رغم الحظر.. الشركات الصينية تحصل على رقائق متطورة من أمريكا
تشير التقارير الأخيرة إلى حصول الكيانات الصينية المدرجة في القائمة السوداء، على رقائق كمبيوتر متطورة من الولايات المتحدة، عبر التهريب أو التأجير السحابي، وفق مجلة فورين بوليسي الأمريكية.

ترجمات – السياق
رغم القيود التي فرضتها واشنطن على تصدير الرقائق الإلكترونية ومعداتها إلى بكين، فإن الشركات الصينية نجحت في اجتياز كل هذه القيود، وحصلت مؤخرًا على رقائق متطورة أمريكية الصُنع.
تصاعدت حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، بينما يتجلّى هذا الصراع في مجالات عدة، اقتصادية وعسكرية وأمنية، لكن يبقى الصراع التكنولوجي الأشد حاليًا، لاسيما على الرقائق الإلكترونية، التي تعد عصب الحياة المعاصرة، إذ إنها تدخل في الصناعات المتقدمة والمعدات العسكرية والأقمار الاصطناعية وغيرها من الصناعات الحساسة، ومن يُحكم السيطرة على الرقائق الإلكترونية يقود العالم.
ففي الخريف الماضي، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مجموعة من القيود على الصين، لمنع وصولها إلى الرقائق المصنوعة باستخدام التكنولوجيا الأمريكية في العالم، بما في ذلك أكثر الرقاقات تقدمًا والتقنيات التي يمكن استخدامها، بين تطبيقات أخرى، في أجهزة الكمبيوتر العملاقة والمعدات العسكرية المتطورة وتطوير الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، تشير التقارير الأخيرة إلى حصول الكيانات الصينية المدرجة في القائمة السوداء -بما في ذلك أكاديمية الصين للفيزياء الهندسية (أكبر معهد صيني لأبحاث الأسلحة النووية)- على رقائق كمبيوتر متطورة من الولايات المتحدة، عبر التهريب أو التأجير السحابي، وفق مجلة فورين بوليسي الأمريكية.
وفي حربها الدائرة مع الصين على الرقائق الإلكترونية، اتخذت الولايات المتحدة خطوات عدة لتعزيز صناعة أشباه الموصلات محليًا وتحقيق الاكتفاء الذاتي، ومن هذه الإجراءات إقرار قانون "الرقائق الإلكترونية والعلوم" لعام 2022، إذ خصصت 52.7 مليار دولار أمريكي للمساعدة في توسيع مرافق تصنيع أشباه الموصلات للسنوات الخمس المقبلة.
وحظر القانون على الشركات التي تتلقى تمويلاً فيدراليًا، توسيع عملها في صناعة الرقائق المتقدمة، وإجراء معاملات كبرى أو الاستثمار مع الصين، أو أي دولة أخرى تثير قلق الولايات المتحدة، في غضون 10 سنوات.
وذكرت المجلة أن عمليات التهريب يبدو أنها أصبحت ممكنة أيضًا للبائعين ذوي المستوى المنخفض، حيث توصلت تقارير حديثة إلى أن الشركات الصينية الصغيرة تهرب الرقائق الصادر بحقها قيود عبر الدول المجاورة، وأن عشرات الآلاف -على الأقل من هذه الرقائق- موجودة في الصين.
قيود أكثر
وشددت "فورين بوليسي" على أنه إذا أرادت الإدارة الأمريكية أن تنجح في السيطرة على الحوسبة الفائقة الحساسية للأمن القومي، فإن على الوكالة الأمريكية المكلفة بإنفاذ الرقابة على الصادرات (مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة) أن تكون أكثر يقظة، لمنع وصول هذه التكنولوجيا إلى الشركات الصينية.
