فاينانشال تايمز: ماذا يريد بوتين من أوكرانيا؟

تساءلت صحيفة فايننشال تايمز، عما يريده بوتين من أوكرانيا، وهل يفكر في غزوها، أم أنه يستهدف صد حلف شمال الأطلسي الناتو؟

فاينانشال تايمز: ماذا يريد بوتين من أوكرانيا؟

ترجمات – السياق

تحذير شديد اللهجة وجَّهه الرئيس الأمريكي جو بايدن، لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، مفاده أن روسيا ستدفع "ثمناً باهظاً" وستواجه عواقب اقتصادية مدمرة إذا غزت أوكرانيا، لكن يبدو أن بوتين لم يلق بالًا بتلك التحذيرات، ومستمر في إرسال جيشه إلى الحدود مع أوكرانيا.

وتساءلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عما يريده بوتين من أوكرانيا، وهل يفكر في غزوها، أم أنه يستهدف صد حلف شمال الأطلسي (الناتو)؟

وذكرت، في تقرير، أنه عندما بدأت روسيا نشر جيشها على الحدود مع أوكرانيا، في مارس الماضي، أكد بوتين أن هذه الحشود للتدريبات العسكرية، لكن مع استمرار الحشد، ووصول عدد القوات الروسية إلى 175 ألف جندي، تدخلت الولايات المتحدة وحذرت موسكو من مغبة غزو جارتها.

وأشارت إلى أنه "خلال الأيام القليلة الماضية، ربط بوتين السياسة الأوكرانية في دونباس، وهي المنطقة الأوسع نطاقًا، التي تقوم فيها روسيا بحرب انفصالية على نار هادئة منذ 2014، بالإبادة الجماعية، وهي العبارة التي تخشى كييف من أنها ستكون إيذانًا بالغزو الروسي".

 

تهديد ضمني

وكشفت "فايننشال تايمز" أن مسؤولين روسًا هددوا بالتدخل، إذا حاولت أوكرانيا استعادة إقليم دونباس، وهو ما ترى كييف أنه تهديد ضمني يحمل خطر التدخل العسكري الروسي.

وذكر سيرغي ريباكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أن "المواجهة مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا هي الأسوأ منذ 1962، إبان أزمة الصواريخ الكوبية"، وفق تحليل الصحيفة.

وأمام هذه التطورات، بينت "فايننشال تايمز" أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سارع إلى تهدئة التوترات، من خلال عرض محادثات على بوتين مع حلفاء الناتو بشأن مظالم روسيا طويلة الأمد مع التحالف الأمني عبر الأطلسي، في مكالمة فيديو، رغم أنه أصدر أيضًا تهديدًا بعواقب اقتصادية وخيمة، في حال غزو أوكرانيا.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن صامويل شاراب، خبير الشؤون الروسية في "راند كربوريشن"، المركز الفكري الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرًا له، قوله: "لا أعتقد أن الموضوع انتهى، ومن المستبعد أن يكون الوعد بالتفاوض كافيًا بالنسبة لبوتين كي يعلن الانتصار، ويُعيد القوات إلى سيبيريا لقضاء عطلة العام الجديد".

 

نية غامضة

وحسب "فايننشال تايمز" فإن المسؤولين والمحللين في واشنطن وأوروبا، والمقربين من الكرملين في موسكو، يؤكدون أن نية بوتين تجاه أوكرانيا لا تزال غامضة.

وأشارت الصحيفة، إلى أن البعض يتكهن بأن حشد القوات، شكل من أشكال "التحكم الانعكاسي" الذي استخدمته روسيا للضغط على الولايات المتحدة لوقف توسع الناتو، بينما يرى آخرون أن الطموحات التي يلقيها بوتين على الدولة الأوكرانية، علامة على أن الرئيس الروسي مستعد لحل ما يراها معضلة السياسة الخارجية الرئيسة خلال عقدين من حُكمه بالقوة إذا لزم الأمر.

ونقلت "فايننشال تايمز" عن تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة شركة الاستشارات السياسية آر بوليتيك، قولها: إنه يستهدف "الناتو" من صراعه مع أوكرانيا، قائلة: "هذا هو عمل حياته، فكل ما فعله كرئيس كان يدور حول محاربة توسع الناتو، لذلك يعتقد أنه إما الآن وإما أبدًا"، في إشارة إلى تقويض حجم "الناتو".

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه في يوليو الماضي، نشر بوتين مقالاً من 5000 كلمة عن أوكرانيا، تناول فيه كلمات الحب لـ "الأمة الشقيقة" لروسيا، والتهديدات الخفية ضد كييف، إذا استمرت في الابتعاد عن موسكو.

وعن ذلك، يقول كونستانتين مالوفييف، رجل الأعمال الذي تربطه علاقات وثيقة بمتمردي دونباس ويموِّل قناة إخبارية على الإنترنت على غرار قناة فوكس نيوز: "عندما يكتب بوتين مقالًا من هذا القبيل، فإن ذلك يظهر لك أن الدولة خطت بالفعل خطوة إلى الأمام".

