كيف يجبر الكرملين الأوكرانيين على تبني الحياة الروسية؟

ذلك سيكون مقدمة لإعلان بوتين رسميًا أن المنطقة التي تم احتلالها أراضٍ روسية، ومحمية بالأسلحة النووية، ما يجعل المحاولات المستقبلية من قِبل الأوكرانيين لطرد القوات الغازية أكثر تكلفة.

كيف يجبر الكرملين الأوكرانيين على تبني الحياة الروسية؟

ترجمات - السياق 

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أنه في المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا، يجبر القادة المحليون -الموالون لموسكو- المدنيين على قبول ثقافة الحياة الروسية، عن طريق إجراء ما سمتها "انتخابات زائفة" من شأنها إضفاء الطابع الرسمي على ادعاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها أراضٍ روسية.

وبينّت الصحيفة، أن هؤلاء القادة -الموالين لروسيا- دأبوا على توزيع جوازات سفر وبطاقات روسية وأرقام هواتف محمولة، وأجهزة استقبال لمشاهدة القنوات الروسية، إضافة إلى استبدال العملة المحلية بالروبل، وجعل خدمة الإنترنت محصورة عبر الخوادم الروسية.

وأشارت إلى أنه في جميع نواحي الحياة الكبيرة والصغيرة، يُجبر الأوكرانيين على تبني أسلوب حياة روسي، ومن يرفض ذلك الاندماج يكون مصيره الاعتقال كما حدث مع المئات هناك. حسب الصحيفة.

شعب واحد

وأفادت "نيويورك تايمز" بأن السلطات الموالية لموسكو، تنشر العديد من اللافتات الإعلانية ذات اللون الأزرق والأبيض والأحمر بعنوان "نحن شعب واحد... نحن مع روسيا"، في محاولة للإسراع بدمج مواطني هذه المناطق سريعًا.

وأوضحت الصحيفة، أن المسؤولين المُعينين من قِبل روسيا في البلدات والقرى والمدن، مثل خيرسون جنوبي أوكرانيا، يمهدون الطريق للتصويت في وقت مبكر من سبتمبر المقبل، الذي سيقدمه الكرملين كرغبة شعبية في المنطقة، لتصبح جزءًا من روسيا، كما حدث في شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014.

ومن أجل ذلك -حسب الصحيفة- تجند تلك السلطات مواطنين محليين موالين لروسيا في "لجان انتخابات" جديدة ويروِّجون للمدنيين الأوكرانيين للفوائد المفترضة للانضمام إلى بلدهم، ويتزامن ذلك مع طباعة أوراق الاقتراع.

في المقابل، يرى مسؤولون أوكرانيون وغربيون -تحدثوا للصحيفة- أن أي استفتاء، رغم عدم شرعيته على الإطلاق، ستكون له عواقب وخيمة، إذ يتوقع المحللون أن ذلك سيكون مقدمة لإعلان بوتين رسميًا أن المنطقة التي تم احتلالها أراضٍ روسية، ومحمية بالأسلحة النووية، ما يجعل المحاولات المستقبلية من قِبل الأوكرانيين لطرد القوات الروسية أكثر تكلفة.

ورأت الصحيفة، أن الضم -حال إتمامه- سيمثل أكبر توسع إقليمي في أوروبا بالقوة منذ الحرب العالمية الثانية، حيث سيؤثر في منطقة أكبر مرات عدة من شبه جزيرة القرم، التي سبق أن ضمتها روسيا عام 2014.

وحسب الصحيفة الأمريكية، فقد أثر احتمال ضم خيرسون في الجدول الزمني العسكري لأوكرانيا، ما أدى إلى الضغط على كييف لمحاولة شن هجوم مضاد محفوف بالمخاطر في وقت أقرب، بدلاً من انتظار وصول المزيد من الأسلحة الغربية بعيدة المدى، التي من شأنها أن تزيد فرص النجاح في استعادة تلك الأراضي.

وقال فلاديمير كونستانتينوف، رئيس برلمان القرم الذي فرضته روسيا في شبه جزيرة القرم، في مقابلة هاتفية هذا الأسبوع: "إجراء استفتاء ليس بالأمر الصعب على الإطلاق، فالجميع سيطلبون من موسكو أن تأخذهم تحت وصايتها لتضمن لهم الأمن والتنمية والازدهار".

وذكرت الصحيفة الأمريكية، أن كونستانتينوف -السياسي المؤيد لروسيا منذ فترة طويلة في شبه جزيرة القرم- كان جالسًا بجوار بوتين في الكرملين، عندما وقع الرئيس الروسي وثيقة ضم شبه الجزيرة إلى روسيا رسميًا، كما ساعد أيضا في تنظيم "استفتاء ضم شبه الجزيرة"، حيث صوَّت 97 في المئة لصالح الانضمام إلى روسيا.

