فاتورة باهظة... كيف ضاعفت حرب تيغراي خسائر إثيوبيا الاقتصادية؟
كيف ضاعفت الحرب في تيغراي الفاتورة الاقتصادية لإثيوبيا؟

السياق
حرب استمرت 10 أشهر وما زالت، كبَّدت الاقتصاد الإثيوبي، خسائر فادحة، تحتاج إلى سنوات لإصلاحها، وأرهقت مواطني البلد، الذي كان يطمح إلى النهوض سريعًا من عقود الحرب.
فآلاف الأشخاص لقوا حتفهم، ونزح نحو مليونين، بينما يعتمد أكثر من 5 ملايين على المساعدات الغذائية الطارئة، ويتعرَّض 400 ألف لخطر المجاعة، ورغم ذلك فإن العنف في إثيوبيا يتزايد خارج إقليم تيغراي.
تلك الأحداث، التي نجمت عن حرب تخوضها إثيوبيا في إقليم تيغراي، أنفقت أديس أبابا عليها ملايين الدولارات لحسمها من دون جدوى، ضاعفت خسائر الاقتصاد الإثيوبي، وأدت إلى تدهور العملة المحلية، ما استنزف الاحتياطات النقدية للبلد الإفريقي، وألقى مزيدًا من العبء على المواطنين.
تدهور اقتصادي
وبحسب الإحصاءات الرسمية، فإن تكلفة السلع الاستهلاكية الأساسية ارتفعت في إثيوبيا، مسجِّلة زيادة في المتوسط أعلى بنحو الربع في يوليو الماضي مقارنة بالعام السابق.
وتراجع سعر البير (العملة الرسمية في إثويبيا) في السوق غير الرسمية، إلى 67 بيرا مقابل الدولار، بينما يباع في المصارف المحلية بــ45 بيرا، في وضع عبَّـر فيه تجار محليون عن قلقهم من تدهور الوضع الأمني، في ظل انتشار الحرب خارج تيغراي ومنطقتي عفار وأمهرة المجاورتين.
من جانبه، قال فيصل روبل، خبير مقيم في الولايات المتحدة، متخصِّص في شؤون القرن الإفريقي، في تصريحات لـ«بي بي سي»،: إن الإنفاق على المجهود الحربي أثَّر سلبًا في قدرة إثيوبيا على شراء الدولار، ما تسبَّب في تدهور سعر الصرف.
وأوضح روبل، أن كثيرين يلجأون إلى تجار الأموال، على الحدود مع جمهورية أرض الصومال، المعلنة من طرف واحد، ما يدفع سعر عملة البير إلى التراجع أكثر.
الخبيرة الاقتصادية إيرمغارد إيراسموس، من مجموعة «إن كيه سي أفرقان إيكونوميكس» الاستشارية، قالت في تصريحات لـ«بي بي سي»، إن صراع تيغراي أثَّر أيضا بشكل كبير في تصورات المستثمرين.
الإنفاق العسكري
وتقول الخبيرة الاقتصادية: إن الإنفاق العسكري الإثيوبي قد يكون أعلى من المتوقَّع، مشيرة إلى أن أديس أبابا ربما تحمَّلت ديونًا لم يُعلن عنها في الماضي.
وتوقَّع صندوق النقد الدولي، أن يتباطأ النمو الاقتصادي الإجمالي لإثيوبيا لهذا العام بشكل كبير من 6% عام 2020 إلى 2% فقط عام 2021، وهو أدنى مستوى منذ ما يقرب من عقدين، بينما حذَّر مراقبون من ارتفاع الدين الوطني الإثيوبي، وتوقعوا أن يصل إلى 60 مليار دولار العام الجاري، أو ما يقرب من 70% من إجمالي الناتج المحلي.
كبح التضخم
وفي محاولة من أديس أبابا للسيطرة على الأوضاع، تقول وكالة بلومبرغ، إن إثيوبيا ضاعفت شرط الاحتياطي القانوني للمقرضين التجاريين، وزادت كمية العملات الأجنبية التي يتعين عليهم تحويلها إلى البنك المركزي، لكبح جماح التضخم.
وقال فيكادو ديجافي، نائب محافظ البنك الوطني الإثيوبي، المسؤول عن السياسة النقدية وكبير الاقتصاديين فيه: اعتبارًا من الأول من سبتمبر الجاري، سيزداد الاحتياطي المطلوب إلى 10%، مشيرًا إلى أن البنوك ستطالب أيضًا بتحويل 50% من ممتلكاتها من العملات الأجنبية إلى البنك المركزي، مقارنة بـ 30% في السابق.
ويقوم البنك المركزي بتعديل سياساته، لإبطاء التضخم الذي تسارع إلى 26.4% في يوليو، وهي أسرع وتيرة منذ ما يقرب من عقد، بحسب «بلومبرغ»، التي قالت إنه كان على ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، أن تتعامل مع نقص العملة الأجنبية، الأمر الذي جعل من الصعب استيراد السلع وخدمة الدين الخارجي للدولة.
وقال فيكادو: تهدف الإجراءات الجديدة، إلى تقليص الأموال المتداولة في الاقتصاد (..) كنا بحاجة إلى تشديد السياسة النقدية بسبب ارتفاع ضغط التضخم في البلاد.
