كابل على وشك الاختناق.. طالبان تتجه نحو المتنفَّس البري الوحيد للعاصمة
تتعامل أفغانستان مع معبر حيرتان الحيوي، على أنه المتنفَّس البري الوحيد المتبقي لحكومة أشرف غني في كابل، مع دول الجوار.

السياق
يشهد إقليم بلخ، محاولات مستميتة من حركة طالبان، للسيطرة على المعبر الحدودي فيه، الذي يربط بين أفغانستان وأوزباكستان، وفي المقابل تعمل قوات الجيش الحكومي، على صد الهجمات المتكرِّرة.
ويرى مراقبون، أن سيطرة طالبان على معبر "حيرتان" مسألة وقت، إذ تسيطر الحركة الإرهابية، على ثماني مديريات من أربع عشرة مديرية، من الإقليم الواقع في الشمال الأفغاني، الذي يتبعه المنفذ الحدودي، فضلًا عن توقُّعات بقرب سقوط مدينة مزار شريف -وهي عاصمة الإقليم- في يد طالبان.
تتعامل أفغانستان مع معبر "حيرتان" الحيوي، على أنه المتنفَّس البري الوحيد المتبقي لحكومة "أشرف غني" في كابل، مع دول الجوار.
شُح الغذاء
سيطرت طالبان، على معظم البوابات الحدودية المهمة مع الدول المتاخمة، ووفق ذبيح الله مجاهد، الناطق باسم الحركة، فإنهم يسيطرون على 90% من الشريط الحدودي مع إيران وطاجيكستان وأوزباكستان وتركمانستان، بينما نفت وزارة دفاع أفغانستان، تلك التصريحات، ووصفتها بالأخبار المفبركة.
لكن الغرفة التجارية الأفغانية، أعلنت تأثُّـر البلاد بسيطرة طالبان على هذه الحدود، إذ نتج توقف مئات المركبات المحمَّلة بالسِّلع والمواد التموينية، عن دخول البلاد.
حرب الكهرباء
يستمد معبر حيرتان أهميته من كونه طريقًا استراتيجيًا، يمر خلاله معظم المواد الغذائية، والمشتقات النفطية، فضلًا عن أهميته الجيواستراتيجية إذ يقع ضمن نطاق مشروع "طريق الحرير" الرابط بين الصين وأوروبا.
إضافة لكونه ممرًا رئيسيًا لكهرباء أفغانستان، إذ تستورد معظم حاجتها من طاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان، وفي حال سيطرة طالبان على المعبر، سيكون الظلام مصير كابل ومناطق سيطرة حكومتها.
تلجأ طالبان دائمًا إلى "حرب الكهرباء"، إذ درجت على قطع التيار عن العاصمة الأفغانية وباقى الأقاليم، بتفجيرها الأعمدة الرئيسة، التي تأتي بالطاقة من دول الجوار.
كان أبرزها نهاية 2019 حين انقطعت الكهرباء، وغرق القطر الأفغاني خمسة أيام، في الظلام، ولم يثن طالبان عن رفضها السماح بدخول الفنيين، لإصلاح ما أحدثته التفجيرات، إلا رجال القبائل الذين توسطوا بين الحركة والحكومة.
اتفاق سلام مع كابل
تقود طالبان هجوماً شاملاً ضد القوات الأفغانية، وقبائل موالية لها، منذ مايو الماضي، في محاولة لفرض سيطرتها على البلاد، وإسقاط الحكومة المركزية في كابل، وذلك بعد بدأت القوات الدولية عملية خروجها النهائي من البلد الآسيوي الغارق في الحروب.
وفي 29 فبراير 2020، وقَّعت واشنطن اتفاق السلام مع طالبان، في العاصمة القطرية الدوحة، قضى بسحب جميع القوات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في التحالف، بما في ذلك جميع المدنيين غير الدبلوماسيين، والمتعاقدين الأمنيين الخاصين، والمدرِّبين والمستشارين وموظفي خدمات الدعم، من أفغانستان، ورفع العقوبات الأمريكية عن أفراد طالبان، وإطلاق سراح 5 آلاف سجين من أعضائها، مقابل منع استخدام الأراضي الأفغانية، من أي جماعة أو فرد، ضد أمن الولايات المتحدة وحلفائها، وتعهّدها بعقد محادثات سلام مع حكومة كابل.
رحيل حكومة كابل
ويبدو أن تلك المباحثات الثنائية، بين طالبان والحكومة، التي عُقدت قبل أيام في الدوحة، لم تثمر سلامًا، إذ إن طالبان طلبت رحيل الرئيس الأفغاني، أشرف غني، كشرط لأي عملية تفاوضية، معتبرة أن عليه الرحيل من أجل أي اتفاق سلام، كما تريد تغيير الدستور، بدعوى أنه وضع في عهد الاحتلال الغربي، في إشارة إلى القوات الأمريكية والدولية.
ورغم تضارب المعلومات عن المساحة التي تسيطر عليها طالبان، تشير كل الدلائل إلى أن الحركة تسيطر على معظم أقضية البلاد، ما أجبر آلاف الجنود الأفغان، على الفرار لدول أخرى، أو الاستسلام للحركة المتطرفة.
بينما نزح آلاف المدنيين إلى مناطق أخرى داخل البلاد، أو إلى دول مجاورة، مثل إيران وباكستان، وتستقبل الأخيرة عشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان، القانونيين وغير القانونيين، منذ سنوات.
خوف من طالبان
أظهرت مقاطع فيديو مشاهد لآلاف المواطنين في الإدارات الحكومية، المعنية بإصدار أوراق السفر، في إشارة لرغبتهم بالخروج من أفغانستان خوفًا من سيطرة طالبان على البلد، الذي حكم قبل عقدين، وحرم تعليم الفتيات وخروجهن إلى الشوارع، والفن، وأنشطة اجتماعية عدة، وطُبقت أحكام قاسية كالجلد والقتل، بدعوى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. حتى تدخلت القوات الأمريكية والتحالف الدولي عسكريًا عام 2001 وأسقطت نظام الحركة المتطرفة، بدعوى محاربة الإرهاب.
تتسارع الأحداث، وسط مخاوف متزايدة من حرب أهلية شديدة الضراوة، على غرار ما حدث بعد الانسحاب السوفييتي في التسعينيات، بين طالبان وقوات حكومية ومرتزقة وزعامات قبلية.
ووفق آخر إحصائيات مجلس الأمن، فإن طالبان تضم ما بين 58 ألفًا و100 ألف مسلَّح، وتعمل على زيادة عدد مسلحيها، والحكومة الأفغانية تقدر قواتها بـ308 آلاف فرد، فضلًا عن القبائل المساندة لها.