فورين بوليسي: لماذا اختبرت روسيا أسلحتها المضادة للأقمار الصناعية؟

ربما تكون موسكو قد رأت أنه في سياق التنافس المتزايد بين القوى العظمى، خاصة بين الولايات المتحدة والصين، فإن الاتجاه المتزايد لتسليح الفضاء هو مستقبل الحرب المقبلة، وفي الوقت نفسه، فإن اتجاه التسليح هذا فتح الباب أمام وضع لوائح صارمة في الفضاء، تحد من تطوير واستخدام هذه القدرات. حسب فورين بولسي

فورين بوليسي: لماذا اختبرت روسيا أسلحتها المضادة للأقمار الصناعية؟
دمرت موسكو أحد أقمارها الصناعية غير النشطة على ارتفاع نحو 300 ميل فوق سطح الأرض

ترجمات-السياق

سلَّطت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الضوء، على الاختبار الذي أجرته روسيا للأسلحة المضادة للأقمار الصناعية (ASAT) في 15 نوفمبر الماضي، قائلة إنه من خلال هذا الاختبار، دمرت موسكو أحد أقمارها الصناعية غير النشطة على ارتفاع نحو 300 ميل فوق سطح الأرض، مشيرة إلى أن حطام القمر الصناعي، الذي قدرته الولايات المتحدة بأكثر من 1500 قطعة، سيستمر في الدوران حول الأرض فترة طويلة.

اتهامات قاسية لروسيا

وأضافت "فورين بوليسي"، في تقرير، أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، وجهت اتهامات قاسية لروسيا، بأنها غير مسؤولة وتعمل على تعريض الأقمار الصناعية النشطة للخطر، بما في ذلك محطة الفضاء الدولية (وروادها) ومحطة الفضاء الصينية، التي لا تزال قيد الإنشاء، كما انتقدوا روسيا لزعزعة استقرار النظام العالمي، متساءلة عن سبب قيام روسيا بالاختبار ورغبتها في إظهار قدرة مضادة للأقمار الصناعية الآن؟

وذكرت المجلة: "ربما تكون موسكو قد رأت أنه في سياق التنافس المتزايد بين القوى العظمى، خاصة بين الولايات المتحدة والصين، فإن الاتجاه المتزايد لتسليح الفضاء هو مستقبل الحرب المقبلة، وفي الوقت نفسه، فإن اتجاه التسليح هذا فتح الباب أمام وضع لوائح صارمة في الفضاء، تحد من تطوير واستخدام هذه القدرات، لكن استعراض القدرات التكنولوجية، قبل وضع لوائح دولية جديدة، مفيد للأمن القومي وللسياسة.

ورأت المجلة أنه من خلال تدمير قمرها الصناعي في الفضاء، حققت روسيا هدفين، عززت قدراتها الدفاعية والردعية، وأظهرت قوتها قبل أن يصبح اختبار القدرات المضادة للأقمار الصناعية واستخدامها محظوراً أو مقيداً من قبل الآليات الدولية، كما ضمنت روسيا أنها ستكون طرفاً مهماً في أي عملية تنظيمية دولية كبرى، من خلال امتلاك مثل هذه القدرة علناً.

قوة عظمى

منذ الحرب الباردة، كان امتلاك الدولة للخبرة في الفضاء، مؤشراً مهماً على كونها قوة عظمى، وفي السنوات السابقة، عززت القوى العظمى الإنجازات التكنولوجية في الفضاء للاستخدامات السلمية، كوسيلة لإظهار القوة والكفاءة، وفي السنوات الأخيرة، أصبح إتقان تكنولوجيا الفضاء العسكرية أيضاً من الاهتمامات الرئيسة للقوى الناشئة والقوى المتوسطة الحجم، بحسب "فورين بوليسي".

ولفتت المجلة، إلى أن أغلبية هذه الدول اتخذت خطوات نحو تسليح الفضاء، إذ إنه عام 2007، أجرت الصين اختباراً على أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، ما أدى إلى تدمير قمر صناعي صيني غير نشط، وأصبحت بكين بالمرتبة الثالثة في العالم، لإظهار قدراتها المضادة للأقمار الصناعية، بعد أن طورت القوى العظمى -مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي- هذه القدرات في الحرب الباردة.

