تمرد 'فاغنر' يتحطم على صخرة البنود الخمسة... كيف أعادت روسيا الهدوء إلى الشارع؟
كشف المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أبرز نقاط الاتفاق بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، في إطار وساطة إنهاء التمرد.

السياق
أربع وعشرون ساعة من التحركات المثيرة، التي كان بطلها قائد مجموعة فاغنر العسكرية يفغيني بريغوجين، والتي شغلت العالم، أفضت إلى انسحاب درامي مفاجئ، بوساطة بيلاروسية.
فبعد أن كانت القوات التي يقودها على مسافة تقل عن 400 كيلومتر من العاصمة الروسية موسكو، غادر رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين روسيا إلى بيلاروس، بموجب اتفاق أبرمه مع الكرملين طوى صفحة أخطر أزمة أمنية في روسيا منذ عقود.
فماذا حدث؟
بعد أن وعد في اليوم السابق بـ«تحرير الشعب الروسي» من خلال إرسال قواته باتجاه موسكو، أعلن بريغوجين تراجعه لتجنب إراقة «الدماء الروسية»، قائلًا: «أرتالنا ستعود أدراجها إلى المعسكرات الميدانية».
ذلك الموقف، كان نتاج مبادرة من الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو الذي اضطلع بدور رئيس في الوساطة، بحسب مكتبه الذي قال إنه اقترح على رئيس "فاغنر" وقف تقدمه في روسيا.
اتفاق قال عنه المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن هدفه تجنب إراقة الدماء، مؤكدًا أن «الهدف الأسمى تجنب حمام دم وصدام داخلي واشتباكات لا يمكن التنبؤ بنتائجها».
مصير "فاغنر" ورئيسها
كشف المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أبرز نقاط الاتفاق بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، في إطار وساطة إنهاء التمرد.
وأوضح متحدث الكرملين، أن بعض مقاتلي «فاغنر» ممّن رفضوا منذ البداية الدخول في حملة بريغوجين، ستتاح أمامهم إمكانية الانضمام لصفوف القوات المسلحة الروسية والتعاقد مع وزارة الدفاع.
وبحسب الاتفاق، فإن هؤلاء لن يخضعوا لأي ملاحقة قانونية، إضافة إلى أن قوات «فاغنر» ستعود إلى معسكراتها.
ونص البند الرابع من الاتفاق على أن «الجزء الذي لا يرغب في العودة إلى المقار والمعسكرات، يوقع اتفاقيات مع وزارة الدفاع الروسية»، بينما ينص البند الخامس على إغلاق القضية الجنائية بحق بريغوجين، على أن يغادر إلى بيلاروس.
لماذا رئيس بيلاروسيا؟
سؤال أجاب عنه المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، قائلًا إن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو اتفقا -في محادثة هاتفية- على وساطة مينسك في موضوع «فاغنر».
وأوضح متحدث الرئاسة الروسية، أن مبادرة الوساطة عرضها الرئيس البيلاروسي، الذي كان على معرفة قديمة بقائد "فاغنر" يفغيني بريغوجين، منذ نحوا 20 عامًا، ما أهله لأن يكون قائدًا لتلك المبادرة، مشيرًا إلى أن الرئيسين اتفقا على أن يبذل لوكاشينكو جهود وساطة لتسوية الوضع.
العملية العسكرية في أوكرانيا
أكد بيسكوف أن ما حدث لن يؤثر -بأي حال من الأحوال- في مسار العملية العسكرية الخاصة، مشددًا على أن القوات الروسية تواصل بنجاح صد الهجوم الأوكراني المضاد.
هل غادر قائد "فاغنر"؟
ظهر رئيس مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة يفغيني بريغوجين، وهو يغادر مع عدد من مقاتليه، مقر الإدارة العسكرية للمنطقة الجنوبية في مدينة روستوف على نهر الدون.
كان رئيس «فاغنر»، يفغيني بريغوجين، قد أعلن وقف تحرك قواته باتجاه موسكو، مؤكدًا أنها استدارت وتغادر في الاتجاه المعاكس.
وأعلن حاكم منطقة روستوف الروسية (جنوبي غرب) فاسيلي غولوبيف -مساء السبت- أن قوات المجموعة غادرت المدينة، بعدما احتلت صباحًا مقر الجيش الروسي فيها، الذي يعد مركز العمليات في أوكرانيا.
وفي أعقاب إعلان الاتفاق، بدأت السلطات الروسية رفع الإجراءات الأمنية الاستثنائية، التي اتُخذت في مواجهة تقدم "فاغنر".
