كيف أصبح 'واتس آب' العمود الفقري لحركة طالبان؟
خلال العامين الماضيين، أصبح اعتماد طالبان على واتس آب بعيد المدى، حيث انتشر استخدام الهواتف الذكية وتحسنت شبكات الجيل الرابع في أفغانستان، مع نهاية الحرب التي قادتها الولايات المتحدة.

ترجمات -السياق
عزلة دولية متزايدة، اتكأت حركة طالبان على عامل الوقت للخروج منها، إلا أن شروطًا وُضعت لذلك، لم تنفذها الحركة، بل وأمعنت في تحديها.
تلك العزلة ولدت عقوبات أمريكية، شملت حتى تطبيق واتس آب للتراسل الفوري، ما جعل حكومة طالبان الناشئة عالقة في لعبة القط والفأر.
فكيف ذلك؟
قبل شهرين، تجمع فريق من ضباط الأمن التابعين لطالبان في ضواحي العاصمة الأفغانية، للتحضير لشن غارة على مخبأ لتنظيم داعش، إلا أنه مع اقتراب ساعة الصفر، عبث الرجال ببنادقهم الآلية بينما سارع قائدهم، حبيب الرحمن إنقايد، للحصول على الموقع الدقيق لهدفهم.
أمسك حبيب الرحمن بهواتف قواته واتصل برؤسائه، الذين أصروا على أنهم أرسلوا إليه الموقع الخاص بالهدف عبر «واتس آب»، إلا أنه كانت هناك مشكلة واحدة فقط: لقد تم حظر «واتس آب» حسابه للامتثال للعقوبات الأمريكية.
وقال إنقياد، 25 عامًا، في تصريحات لصحيفة نيويورك تايمز، إنه منذ استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس 2021، كانت الطريقة الوحيدة التي نتواصل بها هي «واتس آب».
العمود الفقري
لم يكن هذا الحادث الوحيد من نوعه، بل إنه في الأشهر الأخيرة، انتشرت على نطاق واسع الشكاوى من مسؤولي طالبان والشرطة والجنود من حساباتهم على «واتس آب» التي تم حظرها أو تعطيلها مؤقتًا، وأظهرت الشكاوى كيف أصبحت منصة الرسائل العمود الفقري لحكومة طالبان الوليدة.
وتؤكد هذه التطورات أيضًا العواقب بعيدة المدى للعقوبات الدولية على حكومة أصبحت بين أكثر الحكومات عزلة في العالم، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وتجرم الولايات المتحدة -منذ فترة طويلة- أي شكل من أشكال الدعم لطالبان، ونتيجة لذلك، يمسح «واتس آب»، المملوك لشركة ميتا، أسماء المجموعات وأوصافها وصور الملفات الشخصية للمجموعة على تطبيق المراسلة لتحديد المستخدمين من بين طالبان وحظر حساباتهم، وفقًا لمتحدث باسم الشركة.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن هذه السياسة مطبقة منذ فرض العقوبات الأمريكية قبل أكثر من عقدين، مشيرة إلى أنه عندما كانت طالبان حركة متمردة، أدى الحظر إلى إعاقة بعض المقاتلين الذين اعتمدوا على التطبيق، لأنه كان يخدم الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ولا المهارات التكنولوجية، باستخدام الرسائل الصوتية في «واتس آب»، ويمكنهم إرسال رسائل والاستماع إلى التعليمات الشفهية من قادتهم بضغطة زر.
لكن خلال العامين الماضيين، أصبح اعتماد طالبان على «واتس آب» بعيد المدى، حيث انتشر استخدام الهواتف الذكية وتحسنت شبكات الجيل الرابع في أفغانستان، مع نهاية الحرب التي قادتها الولايات المتحدة.
ومع تعزيز حركة طالبان سيطرتها واستقرارها في الحكم، أصبحت الأعمال الداخلية لإدارتها أيضًا أكثر تنظيمًا، حيث أصبح «واتس آب» مركزيًا لاتصالاتهم الرسمية.