ويخطِّط البنك المركزي في إثيوبيا، لمنح المقرضين ما يعادل العملة المحلية من الأموال الأجنبية التي يحولونها، وفقًا للتوجيه، كما طلب من البنوك تخصيص 1% من محافظ قروضها لشراء الديون الصادرة عن بنك التنمية الإثيوبي المملوك للحكومة.
من ناحيته، قال مارك بولوند، كبير محللي أبحاث الائتمان في «REDD Intelligence»، لوكالة بلومبرغ: «يجب أن تبطئ الإجراءات الجديدة نمو القروض وتساعد في تهدئة التضخم بمرور الوقت، ومع ذلك، من المرجَّح أن يظل الطلب على القروض قوياً».
تأثيرات هامشية
وأضاف بولوند، أن توجيهات البنك المركزي قد «تتباطأ على النمو الاقتصادي، لكن التأثير سيكون هامشيًا مقارنة بالضرر الأوسع نطاقًا من الصراع الأهلي».
تأتي التوجيهات، في الوقت الذي تسعى فيه إثيوبيا إلى إعادة هيكلة بعض ديونها الخارجية، وسط التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا والأزمات السياسية المحلية.
من جهة أخرى، قد تؤثِّر الأزمة الإنسانية في المنطقة الشمالية لإثيوبيا، في أهلية أديس أبابا لتصدير البضائع إلى الولايات المتحدة، بموجب قانون النمو والفرص الإفريقي، وفقًا للممثل التجاري الأمريكي.
وبحسب تقرير لـ«بلومبرع»، فإن إثيوبيا صدَّرت سلعًا بـ 239 مليون دولار إلى الولايات المتحدة عام 2019 بموجب قانون أغوا، مشيرًا إلى أن أكثر من 40% من إجمالي شحناتها كانت إلى الولايات المتحدة بحلول يونيو 2021، بـ 128.7 مليون دولار من السلع في إطار البرنامج.
أهلية إثيوبيا
وفي اجتماع افتراضي، مع كبير المفاوضين التجاريين الإثيوبيين مامو ميهريتو، الأسبوع الماضي، أثارت الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي، قضية انتهاكات حقوق الإنسان في الصراع المستمر والأزمة الإنسانية شمالي إثيوبيا، التي قالت إنها «يمكن أن تؤثِّر في أهلية إثيوبيا المستقبلية لقانون أغوا إذا لم تتم معالجتها».
وكانت الولايات المتحدة فرضت في مايو قيودًا على التأشيرات، وعقوبات اقتصادية على بعض المسؤولين الحكوميين والعسكريين، من إثيوبيا وإريتريا.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على رئيس أركان الجيش الإريتري، لتورُّطه في الصراع الإثيوبي، وحذرت من أنها «ستتخذ إجراءات ضد المتورِّطين في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك منطقة تيغراي في إثيوبيا».
الوضع في تيغراي
يقاتل رئيس الوزراء آبي أحمد، الذي فاز حزبه في الانتخابات التي أجريت في يونيو الماضي، تمردًا في منطقة تيغراي الشمالية، أدى إلى نزوح الملايين وترك أكثر من 5 ملايين، في حاجة إلى مساعدات غذائية.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر: إن نقص الإمدادات الطبية، والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وندرة الوقود الشديدة، في مقاطعة تيغراي الإثيوبية، ناهيك عن النقص النقدي بسبب إغلاق البنوك، وتزايد البطالة بعد إغلاق المصانع أو نهبها، أدى إلى زيادة صعوبة الحياة على السكان.
وقالت المتحدِّثة باسم الجنة الدولية للصليب الأحمر أليونا سينينكو: «إن الوضع الإنساني مقلق للغاية ويزداد سوءًا».
ولم تتسبَّب الحرب في نزوح مليوني شخص محتاج فحسب، بل تم دعمهم الآن من المجتمعات المضيفة، التي ليس لديها سوى القليل جدًا، كما أثَّرت بشكل سلبي في الزراعة، التي يعتمد عليها معظم سكان تيغراي للبقاء على قيد الحياة.
وقالت سينينكو، في تصريحات للإذاعة الألمانية «دويتشه فيله» في نسختها الإنجليزية: «لم يتمكن العديد من المزارعين من زراعة محاصيلهم، لأنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى أراضيهم».
وسجَّلت اللجنة الدولية، أثناء عملها على الأرض، تدهوراً سريعاً في الوضع الغذائي، بينما قالت سينينكو: «أخبرنا المزارعون بأنهم يتناولون وجبة واحدة فقط في اليوم، كما رأينا أن نوعية وكمية وجباتهم انخفضت».
وقف إطلاق النار
وحذَّرت الأمم المتحدة في أغسطس الماضي، من أن أكثر من 400 ألف إثيوبي معرَّضون لخطر المجاعة، منتقدة طرفي الصراع، لعرقلة تدفق المساعدات إلى السكان المحتاجين.
وفي 29 يونيو، بعد انتكاسات عسكرية، أعلن رئيس الوزراء آبي أحمد وقف إطلاق النار من جانب واحد، حتى نهاية موسم الزراعة في سبتمبر، إلا أنه سرعان ما تراجع، داعيًا المدنيين المؤهلين للانضمام إلى القوات المسلحة.