وقال إيغور أرتامونوف، حاكم منطقة ليبيتسك الواقعة جنوبي موسكو التي دخلها مقاتلو المجموعة، عبر "تلغرام": «بدأ رفع القيود المفروضة اليوم»، مضيفًا: «في الأمد القريب، سنسمح بعودة الحركة في طرق المنطقة».
كان رئيس بلدية موسكو قد دعا السكان إلى الحد من التنقل في المدينة، ووصف الوضع بأنه «صعب»، معلنًا –الاثنين- عطلة.
وقالت وكالة الإعلام الروسية –الأحد- إن الوضع هدأ حول مقر قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية في روستوف، مشيرة إلى أن حركة المرور استؤنفت في الشوارع، بعد أن غادر يفجيني بريغوجين رئيس مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة ومقاتلوها المدينة.
وفي مقطع فيديو بثته الوكالة عبر «تلغرام» وقالت إنه التُقط في مدينة روستوف، ظهر رجل يقوم بأعمال تنظيف في أحد الشوارع وسيارات تتحرك في شارع آخر.
كيف أعاد التمرد رسم الولاءات؟
تقول صحيفة بوليتيتكو الأمريكية، إنه لسوء حظ بريغوجين، بدأ دعم بعض الحلفاء والأصدقاء الرئيسين يتلاشى، بما في ذلك الجنرال سيرجي سوروفكين، المعروف في الغرب باسم الجنرال هرمجدون.
وأكدت الصحيفة الأمريكي أن سوروفيكين، الذي يعد القائد السابق للقوات البرية الروسية في أوكرانيا، يحظى بشعبية بين القوميين المتطرفين، وقد أثار تخفيض رتبته العام الماضي استياءهم.
ورغم ذلك، فإنه يوم الجمعة، حث مقاتلي «فاغنر» على وقف معارضتهم للقيادة العسكرية الروسية والعودة إلى الثكنات، قائلًا: «إنني أحثك على التوقف، العدو ينتظر فقط تدهور الوضع السياسي الداخلي في بلدنا».
ليس سوروفيكين فحسب من انقلب على قائد "فاغنر"، بل إن الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، الذي كان -طوال العام الماضي- متوافقًا مع بريغوجين، متحدًا في إدانتهما لكبار الضباط في روسيا، وشنا انتقادات ضد قادة الجيش في البلاد، رفض التمرد.
ونأى قديروف بنفسه عن صديقه السابق في الأسابيع الأخيرة، بل شن هجومًا حادًا عليه، وأرسل ثلاثة آلاف من قوات النخبة الشيشانية إلى موسكو، للدفاع عن العاصمة الروسية في مواجهة قوات "فاغنر" التي كانت تزحف باتجاه المدينة.
وقالت قناة جروزني الرسمية -مساء السبت- إن المقاتلين الشيشان اتخذوا مواقعهم في موسكو منذ الصباح الباكر ونحن مستعدون لتنفيذ أي أمر من القائد العام للقوات المسلحة الروسية فلاديمير بوتين.
وانحاز بعض اللاعبين الرئيسين والوكالات الأمنية إلى الكرملين، بينها جهاز المخابرات الذي دعا مقاتلي "فاغنر" إلى «عدم تنفيذ الأوامر الإجرامية والغادرة لبريغوجين، واتخاذ خطوات لاعتقاله بأنفسهم»، كما اتهمت بريغوجين بطعن جنود روس في الظهر.
كما ندد المدونون العسكريون المؤيدون للحرب في روسيا برئيس "فاغنر"، رغم أنهم لم يثقوا به، فقال إيغور جيركين، وهو من قدامى المحاربين في الجيش الروسي وضابط مخابرات سابق: «من المحتمل أن الفصيلين المتحاربين في حزب السلطة يسعيان لتحقيق ذلك، لقد كانوا يدعون إلى تقليص نفوذ بريغوجين».
وضع الانتظار والترقب
وقالت المحللة تاتيانا ستانوفايا، من مركز كارنيغي روسيا أوراسيا، إن بوتين اتخذ موقفًا واضحًا لسحق التمرد، مشيرة إلى أنه من الصعب قياس الولاءات في الوقت الحالي.
وأضافت: "أثق بأن الهرم العسكري يقف إلى جانب الحكومة، ولن يكون هناك أي تبديل في الولاءات، مع ذلك، فإن السر يكمن في الرتب الدنيا».