وأشارت إلى أن ضوابط التصدير الأمريكية -الصادرة العام الماضي- فرضت مجموعة من الإجراءات التي تستهدف عدم وصول الصين إلى معدات تصنيع أشباه الموصلات، أو منشآت تصنيع أشباه الموصلات المعروفة بـ (فابس)، أو بعض أنواع الرقائق، غير أنه بالنظر إلى الدور المحوري للولايات المتحدة في صناعة أشباه الموصلات، ومع سيطرة شركتين أمريكيتين -نفيديا وإيه إم دي- على سوق الرقائق الحيوية التي تستهدفها الضوابط، فإن تنفيذ حظر بهذا الحجم لن يكون سهلًا.
وأوضحت المجلة أن الحظر لا ينطبق على الرقائق الأمريكية الصُنع فحسب، بل ينطبق أيضًا على أي شريحة تُنتج باستخدام تكنولوجيا أو برامج أو معدات أمريكية المنشأ.
فعلى عكس العناصر الأخرى ذات الاستخدام المزدوج، تصنع رقائق متطورة بالملايين، وهذه الرقائق يمكن وضعها بكميات كبيرة في أماكن صغيرة مثل صندوق أحذية، ما يجعل التهريب ممكنًا وبشكل يغطي متطلبات بناء أجهزة كمبيوتر عملاقة حديثة (حيث تهرب آلاف الرقائق).
كما أن أغلبية شركات التكنولوجيا الصينية تصل إلى الرقائق عبر الخدمات التي تقدمها شركات الحوسبة السحابية، التي لا تراقب خدماتها، وهي نقاط ضعف استغلتها الصين بسهولة للالتفاف على العقوبات.
وبينت المجلة، أنه "لا تراقب هذه الخدمات لمنع استخدامها من قِبل الكيانات الأجنبية المدرجة في القائمة السوداء بموجب نظام الضمانات الحالي للولايات المتحدة".
ووفقًا لموظفي "سينس تايم" -أكبر شركة متخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي ومقرها شنغهاي- فإنها تعتمد على وسطاء -في القائمة السوداء الأمريكية- لتهريب المكونات المحظورة من الولايات المتحدة.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن نهج "سينس تايم" يعكس الطرق التي يتبعها أكبر مختبر للأسلحة النووية في الصين -الأكاديمية الصينية للفيزياء الهندسية الذي تديره الدولة- بخصوص التهريب.
ورغم إدراجها في القائمة السوداء، فإن شركة الذكاء الاصطناعي الصينية المدعومة من الدولة آي فلايتك، تنجح أيضًا في الوصول إلى رقائق نفيديا الخاضعة للرقابة.
معالجة الفجوات
وعن إمكانية معالجة هذه الفجوات، رأت "فورين بوليسي" أن معالجة الولايات المتحدة لهذه الفجوات، مع الحفاظ على هيمنتها العالمية في مجال الحوسبة العملاقة، تتطلب أولًا مراجعة الضوابط الحالية، من خلال معالجة التهريب المادي للرقائق، موضحة أن عملية التنفيذ والمراقبة الحالية تعتمد على الترخيص الممنوح للشركة، حيث الموافقة على كيان أمريكي يسعى إلى تصدير التكنولوجيا الخاضعة للرقابة، إلى جهة أجنبية أو رفض الترخيص.
ولكن تاريخيًا، فشلت هذه العملية في مواكبة قدرة الجهات الفاعلة الصينية والروسية على إنشاء شركات وهمية بسرعة، حيث وجد باحثون في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة الأمريكية، أدلة كثيرة على وجود هذه النوعية من الشركات، في المشاريع التي تديرها وكالات الدفاع الصينية والشركات المملوكة للدولة.
بينما أفاد تقرير حديث لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية -استنادًا إلى مقابلات مع مسؤولين أمريكيين مشاركين في عملية الإشراف على تنفيذ الضوابط ذات الصلة- بأن الأمر قد يستغرق أيامًا للجيش الروسي أو الصيني، لتأسيس شركات وهمية لشراء التكنولوجيا الخاضعة للرقابة، في حين يمكن أن تستغرق عملية اكتشاف التهريب سنوات، هذا إذا كُشف عنها أساسًا.
