من السلطان سليم الأول إلى بوتين.. تاريخ الإهانات الدبلوماسية

الإهانات العنيفة لا تؤدي إلى تحسين سمعة القائد في العالم، لكنها تجذب الانتباه، وهو ما يتوق إليه عادةً الشعبويون والمستبدون، إذ يستمتعون بإبراز شعورهم بالقوة والثقة بالنفس أمام شعوبهم.

من السلطان سليم الأول إلى بوتين.. تاريخ الإهانات الدبلوماسية
وزير الخارجية الروسي ووزيرة الخارجية البريطانية

ترجمات - السياق

سلَّطت مجلة إيكونوميست البريطانية، الضوء على ما سمته "تاريخ الإهانات الدبلوماسية"، مستشهدة ببعض المواقف التي حدثت عبر التاريخ، منذ الخليفة العثماني السلطان سليم الأول، حتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقالت، في تقرير: عندما سافرت ليز تروس، وزيرة الخارجية البريطانية، إلى موسكو في 10 فبراير الجاري، لإجراء محادثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، كان من المؤكد أنها تأمل أن يساعد تدخلها في تخفيف التوترات بشأن أوكرانيا، لكن الأمور لم تسر كما هو مخطط لها.

 

الصم والبكم

وأوضحت أن لافروف وصف محادثاته مع تروس، خلال مؤتمر صحفي، بمحادثات "البكم مع الصم"، قبل أن يغادر ويترك تروس أمام عدسات الكاميرات وحدها، في إشارة تعد إهانة في الأعراف الدبلوماسية.

وذكرت أنه "ليس معروفًا عن لافروف أنه يتحلى بلباقة في التعامل، إلا أنه ليس أول من استخدم الإهانات كأداة دبلوماسية، فهناك تاريخ طويل في تبادل قادة العالم الانتقادات اللفظية".

 

تاريخ الإهانات

وعما يسمى"تاريخ الإهانات الدبلوماسية"، ذكرت "الإيكونوميست" أن تاريخ الإهانات اللفظية الدبلوماسية يعود إلى قرون، وأوردت مثالًا على ذلك قصة قالت إنها حدثت خلال حكم الخليفة العثماني السلطان سليم الأول، من 1512 إلى 1520.

وذكرت أن الإمبراطورية العثمانية تميزت بأن "الأفعال أعلى من الأقوال" إذ اختار سليم الأول، طريقة قوية لإعلان انتصاره على بني "ذو القدر"، وهي دولة عازلة تقع بين إمبراطوريته وسلطنة المماليك في مصر، فأرسل مبعوثًا إلى القاهرة يحمل حقيبة فيها الرأس المقطوع لحاكم بني "ذو القدر" أحد أقرب حلفاء المماليك، الذي ألقاه الرسول تحت قدمي السلطان المملوكي، وفي النهاية أسقط السلطان سليم دولة المماليك، بعد أن غزا القاهرة عقب ذلك بقليل.

وفي إهانة أخرى -كما نقل تقرير "الإيكونوميست"- ضرب والي الجزائر العثماني السفير الفرنسي، عام 1827 بمضرب ذباب متسببًا في وقوع الجزائر تحت نيران الاستعمار أكثر من 130 عامًا.

وأشارت إلى أنه قبل قرون، كانت الإهانات الدبلوماسية أشد فظاظة مما هي عليه الآن، لكن الأجواء بقيت مشحونة، مبينة أن هوغو شافيز، الذي حكم فنزويلا بين عامي 1999 و2013، اشتهر بالشتائم التي يكيلها للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، حيث كان يشير بانتظام إلى الرئيس الأمريكي على أنه "شيطان".

وكانت أشهر هذه المواقف، خلال خطاب متلفز عام 2006، إذ وصف شافيز، بوش قائلًا: "أنت جاهل وحمار ورجل خطير، وجبان وقاتل ومسؤول عن العديد من الإبادات الجماعية، فضلًا عن كونك مدمنًا الكحول وكذاب".

إلا أنه في المقابل، كان الأسلوب الخطابي لشافيز لا يروق لبعض القادة الآخرين، إذ إنه خلال قمة عام 2007، وبخ ملك إسبانيا شافيز قائلًا: "لماذا لا تخرس؟".

 

جذب الانتباه

وأوضحت "الإيكونوميست" أن الإهانات العنيفة لا تؤدي إلى تحسين سمعة القائد في العالم، لكنها تجذب الانتباه، وهو ما يتوق إليه عادةً الشعبويون والمستبدون، إذ يستمتعون بإبراز شعورهم بالقوة والثقة بالنفس أمام شعوبهم.

