فورين بوليسي: هل يتورط بايدن في حرب بوتين؟
زيلينسكي وجه حديثه إلى بايدن، بعد عرض مقطع فيديو مؤلم، ظهرت فيه صور أطفال ملطخة بالدماء وأجساد ملقاة في الخنادق، قائلًا: أنت قائد الأمة.. أتمنى أن تكون قائد العالم، فأن تكون زعيم العالم يعني أن تكون زعيم السلام.

ترجمات - السياق
تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن إمكانية تورط الرئيس الأمريكي جو بايدن، في الحرب الدائرة بأوكرانيا، مشيرة إلى أن النداء الذي وجهه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عبر الفيديو في الكونغرس الأمريكي مؤخرًا، بمنزلة ضغط متزايد قد يغير حسابات واشنطن في هذه الحرب.
ووجَّه الرئيس الأوكراني المحاصر نداءً قويًا إلى الكونغرس عبر الفيديو، مرددًا خطاب رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل في زمن الحرب إلى القاعة نفسها، التي قال فيها جملته الشهيرة "لن نستسلم"، كما ناشد الأمريكيين أن يتذكروا صدماتهم السابقة، من بيرل هاربور إبان الحرب العالمية الثانية، حتى 11 سبتمبر 2001.
وذكرت "فورين بوليسي" أن زيلينسكي وجَّه حديثه إلى بايدن، بعد عرض مقطع فيديو مؤلم، ظهرت فيه صور أطفال ملطخة بالدماء وأجساد ملقاة في الخنادق، قائلًا: "أنت قائد الأمة.. أتمنى أن تكون قائد العالم، فأن تكون زعيم العالم يعني أن تكون زعيم السلام".
ترحيب الكونغرس
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن خطاب زيلينسكي لقي ترحيبًا حارًا من قاعة مزدحمة بالنواب الأمريكيين، حتى أن كثيرين منهم طالبوا بايدن بالتدخل أكثر لحل النزاع، رغم أن العديد من هؤلاء الأشخاص أنفسهم صوَّتوا أيضًا لتبرئة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من مساءلة له بشأن تخفيض الدعم العسكري لأوكرانيا.
وتضمن خطاب زيلينسكي مناشدات أيضًا للمسؤولين في بريطانيا وكندا، فبعد أن استخدم كلمات تشرشل الشهيرة، ناشد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو قائلًا: "تخيل أنك وأطفالك تسمعون كل هذه الانفجارات الشديدة"، إذا قُصف مطار أوتاوا الدولي.
وحسب المجلة الأمريكية، سلَّطت مناشدات زيلينسكي -التي وصفتها بالبليغة- الضوء على مدى ضيق الحيز الجيوسياسي لبايدن في الوقت الحالي، وهو أمر لم يضطر سوى عدد قليل من الرؤساء الأمريكيين إلى التعامل معه.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن بايدن يواجه ما سمته "معتديًا وحشيًا" عبر المحيط الأطلسي، إذ هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقريبًا ببدء حرب نووية، إذا تدخلت الولايات المتحدة أو "الناتو" مباشرة في أوكرانيا.
من ناحية أخرى، يجد بايدن نفسه مضغوطًا أكثر لمساعدة أوكرانيا في حرب تُبث على وسائل التواصل الاجتماعي، والفيديو، والأخبار المسائية، وكلها تحمل عناوين زيلينسكي، الممثل التلفزيوني السابق.
خلافات "الناتو"
وتطرقت "فورين بوليسي" إلى ما سمتها "انشقاقات الناتو" وزيادة الضغوط على بايدن، قائلة: مع دخول الحرب أسبوعها الرابع، اتخذ بايدن نمطًا معينًا من خلال الاعتماد على تشديد العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة على روسيا، وزيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا، مع إبقاء القوات والطائرات الأمريكية خارج الصراع، كيلا يخاطر بإغضاب بوتين، إلا أنه مع تزايد الضغط السياسي عليه، أصبح هذا النمط أكثر غموضًا وربما أكثر خطورة.
ومما زاد الطين بلة، حسب وصف المجلة الأمريكية، أن ثلاثة رؤساء وزراء بولندا وجمهورية التشيك وسلوفينيا -وهي دول أعضاء في "الناتو"- زاروا العاصمة الأوكرانية كييف والتقوا زيلينسكي، مخاطرين بحياتهم لإظهار الدعم لأوكرانيا، موضحة أن ذلك قد يشير إلى أنه قد يكون هناك بعض الخلافات داخل الحلف نفسه، رغم أن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، أكد مؤخرًا أنه لن يكون هناك أي منطقة حظر طيران في أوكرانيا، كما أعلن بايدن ذلك.
