فورين بوليسي: لا تتخلوا عن اقتصاد أفغانستان

ربما تكون أفغانستان دولة لا يمكن العيش فيها، وليس لها جيش يمكن قتاله، لكن مجتمعها الجديد يعتمد بشكل كبير على التمويل الخارجي، فإذا كان الغرب يريد المساعدة في ضمان الحد الأدنى من استمرارية الحياة في أفغانستان على الأقل، فإن التدفق المستمر للمساعدات أمر ضروري.

فورين بوليسي: لا تتخلوا عن اقتصاد أفغانستان

ترجمات – السياق
مع انسحاب آخر جندي أمريكي من مطار كابل، بدأت القوى الغربية تتساءل عمّا بقي لها من نفوذ على طالبان.  وفي منتديات، مثل اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع برئاسة المملكة المتحدة، عادة ما تتحوَّل المحادثات في هذا الملف، إلى مناقشة إمكانية استخدام التمويل كوسيلة للضغط، لكن هذا النهج في التعامل مع طالبان سيكون خطيرًا، بحسب مجلة فورين بوليسي الأمريكية.
وذكرت المجلة -في تقرير- أن أفغانستان تعتمد على المساعدات الخارجية، مشيرة إلى أنها، خلال السنوات الأخيرة، تلقَّت مساعدات تعادل 43 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، لكن تم تعليق هذا التدفق من الأموال في الوقت الحالي، ما منح الغرب فرصة لالتقاط الأنفاس، وبحث كيفية التعامل مع الحركة، بعد عودة استيلائها على أفغانستان.
إذا مارست القوى الغربية ضغوطًا على البلاد بشكل عشوائي، فإن ذلك يعني حرمان أفغانستان من آخر مصدر دعم لها، في الوقت نفسه الذي تنسحب فيه من البلاد، وهو ما يمكن أن يجعل طالبان تشكل تهديدًا لحرية الأفغان وحقوقهم، لأن الإنهاء المفاجئ للتمويل الغربي، لا شك سيعرَّض بقاءهم المادي للخطر، وفقًا للتقرير.
وأشار التقرير، إلى أن أبرز مؤشر لهذه العلاقة القائمة على التبعية، هو ميزان البلاد التجاري، إذ تعاني أفغانستان عجزًا يتراوح بين 25 و30 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، بينما تجاوزت واردات أفغانستان سنة 2020 البالغة 7 مليارات دولار، صادراتها البالغة 1.7 مليار دولار بأربعة أضعاف.

أفقر بلدان العالم


ورأى التقرير، أن هذا الأمر ليس مفاجئًا، لأن أفغانستان من أفقر دول العالم. ومن المعروف أن الدول الفقيرة تعاني حاجة لا نهاية لها من البضائع الأجنبية، لكن المشكلة تكمن في أن لديها القليل لتتاجر به، وإلا لما كانت فقيرة في المقام الأول.
في هذه الحالة، تعتمد الدولة الفقيرة، في سد حاجتها من الواردات، على التمويل الخارجي، وليس من قبيل الصدفة أن تسجل أفغانستان عجزًا تجاريًا ضخمًا لأول مرة في أعقاب سنة 2001 بعد تدخل القوى الغربية، ليبلغ ذروته خلال طفرة زيادة القوات الأمريكية، بقرار من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بين 2012 و2013، وذلك يشير إلى أن ارتفاع الواردات نتيجة مباشرة للمساعدات الخارجية.
وأوضح التقرير، أنه إلى جانب الدعم العسكري في أفغانستان، تدفقت أموال المساعدات وتبعتها مدفوعات المقاولين وهروب رؤوس أموال النخبة الفاسدة، مشيراً إلى أن التدفقات العملاقة للأموال الأجنبية، تسبَّبت في اقتصاد موازٍ، مدني في جزء منه وعسكري في الجزء الآخر.
وأضاف التقرير: "بما أن هذا التمويل سيتوقف في الوقت نفسه الذي يهرع فيه العديد من الذين استفادوا منه إلى المطار، سيكون من السهل تجاهل ما يحدث في البلاد، فما يأتي بسهولة يذهب بسهولة، وبعبارة أخرى، عندما ينسحب الغرب، ستعود أفغانستان إلى حالة الاكتفاء الذاتي التي كانت عليها، لكن إذا أرادت طالبان عودة تدفق المال مجددًا، سيكون عليها قبول الشروط الغربية".

