هل لا يزال السلام ممكنًا في إثيوبيا؟

سيناتور أمريكي: رغم تحذيراتي، وتحذيرات الكثير من قادة إفريقيا والعالم، مضى آبي أحمد في حملته العسكرية، التي تسببت بتهجير جماعي وانتهاكات في حقوق الإنسان

هل لا يزال السلام ممكنًا في إثيوبيا؟

ترجمات – السياق

مع إعلان قوات جبهة "تحرير شعب تيغراي" الاقتراب من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وإعلان رئيس الوزراء، آبي أحمد، انضمامه إلى جنوده في جبهة القتال، حذر السيناتور الأمريكي كريس كونز، من أن استمرار القتال "لن يفضي إلى حمام دم واسع وانهيار اقتصادي فحسب، بل سيؤدي إلى شرخ في الدولة الإثيوبية".

وأوضح كونز عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، عضو لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، في تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية، أن الأوضاع تطورت الأسبوع الماضي، بعد أن اتخذ الصراع منحى آخر مع إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، انضمامه إلى جنوده في جبهة القتال، لتعلن الحكومة إعادة السيطرة على مدينتين استراتيجيتين، وسط انتقادات دولية لانتهاكات لحقوق الإنسان.

وحذر السيناتور الأمريكي من أن القتال -إن واصل حدته- "لن يفضي فحسب إلى حمام دم واسع وانهيار اقتصادي، بل سيؤدي أيضًا إلى شرخ في الدولة الإثيوبية"، مؤكدًا أن إثيوبيا "قد تصبح يوغسلافيا هذا العقد... أمة عظيمة وقائد بارز تعرَّضا للتدمير بسبب الاختلافات العِرقية".

وأضاف أن "أصداء النزاع الدموي للحروب اليوغسلافية، حاضرة اليوم في إثيوبيا من حيث الاستقطاب السياسي وخطابات الكراهية، والعنف الذي امتد عبر أرجاء البلاد العام الماضي"، وتابع: "لا تزال ذكريات تلك النزاعات الماضية تعصف بذهني، عندما أفكر في مستقبل ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان".

أزمة إنسانية

وشدد السيناتور الأمريكي، على أهمية التوصل إلى حل مباشر للأزمة الإنسانية، قائلًا: "لم يفت الأوان على وضع السلاح جانباً، لمنع أي تصعيد إضافي في حرب أزهقت كثيرًا من الأرواح".

وقارن كونز بين التوجه الذي كانت تسير فيه إثيوبيا عام 2019 فقط، والتحول الذي شهدته خلال عام، مشيرًا إلى فوز آبي أحمد، بجائزة نوبل للسلام على خلفية إشرافه على المفاوضات التي تسببت بإنهاء حرب بلاده مع إريتريا.

وقال إن "تلك الخطوات إلى جانب جهود الإصلاح، أتاحت بصيص أمل أمام الملايين، للتوصل إلى دولة متعددة العِرقيات، شمولية وموحدة... إذ كانت إثيوبيا تسير بالفعل على خطى أكثر استقرارًا لمستقبلها".

واستدرك السيناتور الأمريكي: "لكن العام الماضي، تبخر هذا الأمل، فلقد تحدثت إلى آبي أحمد عن الأزمة المتفاقمة في إقليم تيغراي في نوفمبر 2020، حيث بدت مؤشرات تصاعد التوتر لأشهر بين الحكومة وجبهة "تحرير شعب تيغراي، التي مثلت الائتلاف الحاكم حتى عام 2018".

وأوضح كونز، أنه عوضًا عن اللجوء للمفاوضات لحل التوتر، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي شن حملة عسكرية واسعة في الإقليم، متابعًا: "أكد لي آبي أحمد أنه يسعى فقط إلى شن مداهمة أمنية لوقف عصابات إجرامية، وشدد على أن المهمة ستنتهي في غضون أسابيع".

وأضاف: "حاولت تحذير آبي أحمد مرارًا بأن الجنرالات بين جانبي الحرب الأهلية الأمريكية، أصدروا توقعات مماثلة في ربيع 1861، وبدلًا من تنفيذ خطوات حاسمة وسريعة، امتد النزاع أكثر من أربعة أعوام، لتصبح أكثر الحروب دموية ودمارًا في التاريخ الأمريكي".

واستطرد: "رغم تحذيراتي، وتحذيرات الكثير من قادة إفريقيا والعالم، مضى آبي أحمد في حملته العسكرية، التي تسببت بتهجير جماعي وانتهاكات في حقوق الإنسان".