ولحل هذه المشكلات، اقترحت المجلة الأمريكية "استحداث برنامج لتتبع عينات عشوائية من الرقائق المُباعة للتحقق من الجهة النهائية التي وصلت إليها، ويكون ذلك بأن يسجل بائعو الرقائق الخاضعة للرقابة مشترياتهم لدى مكتب الصناعة والأمن الأمريكي (المعني بالمراقبة)، ثم إخطار المكتب بأي مبيعات لاحقة (الجهة التي اشترت) أو أي إتلاف أو فقدان للرقائق، لضمان عدم تسربها إلى الصين".
أما الحوسبة السحابية الأمريكية المتقدمة، فحسب المجلة، لا توجد طريقة قابلة للتطبيق، لفرض ضوابط خارج الحدود الإقليمية الأمريكية على هذه الخدمات، وبذلك سيكون من الخطأ افتراض عدم قدرة الصينيين على الوصول إليها في ضوء الضوابط الحالية، حيث لا يزال بإمكان مستخدمي الحوسبة السحابية في الصين، الوصول إلى الرقائق الخاضعة للرقابة من خلال التأجير السحابي.
وتضيف المجلة: "من الأفضل للولايات المتحدة أن تلجأ إلى تكتيكات مماثلة للتي تستخدمها شبكات مكافحة الجرائم المالية الأمريكية، عبر اشتراط تقديم تقارير عن المعاملات التي تتجاوز 10 آلاف دولار والإبلاغ عن أي معاملات قد تشير إلى نشاط إجرامي".
وشددت على أنه عبر استخدام هذه التكتيكات، يمكن معرفة العملاء الذين يستخدمون كميات كبيرة من الرقائق الخاضعة للقيود، وحينها يجب إخضاع هؤلاء العملاء لفحص أكثر صرامة.
ونوهت إلى أنه يجب أيضًا على حكومة الولايات المتحدة العمل مع حلفائها، لنشر عمليات الفحص المسؤولة دوليًا، مثل ما يحدث مع عمليات منع غسل الأموال وتمويل الإرهاب على مستوى العالم. وإذا لم يتعاون مقدمو الخدمات السحابية الصينيون، الذين لديهم مراكز بيانات خارج الصين، يمكن حينها فرض ضوابط الاستخدام النهائي على صادرات الرقائق ذات الصلة، لمنع هذه الشركات من الالتفاف على العقوبات.
وشددت على أهمية توفير التمويل الكافي للجهات القائمة على عمليات المراقبة، لضمان وصول هذه الجهات إلى التقنيات الحديثة، لتحديد واستهداف المعاملات والكيانات عالية المخاطر بشكل أفضل.
كما أكدت المجلة الأمريكية أن الولايات المتحدة بحاجة أيضًا إلى العمل مع حلفائها وشركائها -تايوان، وهولندا، واليابان، والهند، وكوريا الجنوبية- لتبادل المعلومات وتنسيق الجهود وإنفاذ الرقابة على صادرات أشباه الموصلات، بما يضمن منع الجهات الفاعلة المارقة، من استغلال الثغرات في أنظمة الرقابة على الصادرات، والتأكد من أن التقنيات الحساسة لن ينتهي بها الأمر في الأيدي الخطأ.
وأضافت: "لن يكون فرض حظر على وصول الصينيين إلى الرقائق المتطورة سهلاً، لكن من خلال إنشاء برنامج فحص الرقائق، واتخاذ خطوات للمساعدة في ضمان تأمين الخدمات السحابية، وتزويد بنك التسويات الدولية بمزيد من التمويل، والاستمرار في السعي إلى التعاون مع الحلفاء، يمكن للحكومة الأمريكية إقامة حواجز كبيرة أمام الصين، باستخدام الحوسبة المتقدمة، لتشغيل جيل جديد من تطبيقات عسكرية خطيرة".