، سلَّطت الضوء في تقريرها، على قصة الطبيب الاستشاري الدكتور جوليان لحود، الذي اسُتدعي هذا الأسبوع في حالة طارئة، لامرأة دخلت في المخاض مبكرًا، في عملية ولادة عالية الخطورة».
يقول الطبيب، في تصريحات لصحيفة التايمز: «كان المستشفى في غزير، على بعد 15 ميلًا من عيادته في بيروت»، مشيرًا إلى أن تلك المسافة قريبة من الناحية النظرية، لكن بسبب أزمة الوقود الحادة، اضطر لحود إلى استخدام دراجتين وسيارة أجرة للوصول إلى هناك.
وتابع الطبيب اللبناني سرد روايته: عندما وصلت كان المستشفى من دون كهرباء، فقط مولدات الديزل لتشغيل غرفة العمليات، وآلات الموجات فوق الصوتية وغيرها من المعدات، مؤكدًا أن أجنحة كاملة أغلقت.
وأشار إلى أنه وضع مؤخرًا دراجة في صندوق السيارة كإجراء احترازي، لاستخدامها في مسافات قصيرة، خوفًا من الانتظار في طابور البنزين، الذي قد يصل إلى خمس ساعات، ما يجعل من المستحيل على معظم الأشخاص القيام بعملهم.
«تحرَّكت السيارة مسافة ما، لكن كان هناك حاجز طريق إضافي بعد نفق نهر الكلب»، يقول لحود الذي أبلغ راكب دراجة نارية آخر بالأمر، فوافق على نقله، ليصل في الوقت المناسب لولادة الطفلة بأمان.
مولدات الطوارئ
تلك القصة التي تتكرَّر بشكل يومي في قطاعات مختلفة، قال عنها كاتب التقرير ديفيد روز، إن المراكز الطبية في لبنان، تعتمد على مولدات الطوارئ على مدار الساعة، طوال أيام الأسبوع، في حين أن العديد من المنازل والشركات، تتلقى فقط من ساعة واحدة إلى ست ساعات من الكهرباء في الشبكة يوميًا.
وأشار إلى إن إعلان رئيس الجمهورية ميشال عون، أن البنزين سيباع بسعر اصطناعي جديد قدره 8000 ليرة للدولار، سيضاعف الأسعار، التي تبلغ أرقمًا مضاعفة في السوق المفتوحة.
باب للتهريب
بينما يقول اقتصاديون: إن هذا الهراء ليس حلًا طويل الأجل، لأنه يترك حافزًا كبيرًا للتهريب والتخزين، ليس فقط للوقود ولكن لأي سلع مدعومة، بما في ذلك الأدوية، يقول الكاتب إن السوق السوداء ازدهرت، حيث يُباع البنزين في عبوات بلاستيكية بأسعار مرتفعة، وارتفعت أسعار الديزل 450% هذا العام.
وفي مسعى من مليشيا حزب الله لحلحلة الأمر، قالت إنها ستستورد الوقود من إيران لتخفيف الأزمة، إلا أن صحيفة التايمز، قالت إن «أي تسليم للشحنات من إيران، سيستفز أمريكا وإسرائيل، المتهمتين بمهاجمة ناقلات نفط إيرانية، تحاول تسليم شحنات مماثلة إلى سوريا».
وعقدت الرئاسة اللبنانية، الأسبوع الماضي، اجتماعًا في قصر بعبدا، برئاسة الرئيس ميشال عون، لمعالجة أزمة المحروقات، أسفر عن الموافقة على اقتراح وزارة المالية بمطالبة مصرف لبنان بفتح حساب مؤقَّت، لتغطية دعم عاجل واستثنائي للمحروقات، من بنزين ومازوت وغاز منزلي ومقدِّمي الخدمات وصيانة معامل الكهرباء، بما يمثِّل الفرق بين سعر صرف الدولار الأمريكي بحسب منصة صيرفة والسعر المعتمد في جدول تركيب الأسعار والمحدد بـ8000 ليرة لبنانية.
حلحلة الأزمة
وبحسب قرار الرئاسة اللبنانية، فإن الدعم يصل في حده الأقصى 225 مليون دولار أمريكي، حتى نهاية سبتمبر المقبل، على أن يتم تسديد هذه الفروق، بموجب اعتماد في موازنة عام 2022.
وأكد الاجتماع ضرورة التنسيق بين الوزارات والإدارات والأجهزة المعنية، من قضائية وأمنية وعسكرية، للحيلولة دون تخزين مواد البنزين والمازوت والغاز المنزلي أو احتكارها، أو استغلال المخزون الموجود حالياً لتحقيق أرباح غير مشروعة.
الاجتماع بدت آثاره فورية، حيث رفع لبنان أسعار المحروقات بنسبة ترواحت بين 50 و70%، كخطوة نحو رفع الدعم تدريجياً عن المحروقات، مع نضوب احتياطي الدولار لدى مصرف لبنان.
ارتفاع الأسعار
وبحسب مخرجات نتائج اجتماع بعبدا، أعلنت المديرية العامة للنفط في لبنان، ارتفاع سعر البنزين 98 أوكتان من 77500 إلى 133200 ليرة، بزيادة 67%، والبنزين 95 أوكتان من 79700 إلى 129 ألف ليرة بزيادة 66%.
وارتفع سعر قارورة الغاز المنزلي من 58500 إلى 90400 ليرة بزيادة 50%، والديزل أويل (المازوت) من 58500 إلى 101500 ليرة بزيادة 73%.
وكان مصرف لبنان يدعم استيراد الوقود، عبر آلية يوفِّر بموجبها 85% من القيمة الإجمالية لتكلفة الاستيراد، وفق سعر الصرف الرسمي، بينما يدفع المستوردون المبلغ المتبقي، وفق سعر الصرف في السوق السوداء.