ونقلت "فورين بوليسي" عن ريتشارد إمرمان، المؤرخ وخبير الأمن القومي في جامعة تمبل، تفسيره لهذه التطورات، بأن بايدن وجد نفسه في وضع غير مسبوق، مضيفًا: "كما وصفنا فيتنام بأنها الحرب التلفزيونية الأولى، لدينا الآن أول حرب على وسائل التواصل الاجتماعي".
وحسب إمرمان، فإنه في الوقت ذاته لم يضطر أي رئيس أمريكي سابق، إلى الأخذ بالحسبان حربًا نووية في اتخاذ قرار التدخل الخاص به -على الأقل، ليس منذ أن رفض الرئيس دوايت أيزنهاور معارضة غزو موسكو للمجر عام 1956- مشددًا على أن المسألة النووية لم تكن مطروحة في كوريا ولا فيتنام.
توريط بايدن
من الأمور التي تزيد الضغوط على بايدن، التي قد تؤدي إلى توريطه، كما تبين "فورين بوليسي" أنه بعد انتهاء خطاب زيلينسكي، دعا السناتور جيمس ريش، الجمهوري البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، الرئيس الأمريكي إلى ما سماهما "النهوض والقيادة"، وقال في بيان: "دعونا نرسل لهم طائرات، دعونا نرسل لهم أنظمة دفاع جوي، ولنفعل ذلك بشكل أسرع".
وطالب السناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، بمزيد من الإجراءات، قائلًا: "يجب أن نصغي إلى دعوة الرئيس زيلينسكي، لتقديم مساعدات دفاعية إضافية، بما في ذلك الأسلحة المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للطائرات".
وأشارت إلى أن بايدن يتعرض لضغوط أخرى، بشأن تقديم أنظمة صواريخ أرض جو أكثر تطورًا لأوكرانيا، بما في ذلك الأنظمة السوفيتية السابقة مثل "إس 300" التي يستخدمها بعض حلفاء "الناتو"، والتي يمكن أن تصل إلى مسافات أعلى من "Stingers" و"Javelins" المستخدمة حاليًا.
وحسب "فورين بوليسي" تشمل أنظمة الدفاع الجوي المتنقلة من الحقبة السوفيتية "SA-8" و"SA-10" و"SA-12" و"SA-14"، القادرة على ضرب صواريخ كروز، مشيرة إلى أن كل نظام أسلحة إضافي يمر عبر الحدود من دول "الناتو" -خاصة إذا كانت روسية الصنع- يخاطر بنوع التصعيد ذاته، الذي كان بايدن يسعى بشدة إلى تجنُّبه.
لكن لتجنُّب هذه التوريطات، خرج بايدن يتحدث إلى الأمة بعد خطاب زيلينسكي، وأعلن عن 800 مليون دولار مساعدة أمنية جديدة، إضافة إلى 200 مليون دولار أعلن عنها هذا الأسبوع.
وقال الرئيس الأمريكي أيضًا إن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، يعملان على مساعدة أوكرانيا في الحصول على أنظمة صواريخ بعيدة المدى، وإنه "ملتزم بزيادة الأسلحة والمعدات" إلى أوكرانيا، بما في ذلك 800 نظام مضاد للطائرات و9 آلاف نظام مضاد للدروع، إلا أن بايدن ظل حازمًا في معارضة منطقة حظر طيران ونقل طائرات مقاتلة، رغم أن الرئيس الأوكراني كان قد طلب ذلك صراحة خلال خطابه بالكونغرس.
مأزق سياسي
ورأت "فورين بوليسي" أن هذه التطورات، خصوصًا بعد خطاب زيلينسكي الشهير بالكونغرس، فاقمت المأزق السياسي لبايدن، خصوصًا أنه لم يسبق أن وُضع في هذا المأزق، حتى عندما كان نائبًا للرئيس باراك أوباما، بدت تصرفاتهما خجولة نوعًا ما عندما أعلن بوتين ضمه لشبه جزيرة القرم عام 2014.
وأشارت إلى أنه من الممكن أن تغير "بلاغة زيلينسكي" الحسابات الأمريكية، مبينة أنه في خطابه، دعا الرئيس الأوكراني، ليس فقط إلى المزيد من المعدات الدفاعية، بل إلى فرض عقوبات على كل سياسي ومسؤول روسي، لم يتنصل من غزو بوتين، كما ناشد المشرعين في الكونغرس إغلاق الموانئ الأمريكية أمام البضائع الروسية، والتأكد من مغادرة كل شركة أمريكية في مناطقها السوق الروسية على الفور، قائلًا: "لقد غمرتها دماؤنا".
وقالت "فورين بوليسي": "قد يكون أفضل أمل لبايدن في المستنقع الأوكراني، مع تزايد عجز روسيا، أن تتزايد الجهود الدبلوماسية"، خصوصًا أن زيلينسكي لم يطلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي ولا الاتحاد الأوروبي، في خطابه أمام الكونغرس، وهو مطلب رئيس لموسكو لإيقاف حربها.