في ذكرى تأسيسها.. صراعات بأجنحة الإخوان ومحاولات للهروب من السفينة الغارقة
قال أحمد رفعت الكاتب المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، إن الهروب من السفينة الغارقة، ليس وليد اللحظة، فهو تكتيك قديم لجماعة الإخوان الإرهابية، مؤكداً أنه لا يمثل تراجعًا عن مواقفها السابقة، لكنه يهدف لتفادي الضربات المتلاحقة التي تواجهها.

السياق
«الضرورات تبيح المحظورات» شعار رفعه تنظيم الإخوان المسلمين قبل 94 عامًا، للمناورة والتراجع عن أي مواقف سياسية صارمة قد يتخذها.
ورغم أن هذا الشعار قاعدة أساسية، في منهج حركة الإخوان المسلمين، قرابة قرن من الزمان، فإن ذكرى تأسيس الحركة قد تكون شاهدة على «النهاية الوشيكة» للتنظيم، الذي كتبت ما يعرف بـ«ثورات الربيع العربي» عشرية من الازدهار له.
وما إن بدأت أوراق وأقنعة التنظيم الإخواني تتساقط، بعد انكشاف حيله بفعل ما وصف بـ«ثورات التصحيح» التي اقتلعت الحركة من جذورها في مصر والمغرب العربي، كانت ذكرى تأسيسها اللحظة الحاسمة، لإزالة النقاب عن الخلافات المتصاعدة داخل أجنحة التنظيم.
تلك الخلافات بلغت حد التراشق على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب تراجع قيادات عن مواقف التنظيم، في محاولة أخيرة للهروب من «السفينة الغارقة»، بينما كانت الانطلاقة من تصريحات الإخواني طارق السويدان، التي أعلن فيها رفضه لـ«الثورات» وما تسفر عنه من حروب أهلية، ليتراجع عنها بعد الهجوم الحاد عليه، من قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات».
إعادة تموضع
هذا الموقف المتناقض، فسَّرته مصادر مقربة من قيادات الإخوان في الكويت لـ«السياق»، بأنه هروب من الأوضاع الحالية لإعادة التموضع، مشيرة إلى أن طارق السويدان يتجه لتشكيل تيار إخواني، يستهدف شباب الجماعة.
وأوضحت المصادر أن الإخواني طارق السويدان يحاول «استغلال» أزمة الصراع الحالي داخل جناحي الإخوان، الممثلين في إبراهيم منير ومحمود حسين، إضافة إلى ما يعانيه شباب التنظيم، نتيجة تجفيف مصادر تمويل منصاتهم الإعلامية.
وكشفت المصادر أن السويدان يتحرك في مشروعه، بدعم مادي من الإخواني الهارب إلى تركيا، الكويتي حاكم المطيري، مؤكدة أن طارق يحاول توفير بدائل وظيفية للعشرات من شباب الإخوان في الأيام الماضية، داخل منصات إعلامية وبحثية، بينها: موقع الاستقلال ومجلة المجتمع الكويتية، إضافة إلى مشروعات يجرى التجهيز لها، عبر إصدار منصتين جديدتين، يديرهما شباب الإخوان في تركيا.
وأرجعت المصادر تحركات السويدان والمطيري الأخيرة، إلى أنها محاولة لتوفير بديل للتمويل القطري، الذي ضرب قطاع شباب الإخوان في تركيا.
تماهي الاختراق
قالت مصادر مقربة من التنظيم الإخواني في لندن، لـ«السياق»، إن طارق السويدان، الذي يعد أحد المنظرين لجماعة الإخوان، كثيرًا ما وفر مساحات كبيرة من الدعم الفكري والتدريبي لشباب وقيادات التنظيم، خلال السنوات الماضية.
وأكدت المصادر ضرورة النظر لتصريحات السويدان، عن الثورات ومآلاتها، على محمل من الجد والتقييم، لكن من منظور التماهي حتى يتمكن من الاختراق.
تصريحات المصادر، أكدها الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية شريف إبراهيم، مشيرًا إلى أن السويدان ذهب في تصريحاته إلى أن الثورات تجلب الخراب للشعوب والدول، لكنه مع حريات الشعوب، في ازدواجية يريد من خلالها أن ينفض يداه من إخفاق التنظيم في الشرق الأوسط، في السنوات الماضية.
وأوضح الباحث شريف إبراهيم، في تصريحات لـ«السياق»، أن كلمات السويدان تتماهى مع الرؤية التي تقف ضد الإخوان وجماعات التطرف، مشيرًا إلى أنه بدأ يرتكن إلى أن التنظيم ومستقبله «الضبابي» لا يمكن التعويل عليه، في ابتعاث أي حركة احتجاجية أخرى بالمنطقة، لذا أراد تهيئة المناخ لخطاب جديد يستقطب به مئات الشباب، الذين لا يؤمنون بقيمة التنظيمات «المتطرفة» في الحياة السياسية بالشرق الأوسط.
تغييرات سياسية
رؤية إبراهيم أكدها إياد المجالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مؤتة، الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، الذي قال في تصريحات لـ«السياق»، إن العديد ممن امتهن الدعوة الإسلامية في الوطن العربي، أدرك خطورة المتغيرات السياسية التي نتجت عن تلك التحركات الشعبية، والتي تسببت في انهيار دول، وحتى جماعات الإسلام السياسي نفسها.