سياسة سطحية


وصف التقرير، هذه السياسة بأنها سطحية وخطيرة ومثيرة للسخرية، مشيرًا إلى أن اعتبار التمويل خدمة -تُمنح أو تُجمَّد حسب درجة امتثال طالبان للتوقُّعات الغربية- يلغي وجود أفغانستان، التي ظهرت إلى العالم بعد عشرين سنة من التدخل الأجنبي.
ربما تكون أفغانستان دولة لا يمكن العيش فيها، وليس لها جيش يمكن قتاله، لكن مجتمعها الجديد يعتمد بشكل كبير على التمويل الخارجي، فإذا كان الغرب يريد المساعدة في ضمان الحد الأدنى من استمرارية الحياة في أفغانستان على الأقل، فإن التدفق المستمر للمساعدات أمر ضروري.
وعن المراحل التي مرت بها أفغانستان، قال التقرير، إن كابل مرت بظروف مختلفة خلال 20 عامًا، وطوال هذه الفترة اعتمدت إلى حد كبير على الأموال والسلع المستوردة، فقد اتسع نطاق التعليم في كل مستوياته، واستقطب تمويلًا كبيرًا من الخارج.
وطوال السنوات العشرين الماضية، ارتفع متوسط العمر المتوقع لسكان البلاد بشكل كبير، وانخفضت معدلات وفيات الرضع والأمهات، ويعود الفضل في كل ذلك بدرجة كبيرة، إلى النظام الطبي المموَّل من الخارج.
وأضاف التقرير: أما الآن فقد انتشر استخدام الهواتف المحمولة والإنترنت في أفغانستان، حيث تأتي جميع الإلكترونيات من الخارج، وزاد استهلاك الطاقة الكهربائية، بأكثر من عشرة أضعاف، ويتم استيراد نحو 70 في المئة منها، أو ما تصل قيمته إلى 280 مليون دولار سنويًا.
إضافة إلى ذلك، زاد عدد السيارات المسجلة بأكثر من الضعف، منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، بينما لا تقتصر الحاجة في الاستيراد على السيارات، بل تشمل البنزين والديزل أيضًا، ففي سنة 2002، كانت أفغانستان تعتمد على 280 برميلًا من النفط المستورد كل يوم، أما سنة 2018، فزاد هذا العدد إلى 13300 برميل.

تجارة الأفيون
وعن الصادرات والواردات، ذكر التقرير، أن الحكومة الأفغانية إن اضطرت إلى خفض وارداتها، للمستوى الذي يمكن تمويله من صادراتها -بافتراض أنها تستطيع الاستمرار في التصدير- سيتعين عليها تخفيض الواردات 75 في المئة، ومن شأن ذلك أن توجيه ضربة قاسية للبلاد.
لكن أرقام عائدات الصادرات الرسمية لأفغانستان، لا تشمل مصادرها الأكثر إدرارًا للربح وهو الأفيون، ونظرًا لأنها المورِّد الأبرز للأفيون في العالم، يتصور كثيرون أن أفغانستان دولة فاحشة الثراء، لكن الأفغان لا يسيطرون على التسويق، على غرار عصابات المخدرات الكولومبية.
وأوضح التقرير، أنه عام 2019، قدَّرت الأمم المتحدة عائدات مزارعي الأفيون الأفغان بما يتراوح بين 1.2 مليار و2.1 مليار دولار، لكن الفوائد تُوزَّع بشكل غير متساوٍ في المجتمع الأفغاني، وما يصل منها سبق أن حُدِّدت وِجهته. 
وأشار إلى أنه من خلال القنوات المختلفة، تتدفق الأموال إلى الاقتصاد الأفغاني، وتغطي تكاليف المشتريات المحلية والمستوردة، التي قد يتم تهريب الكثير منها على سبيل التبادل، وذلك بعدما بدأت أسواق المخدرات العالمية التعافي من أدنى مستوياتها في الجائحة، لكن من غير المنطقي أن تعتمد دول الغرب على ارتفاع أسعار الهيروين، لإنقاذ أفغانستان من الجوع الذي يلاحق سكانها.
العملة الأجنبية
وتوقَّع التقرير، أن تلجأ أفغانستان إلى الاعتماد على احتياطاتها من العملات الأجنبية لدفع ثمن الواردات، إذ جمعت أفغانستان 9.4 مليار دولار، وهو ما يكفي لتغطية ما يقرب من 18 شهرًا من الواردات.
ونقل التقرير، عن أجمل أحمدي، محافظ البنك المركزي الأفغاني السابق، قوله: إن طالبان أتت إلى العاصمة بحثًا عن الاحتياطيات، وخاب مسعاهم عندما اكتشفوا أن الأموال لم تكن في كابل، بل في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في نيويورك.
ووفقًا للتقرير، فإن ما يعيق الحركة أيضًا، أنها تنتظر عقوبات جديدة من وزارة الخزانة الأمريكية، بينما كان صندوق النقد الدولي قد قرر الامتناع عن صرف 400 مليون دولار من المساعدات المخصَّصة لأفغانستان، ضمن حقوق السحب الخاصة للمخصصات العالمية البالغة 650 مليار دولار. 
وتساءل التقرير، عن الطرق التي قد تلجأ إليها طالبان، لدفع عجلة الاقتصاد الأفغاني، مشيراً إلى أن الغرب الذي يحاول إعطاء حركة طالبان تدريبًا في الاقتصاد، يعي أن الحركة تفترض أن التمويل سيرد إليها، إما من باكستان أو الصين، لكن باكستان، التي تنخرط في برنامج صندوق النقد الدولي، لا تملك الموارد اللازمة لتغطية العجز في أفغانستان، وفي الأثناء، قد تبدي الصين استعدادًا للمساعدة، إلا أنها لم تتعهد بأي التزامات حتى الآن.
وبحسب التقرير، فإن ما تحتاجه أفغانستان، هو جهد إنساني متعدِّد الأطراف مموَّل بشكل كبير لضمان استمرار الحياة إلى أقصى حد ممكن، وحماية الملايين من الهلاك، مشيراً إلى أن ذلك ينطبق على الشعار الذي تبنته رئيسة مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في أفغانستان، إيزابيل موسارد كارلسن: "ابقوا وقدِّموا".