إفريقيا... بؤرة جديدة للتهديد الإرهابي

يبدو أن التهديد الإرهابي عبر إفريقيا، آخذ في الازدياد، كما أنه أصبح بعيدًا عن أن يتضاءل، إذ إنه في هذا العام وحده لقي أكثر من 700 مدني حتفهم، على أيدي القاعدة وداعش في منطقة الساحل

إفريقيا... بؤرة جديدة للتهديد الإرهابي

ترجمات - السياق

توقَّع الكاتب البريطاني ديفيد بيلينج، أن تكون منطقة الساحل الإفريقي، المكان الجديد الذي تنشط فيه التهديدات الإرهابية، مقارنًا بين الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وانسحاب فرنسا من مالي، وتأثيرهما في كابل وباماكو.

وقال بيلينج، في مقال بصحيفة فاينانشال تايمز: في الوقت الذي كانت أفغانستان، على وشك السقوط فيه هذا الشهر، قدَّم زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، إياد آغ غالي، التهنئة لحركة طالبان، على طردها ما يصفونهم بـ"الكفار الأجانب"، فضلًا عن إعلانه توقُّعه إمكانية تحقيق النصر في منطقة الساحل الإفريقي أيضًا.

وأضاف بيلينج: في هذه المنطقة، شنَّت مجموعة من التنظيمات المسلَّحة، المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، هجمات متكررة ومميتة على أهداف عسكرية وأخرى مدنية، عبر مساحة ممتدة من مالي إلى بوركينا فاسو والنيجر، بينما تنشط جماعات إسلامية أخرى، بما في ذلك بوكو حرام وتنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا في نيجيريا وتشاد.

وتابع: "كما احتفل آغ غالي، الذي ساعد في تطبيق الشريعة الإسلامية في مدينة تمبكتو القديمة، بعد أن استولى مسلَّحون على رقعة بحجم فرنسا شمال مالي، عام 2012، بقرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في يوليو الماضي، تقليل عدد قوات بلاده في المنطقة إلى النِّصف، حيث اعتبر أن جماعته بذلك تحقِّق الفوز".

ورأى الكاتب البريطاني، أن الانسحاب الفرنسي من مالي، لا يعد استسلامًا مثل الانسحاب الأمريكي من كابل، موضحاً أن الجيش الفرنسي بدأ الانسحاب منذ عام 2013 عندما لعبت عملية سيرفال الفرنسية دورًا رئيسًا في إنهاء سيطرة الإسلاميين على شمالي البلاد، فضلاً عن أن تغيير استراتيجية باريس، نتيجة لحكم منطقي بأن الاستراتيجية الحالية لم تعد ناجحة.

وتابع: "يبدو أن التهديد الإرهابي عبر إفريقيا، آخذ في الازدياد، كما أنه أصبح بعيدًا عن أن يتضاءل، إذ إنه في هذا العام وحده لقي أكثر من 700 مدني حتفهم، على أيدي القاعدة وداعش في منطقة الساحل، وفي الصومال، ظلت حركة الشباب التابعة للقاعدة، مسؤولة عن ارتكاب المجازر الجماعية على مدى 20 عامًا، كما قتل المتطرفون الإسلاميون شمالي موزمبيق 2600 شخص وشرَّدوا 700 ألف، منذ عام 2017، وأوقفوا مشروع توتال للغاز الذي تبلغ قيمته 20 مليار دولار".

وقال الكاتب: رغم أنه لا توجد دروس سريعة نتعلَّمها من أفغانستان، فإن هناك مؤشرات، مشيرًا إلى أن أول هذه المؤشرات خطر الإفراط بالتوغل في شؤون الدول. وتابع: "تنصل الرئيس الأمريكي جو بايدن من هدف بناء الأمة في كابل، وإذا ثبت أن تنفيذ هذه المهمة كان مستحيلاً في أفغانستان، فما مدى صعوبة تنفيذها في منطقة الساحل؟ حيث سيترتب على ذلك بناء دولة شرعية ليس في بلد واحد فحسب، ولكن في خمس دول على الأقل".