تدخل بايدن

وأوضح السيناتور الأمريكي، أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، منذ بداية توليه السلطة أوائل 2021، وضعت إنهاء الحرب الإثيوبية ضمن أبرز أولوياتها.

وأضاف كونز: "في مارس، أمضيت خمس ساعات مع آبي أحمد على مدى يومين في أديس أبابا، حيث عبر لي عن افتخاره بتاريخ إثيوبيا، كونها الدولة الوحيدة في القرن الإفريقي التي لم تتعرَّض لأي استعمار أجنبي، وتباهى بحسه القوي بالاستقلال".

واستطرد: "اتضح لي أنه يعد نفسه مصلحًا ملتزمًا، حتى بمعاناته في موازنة القوى السياسية الداخلية مع الضغوط الخارجية من المجتمع الدولي، وقد دعوته خلال اللقاء إلى اتخاذ خطوات حاسمة، لمعالجة النزاع وحل القضايا الإنسانية والأمنية والانتهاكات الحقوقية، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة".

وأكد عضو مجلس الشيوخ، أن رئيس الوزراء الإثيوبي أوفى بعدد من العهود التي قطعها على نفسه، منها إعلان الحديث مع السلطات الإريترية، للمطالبة بسحب قواتها من البلاد، إضافة إلى الاعتراف بالانتهاكات الحقوقية التي ارتكبتها أطراف النزاع، وتعبيره عن الحاجة إلى المحاسبة.

لكن -حسب السيناتور الأمريكي- "تبخرت الآمال مجددًا"، بسبب إصرار آبي أحمد على المضي في حملته العسكرية، وأيضًا بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بعض الشخصيات، وأوقفت المساعدات المقدمة للحكومة الإثيوبية.

نتائج مأساوية

واستعرض السيناتور الأمريكي، الحصيلة المأساوية للحرب الإثيوبية خلال عام واحد، مشيرًا إلى أنها أدت إلى تهجير أكثر من 60 ألف شخص خارج البلاد، ونزوح نحو مليونين داخلها، أكثر من نصفهم من النساء والفتيات، بعدما واجهت كثيرات منهن عنفاً مروعاً .

كما تسببت الحرب -حسب كونز- في قتل الآلاف، ودفعت ما لا يقل عن 400 ألف شخص إلى ظروف تشبه المجاعة، وتركت سبعة ملايين شخص في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بينما أكد محققون دوليون، أن جميع أطراف النزاع شاركوا في ارتكاب هذه الفظائع والجرائم.

كما سرد كونز ما سماها، الفظائع "المحطمة للقلوب" التي سمعها من اللاجئين في مخيم أم رخية بالسودان، خلال زيارة له في أبريل، بشأن التهجير القسري والاغتصاب والأشكال الأخرى من العنف الإثني.

وأكد أنه خلال "استعراض القصص السابقة والخلفيات العرقية والانتماء الوطني عبر التاريخ، فإن الأمور ستزيد سوءًا، البيئة الرقمية المسممة المليئة بالمعلومات المضللة والبروباغندا وخطابات الكراهية وخطابات الإبادات الجماعية، إضافة إلى الدعوات للعنف. هذا المسار الخطر عبر الإنترنت، أصبحت له تبعات على أرض الواقع".

السلام لايزال ممكنًا

وختم السيناتور تحليله بدعوة نظام آبي أحمد مجددًا، بعد ثمانية أشهر من آخر لقاء جمعه به، إلى قيادة جهود المفاوضات، مؤكدًا أن "السلام لا يزال ممكنًا"، مشددًا على ضرورة رفع الحصار عن إقليم تيغراي، و"إتاحة مرور المساعدات الإنسانية واللوازم الطبية، إضافة إلى إعادة خدمات الكهرباء والاتصالات والمعاملات البنكية والنقدية وخدمات أخرى حرم منها الإقليم منذ بدء الصراع".

وشدد على أنه على آبي أحمد التوقف "فورًا عن اعتقال واحتجاز شعب تيغراي بسبب هويتهم العرقية، إضافة إلى الامتناع عن وصف جبهة تحرير شعب تيغراي منظمة إرهابية يجب القضاء عليها".

كما دعا الجبهة إلى التوقف عن الاقتراب من العاصمة، وإبداء رغبة في المفاوضات لإنهاء النزاع، قائلاً: "إن واصلت أطراف النزاع الإثيوبية اختيار العنف، فإن المحاسبة ستكون مؤكدة وقسرية ودولية، وبحلول ذلك الوقت، ستكون إثيوبيا قد تعرَّضت لدمار لا رجوع منه".