رئيس الصومال يلتقي السيسي... ماذا تعني زيارة حسن شيخ محمود إلى القاهرة؟
كان للقضايا الإقليمية والدولية وأمن البحر الأحمر، إضافة إلى أزمة سد النهضة، نصيب الأسد من محاور ذلك اللقاء

السياق
انفتاح صومالي على محيطها العربي والإفريقي، بعد تنصيب حسن شيخ محمود رئيسًا جديدًا للصومال في يونيو الماضي، ليطوي البلد الإفريقي بقدومه سنوات من التخبط.
فالرجل الذي تولى الرئاسة للمرة الأولى بين عامي 2012 و2017، عاد ليستكمل سياسة «تصفير الأزمات» وتعزيز نظام الحكم في الصومال المبني على الفيدرالية، ومحاربة حركة الشباب الإرهابية.
تلك السياسة الجديدة ظهرت بشكل واضح في جولات الرئيس الثامن للصومال الخارجية، التي تعد زيارته لمصر سابع جولاته الخارجية، التي شملت الإمارات، وتركيا، وإريتريا، وكينيا، وجيبوتي وتنزانيا.
إلا أن زيارته لمصر تأخذ منحى استراتيجيًا مهمًا، خاصة أنها عكست تقارب وجهات النظر بين البلدين، في العديد من الملفات والموضوعات الثنائية والإقليمية محل الاهتمام المشترك.
وفي مؤتمر صحفي ثنائي، عقده الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود، كان للقضايا الإقليمية والدولية وأمن البحر الأحمر، إضافة إلى أزمة سد النهضة، نصيب الأسد من محاور ذلك اللقاء.
بدأ الرئيس المصري كلمته في المؤتمر بالترحيب برئيس الصومال حسن شيخ محمود، وتهنئته بمناسبة توليه رئاسة الصومال الفيدرالية، في خطوة قال إنها مهمة، على صعيد تعزيز الاستقرار بالبلد الإفريقي، التي تمثل أهمية محورية في منطقة القرن الإفريقي.
استقلال الصومال
وأشار السيسي إلى أن بلاده كانت في طليعة الدول، التي اعترفت باستقلال الصومال عام 1960 وظلت على عهدها في مساندة الصومال، لتحقيق الأمن والاستقرار، كاشفًا أن بلاده تذكر بكل فخر، «شهداءها» الذين دفعوا حياتهم ثمنًا، لحصول الصومال على استقلاله، والحفاظ على وحدة أراضيه.
واتفق البلدان على أهمية العمل المشترك، بما يحقق مصالح الجانبين، إضافة إلى تعزيز التعاون في التعليم، ومكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، من خلال توفير التدريب اللازم، لبناء قدرات الكوادر الصومالية في مختلف المجالات، بحسب السيسي.
ملف سد النهضة الإثيوبي كان حاضرًا في كلمة السيسي ومباحثات البلدين، فأكد الرئيس المصري، أنه توافق ورئيس الصومال على «خطورة» السياسات الأحادية، عند القيام بمشروعات على الأنهار الدولية وحتمية الالتزام بمبدأ التعاون، والتشاور المسبق بين الدول المشاطئة، لضمان عدم التسبب في ضرر لأي منها، اتساقًا مع قواعد القانون الدولي ذات الصلة.
وشدد الرئيس المصري على ضرورة التوصل بلا إبطاء، لاتفاق قانوني ملزم، بشأن ملء وتشغيل هذا السد، استنادًا إلى البيان الرئاسي لمجلس الأمن الدولي في سبتمبر 2021، حفاظًا على الأمن والاستقرار الإقليمي.
القرن الإفريقي
منطقة القرن الإفريقي حظيت بأولوية كبيرة، خلال المناقشات بحسب الرئيس المصري، الذي أكد توافق إرادة البلدين السياسية، للعمل معًا على ترسيخ الأمن والاستقرار، في تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية من القارة الإفريقية.
وشدد على تكثيف التعاون والتنسيق بين مصر والصومال، في ما يتصل بأمن البحر الأحمر وتأكيد مسؤولية الدول المشاطئة، عن صياغة السياسات الخاصة بذلك الممر المائي، بالغ الحيوية، من منظور متكامل يأخذ في الاعتبار، الجوانب التنموية والاقتصادية والأمنية.
من جانبه، أكد الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، أن مصر وقفت مع بلاده خلال الصعوبات والمشكلات التي واجهتها على مدى العقود الثلاثة الماضية، معربًا عن امتنانه لدعم القاهرة الكبير في ما يخص الأمن والخدمات الاجتماعية.
وبينما أعرب الرئيس الصومالي عن شكره للرئيس عبدالفتاح السيسي وللشعب المصري، على هذا الدعم المستدام لحقوق الصومال، قال إن إن دعم القاهرة لبلاده يساعد في تحقيق المصالح المشتركة بالمنطقة والعالم.
أمل مصري
زيارة شيخ محمود لمصر، التي تعد الخامسة له والأولى في فترة رئاسته الثانية، تأتي بعد فترة لم تكن علاقات مقديشيو والقاهرة، في أفضل حال، خاصة في عهد الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، الذي دخل في تجاذبات مع الإدارة المصرية، بعد مطالبته بسحب بعض البعثات التعليمية المصرية من ولايات صومالية، بحجة عدم التنسيق مع الحكومة المركزية، والاكتفاء بالتواصل على المستوى الفيدرالي، كما رفض استقبال مساعدات طبية مصرية كانت في طائرة عسكرية.
إلا أن القاهرة تأمل أن يسير شيخ محمود على دربه السابق، نحو تمتين علاقاته معها، خاصة أن القاهرة بدأت مع وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم، تحركات حثيثة نحو تحسين علاقاتها بالدول الإفريقية.
ومع عودة حسن شيخ محمود إلى منصب الرئاسة، تأمل القاهرة تقديم الأخير تطمينات كافية لتمتين العلاقات بين البلدين، خاصة بعد تراجع حكومة فرماجو عن تنفيذ التزاماتها مع القاهرة، وهو ما بدا واضحًا في حرص الأخير على زيارة مصر، كإحدى المحطات الأولى التي يسطر بها رئاسته.
كان ستيج يارل هانسن مدير برنامج العلاقات الدولية في الجامعة النرويجية لعلوم الحياة، قال إن وصول الشيخ محمود لرئاسة الصومال انفراجة لمصر، خاصة أن الرئيس الجديد ينأى بنفسه عن أي توتر في المنطقة.
بدوره، قال موقع «أفريكا إنتلجنس» المعني بالشؤون الأمنية، إن سياسة محمود قائمة على عدم التجاذبات، مشيرًا إلى أنه يقدر علاقاته مع مصر والإمارات، ولن يدخل في أي تحالفات تضر تلك العلاقة.
ذلك التوجه بدا واضحًا في حملة شيخ محمود الانتخابية، التي أسست على فكرة «لا أعداء للصومال في الداخل والخارج»، بحسب عمر محمود الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، الذي قال إن الرئيس الصومالي يسعى إلى انتهاج سياسة خارجية أكثر توازنًا لبلاده مع جيرانها والدول الصديقة.
وتوقع مراقبون ازدهارًا للعلاقات مع مصر في الفترة المقبلة، خاصة أن الرئيس الجديد يسعى للاستفادة من المساعدات المصرية ذات القيمة الثمينة في الملف الأمني، مشيرين إلى أن مصر تمثل للصومال حليفًا موثوقًا ومستدامًا، استنادًا للعلاقات التاريخية بين البلدين.