وأشار الكاتب، إلى أن المحاولة الأقرب لبناء أمة، كانت محاولة فرنسا في مالي، التي قال إنها فشلت فيها، حيث أثبتت الحكومة الديمقراطية الضعيفة، أنها حليف غير مستقر وخادم فقير للشعب المالي، كما تمت إطاحتها في انقلاب عسكري أغسطس الماضي.

وأضاف: "من الممكن أن تكون فرنسا محقة، بتقليص حجم عملياتها في مالي، كما أن الوجود الفرنسي الكثيف، ربما يكون عامل استفزاز الإرهابيين، إذ تستخدم الجماعات المتشدِّدة، في مالي وأماكن أخرى، المشاعر المعادية للفرنسيين، لتجنيد مقاتلين".

وأكد بيلينج، أن تغيير المسار لا يعد مماثلاً للتراجع بشكل تام، معتبراً أن أحد الدروس المستفادة من أفغانستان، أن الوجود الصغير بشكل نِسبي، يمكن أن يكون فعالًا للغاية، موضحاً أنه خلال العامين الماضيين من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، كان وجود بضعة آلاف من القوات الأمريكية فقط، الذين كانوا يوفِّرون الغطاء الجوي والمعلومات الاستخباراتية للقوات الأفغانية، كافياً للسيطرة على طالبان.

ونقل الكاتب عن مسؤول فرنسي كبير، لم يكشف هويته، قوله لـ"فاينانشيال تايمز": "ليس هناك أي شك في الانسحاب، إذ تشير المعلومات الاستخبارية إلى إفريقيا، باعتبارها القارة التي يريد تنظيم القاعدة أن يتوسع فيها، فطالما راهن التنظيم على منطقة الساحل".

وأشار بيلينج، إلى أنه على عكس الولايات المتحدة، فإن فرنسا ستترك من 2500 إلى 3000 جندي في المنطقة، فضلاً عن أنها تعمل على تشجيع الدول الأوروبية الأخرى، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، على تحمُّل العبء معها، بينما سينتقل التركيز من القتال المباشر إلى التدريب وتوفير اللوجستيات.

كما نقل الكاتب عن رئيس النيجر، التي وصفها بـ"المستقرة نِسبياً"، محمد بازوم، قوله في مقابلة أجريت معه مؤخراً، إنه لا يعارض خفض فرنسا عدد قواتها، مضيفاً أن ما تحتاجه النيجر والآخرون، هو غطاء جوي وتعاون استخباراتي، وهو ما رأى أنه قد يكون الحل الوسط بين الاحتلال والاستسلام.

ورأى بيلينج، أن الدرس الأكثر أهمية من الحرب في أفغانستان، الذي وصفه بـ"الأصعب"، هو أن أساس توفير الأمن هو وجود دولة شرعية، وذلك لأن المسلَّحين عادة ما يعملون على ملء الفجوات التي يخلِّفها إهمال الحكومة، كما أنه من المنطقي أنه لن يقاتل الجنود، من أجل دولة لا تخدم شعبها، ناقلاً عن المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى منطقة الساحل، بيتر فام، قوله إن "الدافع الأساسي للصراع في منطقة الساحل، أزمة شرعية الدولة".

وفي نهاية مقاله، قال بيلينج: "النبأ السيئ هو أنه لا يمكن فرض وجود حكومة فاعلة من الخارج، إلا أن النبأ السار هو أن الحكومة لا تحتاج إلى أن تكون شبيهة بالديمقراطيات الغربية، فأي حكومة تقدِّم الخدمات الأساسية لجميع السكان، بصرف النظر عن الدين أو العرق، أو ما إذا كان هؤلاء السكان يعيشون في الريف أو المدن، ستكون لديها فرصة، إلا أنه في حال خلَّفت الدولة فراغاً، فإن الإرهابيين سيندفعون بسرعة لملئه".