واستشهدت الصحيفة، بموقف آخر، لزعيم زيمبابوي الراحل روبرت موغابي، الذي وصف في إحدى المرات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بـ"الصبي الذي يرتدي بنطالًا قصيرًا"، ونال ذلك استحسان مواطنيه سواء المؤيدين أو المعارضين، مشيرة إلى أنه ربما لأسباب مماثلة، وصف الدبلوماسيون الصينيون جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا، بأنه "صبي".

وأضافت: "من الحكام المستبدين الآخرين، الذين لا يفكرون مليًا قبل التفوه بكلماتهم، رئيس الفلبين رودريغو دوتيرتي، الذي سب عام 2016 الاتحاد الأوروبي، بعد أن انتقد أعضاء البرلمان الأوروبي حربه الوحشية على المخدرات، قائلًا: اللعنة عليكم".

واستشهدت "الإيكونوميس"، بموقف آخر للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، عندما وصف سنة 2017، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بأنه "رجل خرف"، ردًا على سخرية هذا الأخير منه، حيث كان ترامب قد وصفه قبل ذلك بـ"رجل الصواريخ".

حيل خادعة

 

وذكرت "الإيكونوميست" أن هناك إهانات بعيدة عن الاستخدام اللفظي، إذ تعتمد على الحيل الخادعة، مشيرة إلى أنه من ذلك، ما حدث عام 2010، إذ وقع خلاف دبلوماسي بين تركيا وإسرائيل، لأن نائب وزير الخارجية الإسرائيلي أجلس السفير التركي على أريكة منخفضة المستوى خلال أحد الاجتماعات.

وأشارت إلى أن تركيا حاولت تقديم خدعة مماثلة، من خلال تهميش أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، حين جلست على أريكة، بينما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وشارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبي، يجلسان على كرسيين كبيرين.

وتابعت: "كما أنه عام 2007، أزعج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، عندما قدم إليها كلبًا ضخمًا، رغم علمه برهاب ميركل المعروف للكلاب".

وتعليقًا على مثل هذه التصرفات المهينة، ترى "الإيكونوميست" أن دبلوماسية الانتقادات اللاذعة والشتائم ستتواصل، ولن تقف عند هذا الحد، لافتة إلى أن الشتائم الدبلوماسية اتخذت شكلًا جديدًا في عصرنا الحديث، حيث يتبادل الدبلوماسيون في الوقت الراهن الصور الساخرة على أنها إهانات وتوبيخ.

وضربت مثالا على ذلك، بأنه عام 2018، نشر المرشد الأعلى لإيران تغريدة تشير إلى إسرائيل على أنها "ورم سرطاني خبيث" فردت السفارة الإسرائيلية في الولايات المتحدة، بلقطة شاشة من فيلم "الفتيات اللئيمات" (Mean Girls) الذي يدور حول مغامرات طالبات في المدارس الثانوية، كُتب أسفلها عبارة "لماذا أنت مهووس بي؟".

من مواقف بوتين أيضًا التي تعد إهانة دبلوماسية، ما ورد عام 2007، أنه خلال خلال قمة G8 التي عقدت في موسكو، اجتمع الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بالرئيس الروسي، الذي عامل الرئيس الفرنسي السابق بخشونة وحدة لفظية ظاهرة، جعلته في ما يبدو يظهر فاقداً للتوازن، فقد ندد ساركوزي بالحل العسكري الدموي، الذي نفذته روسيا في جمهورية الشيشان وأوقع ضحايا بالآلاف، فما كان من بوتين إلا أن قاطع محدثه قائلاً "حسناً، هل انتهيت؟ اسمع سأشرح لك، إن بلدك هو هكذا..."، مشيراً بكلتي يديه إلى مساحة فرنسا الصغيرة، "أما بلدي فهو هكذا... والآن، لديك حلان: إما أن تتابع الحديث معي بهذه اللهجة وعند ذلك سأسحقك، وإما أن تغير أسلوبك وسأجعلك بالمقابل ملكاً على أوروبا".

وبعد نحو 15 عامًا، يتكرر الأمر مع رئيس فرنسي آخر، هو إيمانويل ماكرون، عندما استقبله بوتين بموسكو في فبراير الجاري لبحث الأزمة الأوكرانية، وجلسا معًا على مسافة متباعدة للغاية، قبل أن يغادر بوتين القاعة تاركًا ضيفه خلفه.