بالصور... حديقة إفريقيا مقبرة غرباء لفظهم البحر

صمم حديقة أفريقيا، الفنان الجزائري التشكيلي رشيد قريشي، وتضم أكثر من 200 قبر، لدفن المهاجرين الذين لفظتهم أمواج البحر المتوسط على الشواطئ التونسية.

بالصور... حديقة إفريقيا مقبرة غرباء لفظهم البحر

السياق

مكان تزينه الزهور بممرات من السيراميك، كان المقام الأخير لجثامين أشخاص حلموا يومًا بحياة أفضل، أحلامهم حطمها تلاطم الأمواج التي لفظتهم، رافضة إبداء الشفقة على مصيرهم.

المعاناة، التي ذاقها المهاجرون في رحلتهم نحو أوروبا، متخذين من البحر المتوسط طريقًا وعرًا لسلوكه، انتهت بالعشرات منهم قتلى، في حوادث متكررة يندى لها الجبين، لكنها قوبلت بمشروع إنساني حفظاً لكرامة الضحايا المجهولين.

 

رحم المعاناة

من رحم المعاناة تولد المعجزات، مقولة ربما أثبتت صحتها، في مشروع حديقة أفريقيا، الذي دشنه في وقت لاحق من هذا الشهر، فنان جزائري فَقَدَ شقيقه غرقاً في البحر، لمساعدة العائلات في بكاء موتاهم، ولكي يدركوا ولو بمجرد صور (ترسل إليهم) أن هناك مكاناً للدفن بكرامة.

اشترى الفنان البالغ البالغ من العمر 74 عاماً، قطعة الأرض التي أقيمت عليها «حديقة أفريقيا» عام 2018، بعد أن فَقَدَ شقيقه الذي جرفه التيار أثناء السباحة في البحر المتوسط.

 

200 قبر

وصمم حديقة أفريقيا، الفنان الجزائري التشكيلي رشيد قريشي، وتضم أكثر من 200 قبر، لدفن المهاجرين الذين لفظتهم أمواج البحر المتوسط على الشواطئ التونسية.

وما إن افتُتحت المقبرة بحضور المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي، في 9 يونيو، في جرجيس جنوبي تونس، حتى امتلأ نِصف قبورها.

رشيد قريشي الذي عُرضت أعماله في لندن ونيويورك وباريس، قال في تصريحات لـ«فرانس 24»، إنه أراد أن يعطي المهاجرين المدفونين في المقبرة «انطلاقة في الجنة»، بعد جحيم رحلة العبور، التي واجهوا فيها الصحراء ورجال العصابات والإرهابيين، وأحياناً التعذيب أو غرقت قواربهم.

 

قاعة تشريح

جثمان في البحر، أصبح المصير الطبيعي للمهاجر المنطلق من ليبيا أو تونس، إلا أن هناك صعوبات تواجهها السلطات التونسية في معرفة الضحايا، لذا شيَّد الفنان الجزائري، مبنى في المقبرة يضم قاعة تشريح تسهل عملية التعرف إليهم.

وبينما تجرى التحاليل حالياً، في مستشفى محافظة قابس، الذي يبعد 140 كيلومتراً، تواجه السلطات المحلية صعوبات في نقل الجثث، في ظروف صعبة.

عائلة ليبية كانت تصلي على قبر أحد أفرادها، الذي تعرفت إليه بفضل أشخاص رافقوه، خلال الرحلة المأساوية، رفضوا نقله من «حديقة أفريقيا»، لأن «الله تخلّى عن ليبيا»، كما قال الوالد للفنان الجزئري.

مقبرة الغرباء

«حديقة أفريقيا» ليست المقبرة الأولى لدفن المهاجرين الذين لفظتهم أمواج البحر على الشواطئ التونسية، فقبل خمس سنوات، أنشأ الصياد التونسي شمس الدين مرزوق «مقبرة الغرباء»، على بعد أقل من كيلومتر واحد من مقبرة الفنان الجزائري، في مدينة جرجيس.

إلا أن هناك فرقًا بين المكانين، فمقبرة الغرباء التي أنشأها شمس الدين صُمِّمت على أرض رملية، كانت مكب مدينة سابق، وهي تتكوَّن من التراب وتحوي بعض الزهور لتزيين القبور، أما «حديقة أفريقيا»، فمشروع فني قبل أن يكون مقبرة، وله باب تقليدي من القرن السابع عشر وممرات من السيراميك المرسوم يدويًا.

ورغم الفروق بين المكانين، فإن هناك تعاونًا بين شمس الدين ورشيد قريشي، فالأول ساعد الفنان الجزائري، في العثور على أرض لإنشاء «حديقة أفريقيا».

 

لا قبور جديدة

وعن «مقبرة الغرباء» يقول شمس الدين لموقع «مهاجر نيوز» الممول من الاتحاد الأووربي: اليوم مقبرة الغرباء ممتلئة، ويوجد فيها أكثر من 500 قبر، جميعهم مهاجرون مجهولون من جنوب الصحراء الكبرى، رجال ونساء وأطفال، باستثناء نيجيرية تم التعرف إليها، تدعى روز ماري، ويحيط قبرها بعض الزهور.

لم يعد بإمكان الصياد التونسي استيعاب قبور جديدة، لكنه يواصل القدوم لصيانتها وسقاية النباتات في مقبرة الغرباء، معبِّـرًا عن أمله بأن يستمر الجيل التونسي الجديد في رعاية المكان من بعده.

 

طريقة الدفن

وعن طريقة الدفن، يقول شمس الدين: «قبل دفنها، يتسلَّم الحرس البحري والحماية المدنية الجثث، ويشرعون في تحديد الهوية وأخذ عينات من الحمض النووي»، مشيرًا إلى أن البلدية هي التي تتولى نقل الجثث.

وأكد الصياد السابق، أنه في الآونة الأخيرة، عثر على الكثير من الجثث على الشواطئ، مشيرًا إلى أنهم يجمعون الجثث كل أسبوع.

أرقام مرعبة

وتقول المنظمة الدولية للهجرة، إن الرحلات المغادرة من ليبيا، البلد الجار لتونس، تتزايد بشكل حاد، خصوصاً مع تحسُّن الأحوال الجوية في فصل الصيف، مشيرة إلى أن 11 ألف شخص غادروا ليبيا في الفترة بين يناير وأبريل 2021، بزيادة 73% عن الفترة نفسها من العام الماضي.

وأكدت المنظمة، أنه حتى يونيو، توفي 640 مهاجراً، غرقاً في البحر المتوسط.