ويضيف مالوفييف: "في التسعينيات، كان الخطاب الليبرالي المؤيد للغرب سائدًا في روسيا، وكنا على الهامش نصيح بأن لروسيا مسارًا خاصًا... الآن، في عهد بوتين، نحن في قلب الأشياء، لأن بوتين يفكر مثلنا".

ويحلم مالوفييف بـ "سيناريو إمبراطوري" تعود بموجبه أوكرانيا إلى حظيرة روسيا، وتنضم إليها نهاية المطاف، بالقوة إذا لزم الأمر، مضيفًا: "نحن شعب منقسم، مثل ألمانيا خلال الحرب الباردة، لكن لن تستمر الحرب أسبوعًا... ستنتهي في غضون أيام، وستدخل الدبابات الروسية كييف إذا تخلى الغرب عنها".

 

طموحات روسيا

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى معلومات استخباراتية أمريكية، تشكك بأن بوتين قد يكون مستعدًا لتحقيق طموحات روسيا شبه الإمبريالية أوائل العام المقبل، لكنه لم يستنتج بعد متى أو ما إذا كان سيصدر الأمر بالغزو.

ونقلت عن مسؤول استخباراتي غربي كبير، قوله: إن الانتشار العسكري الروسي المستمر، رغم أنه أكبر من ذلك الذي شهدناه، لكنه لا يزال يفتقر إلى بعض المعدات والقدرات الأساسية المطلوبة عادةً لأي غزو محتمل، مضيفًا أنه يمكن نقل هذه العناصر إلى الحدود بسرعة إذا لزم الأمر.

وتابع: "يتعين على بوتين أن يأخذ في الحسبان حساباته المتعلقة بالألم مقابل المكاسب، وأن يفكر في الوقت الذي ستكون فيه الدبلوماسية أكثر جدوى، ومتى يكون التهديد باستخدام القوة أكثر إثمارًا، ويكون ديناميكيًا للغاية".

ويستطرد المسؤول أنه إذا هاجمت روسيا بالقوات التي تقول الولايات المتحدة إنها جاهزة "سيكون ذلك أكبر صراع في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، متابعًا: "سيكون من الحماقة التفكير في احتواء مثل هذا الصراع".

 

العداء لـ "الناتو"

وأوضحت "فايننشال تايمز" أن عداء بوتين لتحالف الناتو، يعود إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما توسع الناتو إلى الأراضي السوفيتية السابقة لأول مرة، من خلال قبول إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، ونشرت الولايات المتحدة أنظمة دفاع صاروخي في بولندا ورومانيا، إذ تخشى موسكو استخدامها ضدها.

وأشارت إلى أنه بعد مكالمته مع بوتين الثلاثاء الماضي، قال بايدن إنه سيعلن عن محادثات بين روسيا والولايات المتحدة ومجموعة من حلفاء الناتو، لمناقشة مطالب موسكو بنظام أمني جديد، ومع ذلك قال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي: إن الرئيس الأمريكي لم يقدم "التزامات ولا تنازلات" في ما يتعلق باستبعاد أوكرانيا من "الناتو".

وذكرت أن القمة المحتملة أثارت قلق بعض حلفاء الولايات المتحدة على الجناح الشرقي لـ "الناتو"، الذين شككوا في اعتماد بايدن المفرط على ما تسمى دول كوينت -فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة- في مبادراتها الدبلوماسية على حساب التشاور مع أوكرانيا ودول البلطيق الأكثر تضررًا من العدوان الروسي.

ويرى مسؤول روسي تحدث للصحيفة البريطانية، أنه من الواضح أن الولايات المتحدة تريد تجميد هذه القضية وإزالتها من على الطاولة، معتبرًا أن وجود أوكرانيا داخل "الناتو" تسبب في إزعاج كبير (في العلاقات الغرب بروسيا)، مشيرًا إلى أنهم بالطبع أكثر انشغالًا بالصين حاليًا.

إلا أن مسؤولًا كبيرًا في الاتحاد الأوروبي قال لـ "فايننشال تايمز" إن مسؤولي المفوضية الأوروبية على اتصال يومي بإدارة بايدن، لمناقشة تدابير الردع المحتملة، لكن من غير المتوقع أن تعلن الكتلة المكونة من 27 دولة تدابير مفصلة في قمة القادة الأسبوع المقبل، في إشارة إلى عدم تفكير التحالف في استبعاد أوكرانيا على الأقل في الوقت الحالي.

وذكرت أن الولايات المتحدة تضغط على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، لاقتراح تدابير قوية من شأنها منح بوتين وقفة للتفكير، لكنها تدرك أن أكثر العقوبات بعيدة المدى -التي تستهدف صادرات الطاقة الروسية أو قطع البلاد عن نظام المدفوعات الدولي السريع- تضر بالاقتصادات الأوروبية أكثر من الولايات المتحدة.

وأضافت: "مع كل ذلك، يخشى بعض الخبراء في الشأن الروسي، أن تكون جهود إدارة الرئيس بايدن في الإفصاح عن بعض التنازلات الأمريكية المحتملة، غير كافية لردع بوتين عن القيام بخطوة عسكرية درامية، خلال الربيع المقبل".