وأوضح كونستانتينوف أنه على اتصال دائم بسلطات الاحتلال التي فرضتها روسيا في منطقة خيرسون، التي استولت عليها القوات الروسية في وقت مبكر من الغزو، مشيرًا إلى أن السلطات أخبرته قبل أيام بأنها بدأت طباعة أوراق الاقتراع، لإجراء تصويت في سبتمبر.

خطط الاستفتاءات

وبينت "نيويورك تايمز" أن خيرسون من أربع مناطق يشير فيها المسؤولون إلى أن موسكو تسعى إلى إجراء استفتاء فيها لضمها إلى روسيا، إلى جانب زابوريزهزهيا في الجنوب ولوهانسك ودونيتسك في الشرق.

وأوضحت أنه بينما يدعي الكرملين أن الأمر متروك لسكان المنطقة "لتقرير مستقبلهم بأنفسهم"، ألمح بوتين -الشهر الماضي- إلى أنه يتوقع ضم تلك المناطق بشكل مباشر، حتى أنه شبَّه الحرب على أوكرانيا بحروب القيصر بطرس الكبير في القرن الثامن عشر، مشيرًا إلى أنه يسير على خطى ذلك القيصر في "استعادة الأراضي الروسية المفقودة".

في الوقت نفسه -حسب الصحيفة- يبدو أن الكرملين يبقي خياراته مفتوحة من خلال تقديم القليل من التفاصيل، إذ يرى أليكسي تشيسناكوف، المستشار السياسي الذي قدَّم المشورة للكرملين بشأن سياسة أوكرانيا، أن موسكو تعد الاستفتاءات بشأن الانضمام إلى روسيا "السيناريو الأساسي"، رغم أن الاستعدادات لإجراء تصويت محتمل لم تكتمل، ناهيك عن رفضه الإفصاح عما إذا كان قد شارك في العملية بنفسه.

وأمام ذلك، قال تشيسناكوف في رد مكتوب على الأسئلة: "يبدو أن سيناريو الاستفتاء واقعي، والأولوية له في غياب إشارات من كييف عن الاستعداد للمفاوضات بشأن التسوية"، مضيفًا: "الفراغ القانوني والسياسي يجب ملؤه".

نتيجة لذلك -حسب الصحيفة- أصبح التدافع على حشد سكان الأراضي التي تحتلها روسيا لإجراء استفتاء واضحًا بشكل متزايد على الأرض، وقد جرى تصويره على أنه مبادرة من القادة المحليين.

فعلى سبيل المثال، أعلنت السلطات المُعينة من قِبل روسيا في منطقتي زابوريجيا وخيرسون -هذا الأسبوع- أنها تشكل "لجان انتخابات" للتحضير للاستفتاءات، بينما قال أحد المسؤولين إن هذه الاستفتاءات يمكن أن تجرى في 11 سبتمبر، اليوم الذي تتم فيه الانتخابات المحلية والإقليمية المقرر إجراؤها في جميع أنحاء روسيا.

دعوات للمشاركة

وبالفعل دعت السلطات في هذه المناطق، السكان إلى التقدم للانضمام إلى لجنة الانتخابات، من خلال تقديم نسخة من جواز السفر والسجلات التعليمية وصورتين بحجم بطاقة الهوية، للمشاركة في الاستفتاء المزعوم.

وحسب "نيويورك تايمز" يرافق المسؤولون الاستعدادات للتصويت بحملة دعائية مكثفة، إذ صدرت صحيفة جديدة موالية لروسيا في منطقة زابوريجيا حاملة عنوانًا عريضًا هو: "سيكون الاستفتاء!".

وأشارت الصحيفة، إلى أنه خلال برنامج إخباري أسبوعي بارز في التلفزيون الروسي، أكد تقرير أن "الأمور تسير على قدم وساق لضمان عودة خيرسون إلى وطنها التاريخي في أقرب وقت ممكن".

وتعليقًا على هذه التحركات، قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي: "بدأت روسيا طرح نسخة مما يمكن تسميته دليل الضم"، وقارن الاستعدادات للاستفتاء بتحركات الكرملين عام 2014 في محاولة لتبرير ضم القرم حينها، مضيفًا: "الضم بالقوة سيكون انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة ولن نسمح له بالمرور من دون اعتراض ولا عقاب".

وفي كييف، عاصمة أوكرانيا، يقول المسؤولون إن أي استفتاء على الاندماج مع روسيا، أو تشكيل دولة عميلة لروسيا في المناطق المحتلة، سيكون غير قانوني وتم بالاحتيال، ولن يفعل شيئًا لإضفاء الشرعية على مصادرة الأراضي.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه بالنسبة للمدنيين الأوكرانيين، كان الاحتلال مصحوبًا بمصاعب كثيرة، بما في ذلك نقص الأموال والأدوية، وهو وضع يحاول الروس استغلاله لكسب ولاء السكان، من خلال توزيع "المساعدات الإنسانية".