وحذرت "فورين بوليسي" من أن الاتجاه المتزايد نحو تسليح الفضاء، يثير مخاوف جدية بشأن استدامة الفضاء وسلامته، قائلة إن الاستغلال التجاري المكثف للفضاء، لاسيما الاتجاه المتزايد لإطلاق الأبراج التجارية متعددة الأقمار الصناعية، يزيد الخوف من تداعيات الكمية الكبيرة من الحطام الفضائي على المدارات المزدحمة بالأقمار الصناعية، ولذلك، فإن استدامة بيئة الفضاء وسلامتها وأمنها، أمور ضرورية للحكومات والشركات.

منع نشر الأسلحة

على مدى سنوات، ظلت روسيا والصين تعارضان النشر المحتمل للأسلحة الفضائية، بما في ذلك الصواريخ البالستية الاعتراضية من الولايات المتحدة، خاصة بعد انسحاب الأخيرة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية عام 2002.

وفي هذا السياق، حاولت موسكو وبكين دفع مبادرات مختلفة، في إطار لجنة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة في جنيف، للتوصل إلى معاهدة للحد من التسلح، تكمل معاهدة الفضاء الخارجي ومنع تسليحه.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه عام 2008، قدمت موسكو وبكين مسودة معاهدة، بشأن منع نشر الأسلحة في الفضاء الخارجي، التي كانت غامضة في ما يتعلق بالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، لكن تم توضيح أن المعاهدة المقترحة تركز فقط على الأسلحة الفضائية، وأنها لا تتضمن الأجهزة المضادة للأقمار الصناعية والأنظمة الفضائية الأخرى.

وقالت "فورين بوليسي"إن الاستجابة السلبية، التي قوبل بها اختبار روسيا الأخير من واشنطن وحلفائها، يعزز الأهمية التي تعلقها القوى العظمى على النشاط الفضائي، في سياق تنافسها المكثف على القيادة العالمية والتفوق التكنولوجي.

رائدة فضاء

تاريخياً، كانت أوقات التنافس الشديد بين القوى العظمى، تربة خصبة لتعزيز التنظيم الدولي، ففي الأول من نوفمبر الماضي، تبنت الأمم المتحدة مبادرة بريطانية، بدعم من الولايات المتحدة، لتشكيل مجموعة عمل مفتوحة العضوية، لمناقشة هذه القضايا وربما صياغة اتفاقية قانونية ملزمة، وتم تمرير المبادرة من لجنة الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تتعامل مع قضايا نزع السلاح وتهديدات الأمن الدولي، بأغلبية 163 صوتاً، ويتعين على الجمعية العامة الموافقة على مجموعة العمل بدورتها في ديسمبر الجاري، وفي حال الموافقة، ستجتمع المجموعة لأول مرة عام 2022 ومرة ​​أخرى عام 2023، حسب المجلة.

وتابعت: "لكن هذه المرة تبدو أكثر احتمالاً لأن يطور المجتمع الدولي، ويوافق على أنظمة أكثر صرامة بشأن أسلحة الفضاء، إذ من المرجح أن يؤدي القلق بشأن مشكلة الحطام الفضائي المتفاقمة، بسبب الإجراءات المماثلة من البلدان الأخرى، إضافة إلى زيادة استخدام الفضاء للأنشطة الدفاعية والمدنية والتجارية، إلى دفع القوى العظمى إلى حظر الإجراءات والتجارب من النوع الذي أجرته روسيا الشهر الماضي".

وبصفتها دولة رائدة في الفضاء، ولاعباً نشطاً في المناقشات الدولية للحد من التسلح في الفضاء، فقد كانت روسيا على دراية بالضرر البيئي، الذي قد يسببه اختبار الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية على ارتفاعات عالية من خلال إنتاج حطام كبير، وربما أخذت موسكو ذلك في الاعتبار، وتوقعت تعرُّضها للإدانة الدولية.

لكن الحقيقة أنها كانت لديها مصلحة في الحصول على الاهتمام الدولي هذا، إذ تتمثل إحدى نتائج اللوائح الملزمة، التي تحظر اختبار واستخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، في أن مثل هذه القواعد قد تمنع الآخرين من اللحاق بالكرملين، وهو ما قد يجعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المقدمة.