وأوضح المجالي أن الاسلام السياسي ودعاته ومنابره ومنصاته ومحطاته الإعلامية، شكلوا مجالًا واسعًا لتوجيه حركة فئات واسعة من الجماهير، مشيرًا إلى أنهم سبب رئيس في التغيرات التي ضربت كيان الدول وشعوبها.
وبينما أكد أستاذ العلوم السياسية أن «الإخوان» يدفع أتباعه ومؤيديه للمشاركة في التحركات الشعبية، التي تسببت في سقوط دول، وضرب أمن واستقلال المنطقة، إلا أنه قال إن التنظيم انتهز تصدره للمشهد السياسي بعد شحن الجماهير، عبر محاولة إثبات أن له دورًا في الحراك الشعبي، الذي اندلع في ما تعرف بـ«ثورات الربيع العربي».
وشدد المجالي، على أن سويدان -كغيره من بعض الدعاة- روجوا لتنظيم الإخوان أيديولوجيا، عبر استثمار وتوظيف حركات التغيير وقيادة المشهد بمنهج وشعار «الإسلام هو الحل»، وصولًا إلى دفع الجماهير لحمل السلاح حتى الوصول إلى السلطة، وفرض رؤيتهم على المختلفين معهم.
إلا أنه مع تنامي المتغيرات الكبيرة والمتسارعة، تحرك هؤلاء الدعاة نحو التحول الجذري، في مؤشر يدل على أن الإخوان يتحركون وفق استراتيجية جديدة، تهدف للتغلغل بالمجتمعات مرة أخرى، عبر تغيير مواقفها من الأحداث التي تسببت في معاناتهم، بحسب المجالي.
وأشار الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، إلى أن سويدان -شأنه شأن العديد من قيادات وأعضاء الجماعة الإرهابية- يحاول الهرب من سفينة الإخوان الغارقة، في مشهد بات ضرورة ملحة تتطلبها مرحلة «إخفاقهم» في تحقيق طموحاتهم على كل الأصعدة.
تكتيك قديم
الهروب من السفينة الغارقة، ليس وليد اللحظة، فهو تكتيك قديم لجماعة الإخوان الإرهابية، بحسب أحمد رفعت الكاتب والمحلل السياسي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، الذي أكد أنه لا يمثل تراجعًا عن مواقفها السابقة، لكنه يهدف لتفادي الضربات المتلاحقة التي تواجهها.
وأكد رفعت، في تصريحات لـ«السياق»، أن الهروب الإخواني ليس بالضرورة مرتبطًا بالضربات الأمنية، إنما لتخفيف الضغط الشعبي والاجتماعي عليها، إثر نبذها من الجماهير، في سيناريو حدث في مصر خلال الخمسينيات والستينيات وتكرر بعد 2011.
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي، أن هذا التكتيك الإخواني مارسه حسن البنا نفسه، في بيانه الشهير الصادر تحت مسمى «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»، بعد اغتيال رئيس وزراء مصر الأسبق محمود النقراشي باشا في ديسمبر 1948.
منهج قديم سار على خطاه المرشد الثاني للإخوان حسن الهضيبي في كتابه «دعاة لا قضاة» خلال وجوده في السجن، في محاولة للتبرؤ من سيد قطب وكتابه «معالم على الطريق» الصادر عام 1964، الذي كفر فيه المجتمع والدولة المصرية، بحسب رفعت.
تراشق إعلامي
ورغم تلك التكتيكات القديمة الجديدة، فإن ذكرى تأسيس الجماعة الإرهابية لم تقتصر على جدل تصريحات السويدان، بل امتدت إلى تراشق بين أعضائها وموالين لها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
فقد اتهم القيادي الإخواني عمرو عبدالهادي عبر «تويتر»، جماعة الإخوان بالتخلي عنه، وعدم حمايته وتعريضه لتهديدات بالتسليم للسلطات المصرية، بعد أن تسبب إضرابه عن الطعام في الإفراج عن ابنة القرضاوي من السجون المصرية.
إلا أن هذه التغريدة، رد عليها يوسف القرضاوي متهمًا إياه بالكذب، وأنه يسعى لإيهام أنصار «الإخوان» بأن له دورًا مهمًا، وهو ما أكده القيادي الإخواني عمرو فراج مؤسسة شبكة رصد، الذي اتهمه بـ«التدليس».
سياسة صارمة
وضمن التحركات الإخوانية، حاولت قيادات في جماعة الإخوان، مهاجمة سياسات العاصمة المصرية القاهرة، إلا أن السلطات التركية أبلغتها بضرورة التوقف عن مهاجمة النظام السياسي في مصر.
وهو ما أكدته مصادر مقربة من المكتب الإداري بجماعة الإخوان باسطنبول في تصريحات لـ«السياق»، مشيرة إلى أن السلطات التركية أبلغت القيادي ياسر العمدة بالتوقف عن مهاجمة مصر، مهددة إياه بالطرد من البلاد.
وأشارت المصادر إلى أن ياسر العمدة، وهو أحد كوادر الإخوان الهاربة إلى تركيا وعمل في مجال العقارات، دأب على مهاجمة مصر ونظامها السياسي بعد ثورة 30 يونيو، التي اقتلعت جذور التنظيم الذي ينتمي إليه.