وأفادت بأنه يتم تحفيز أولئك الذين يسعون إلى الإحساس بالحياة الطبيعية للتقدم بطلب للحصول على جواز سفر روسي، وهو مطلوب لأمور مثل تسجيل سيارة أو أنواع معينة من الأعمال التجارية والإدارية، وصولًا إلى تسجيل الأطفال حديثي الولادة والأيتام تلقائيًا كمواطنين روس.

ونقلت الصحيفة عن أندريه، 33 عامًا، الذي كان يعمل في قسم الخدمة بوكالة لبيع السيارات في المدينة قبل الحرب، قوله: "لا يوجد مال أو عمل في خيرسون"، مشيرًا إلى أنه قد غادر منزله في المدينة مع زوجته وطفله الصغير أوائل يوليو لينتقل إلى غربي أوكرانيا.

وأوضحت أنه بعد السيطرة على منطقتي خيرسون وزابوريجيا، سعت القوات الروسية للبحث عن مسؤولين أوكرانيين موالين للكرملين وتعيينهم في مناصب حكومية.

تغيير المناهج

وبينت "نيويورك تايمز" أن من سمتهم "المحتلين الروس" قطعوا الوصول إلى الخدمة الخلوية الأوكرانية، وحدوا من الوصول إلى موقع يوتيوب، وتطبيق المراسلة الشهير فايبر، وفرضوا استخدام الروبل وبدأوا تغيير المناهج الدراسية إلى المنهج الروسي، الذي يسعى -بشكل متزايد- إلى تلقين الأطفال "نظرة بوتين للعالم".

وحسب الصحيفة، يبدو أن الأولوية القصوى كانت جذب السكان لمشاهدة التلفزيون الروسي، إذ جرى بث برنامج إخباري من استديوهات بجزيرة القرم إلى المشاهدين في خيرسون يسمى "خيرسون وزابورجيا 24"، وتم توزيع أجهزة الاستقبال التي تتيح الوصول إلى موجات الأثير الروسية مجانًا، أو حتى توصليها للمقيمين غير القادرين على استلامها.

تعليقًا على هذه التطورات، قال إيهور كوليخاييف، عمدة مدينة خيرسون منذ عام 2020: الدعاية الروسية، إلى جانب الشعور بالتخلي عن الحكومة في كييف، نجحت ببطء في تغيير تصورات بعض السكان، لاسيما المتقاعدين وذوي الدخل المنخفض.

وأضاف: "أعتقد أن شيئًا ما يتغير في العلاقات، وربما في عادات الناس"، مقدرًا أن 5 إلى 10 في المئة من ناخبيه غيَّروا رأيهم بسبب الدعاية، متابعًا: "هذه عملية لا رجوع عنها وستحدث في المستقبل، وهذا ما يقلقني حقًا، عندها سيكون من المستحيل استعادة تلك المناطق".

كان كوليخاييف تحدث عبر مقابلة بالفيديو من مكتب مؤقت في خيرسون، لكن بعد أيام أعلن مساعده أن قوات موالية لروسيا اختطفته، من دون أي أخبار عنه حتى يوم الجمعة الماضي.

بينما كان بوتين قد أشار إلى خيرسون وأجزاء أخرى من جنوبي شرق أوكرانيا باسم نوفوروسيا، أو روسيا الجديدة، وهو اسم المنطقة بعد أن أصبحت جزءًا من الإمبراطورية الروسية في القرن الثامن عشر

وبينت الصحيفة، أنه خلال السنوات الأخيرة ، كان الحنين في المنطقة إلى الماضي السوفييتي والتشكيك في الحكومة الموالية للغرب في كييف لا يزالان قائمين بين الأجيال الأكبر سنًا، حتى في الوقت الذي كانت فيه المنطقة تصوغ هوية أوكرانية جديدة.

لكن بعد فترة وجيزة من احتلال خيرسون، خرج سكان المدينة مرارًا وتكرارًا للاحتجاج وتحدي القوات الروسية، التي لم تكن تتوانى عن إطلاق الرصاص الحي أحيانًا.

ونقلت الصحيفة عن أحد سكان خيرسون، يدعى إيفان -الذي لا يزال في المدينة وطالب بحجب اسمه الأخير بسبب الخوف على حياته- قوله: "بمجرد أن يكون هناك تجمع كبير من الناس، يظهر الجنود على الفور وهذا أمر يهدد حياتنا في هذه المرحلة".

وأوضح الشاب، البالغ من العمر 30 عامًا، أنه لا تزل لدى السكان بوادر مقاومة، بينما قال آخر يدعى أندريه: "شعبنا يخرج ليلًا ويرسم الأعلام الأوكرانية ونكتب بالألوان الزرقاء والصفراء عبارة (نحن نؤمن بالقوات المسلحة الأوكرانية)".