وتستخدم الإدارات الحكومية مجموعات «واتس آب» لنشر المعلومات بين الموظفين، بينما يعتمد المسؤولون على مجموعات أخرى لتوزيع البيانات على الصحفيين ونقل البيانات الرسمية بين الوزارات.
وتخطط قوات الأمن وتنسق مداهمات على خلايا «داعش» والشبكات الإجرامية ومقاتلي المقاومة من هواتفهم على التطبيق، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ونقلت «نيويورك تايمز» عن شير أحمد برهاني، المتحدث باسم الشرطة في إدارة طالبان بمقاطعة بغلان شمالي أفغانستان، قوله إن: «واتس آب» مهم جدًا بالنسبة لنا "كل عملي يعتمد عليه. لو لم يكن هناك تطبيق واتس آب، لشُلت أعمالنا الإدارية وغير الإدارية".
وبدأ استخدام «واتس آب» بين صفوف طالبان خلال الحرب، حيث اكتسب التطبيق شعبية في العالم، وبدأت أبراج الهواتف المحمولة الظهور في أفغانستان.
ويقدر الخبراء أن نحو 70% من سكان أفغانستان لديهم هاتف محمول، بينما يعتمد الأفغان، مثل الملايين بالعالم، على سرعة «واتس آب» ومرونته في التواصل مع بعضهم ومع العالم الخارجي، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقال قندوزي، القائد في الفوج الثاني بجيش طالبان، الذي فضل عدم ذكر اسمه لأنه غير مصرح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام: «كان تطبيق واتس آب أداة بسيطة، وكان إرسال مقاطع الفيديو والصور عبر البريد الإلكتروني يستغرق كثيرًا من العمل والوقت».
شعبية جارفة
منذ استيلاء طالبان على السلطة، نمت شعبية وإمكانية الوصول إلى «واتس آب» بين صفوف الجماعة بسرعة، فبدأ مقاتلو الحركة السابقون استخدام هواتفهم الذكية على مدار الساعة، ولم يعودوا يخشون أن تستخدم القوات الغربية الإشارة لتعقبهم أو استهدافهم في ضربات الطائرات من دون طيار، على حد قولهم.
ومع تولي آلاف المقاتلين السابقين مناصب جديدة، كرجال شرطة وجنود في المدن الكبرى، التي كانت تحت سيطرة طالبان، تمكنوا أيضًا من الوصول إلى متاجر الهواتف المحمولة المناسبة.
وبأحد الأيام في متجر للهواتف المحمولة وسط العاصمة كابل، احتشد عشرات من حركة طالبان على مقاعد خشبية، في انتظار استدعاء تذاكر خدمتهم.
ومنذ أن بدأت الحكومة الجديدة صرف رواتب مقاتلي طالبان، الذين تحولوا إلى موظفين حكوميين، تم تجاوز مزودي الهواتف المحمولة بعملاء جدد، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه لم يعد بإمكان عديد البائعين مواكبة الطلب.
وفي أفغانستان، أبلغت المتاجر بنقص بطاقات الهواتف المحمولة، واضطرت إلى إبعاد العملاء.
جالسًا في غرفة الانتظار، محمد عارف أوميد، 21 عامًا، عبث بتذكرة ورقية في يده وهاتفه الذكي من سامسونج في اليد الأخرى. اشترى أوميد هاتفه المحمول الأول وبطاقة الخط الخلوي، منذ نحو أربع سنوات، عندما كان ذلك يستغرق أيامًا أو أسابيع.
وقال أوميد: «كنا نعيش في الجبال، لم نتمكن من الذهاب إلى المتاجر في المدن للحصول على هاتف أو بطاقة SIM، وبدلاً من ذلك، اضطر مقاتلو طالبان إلى تعقب تجار السلع المستعملة في المحافظات الريفية الخاضعة لسيطرة الحركة، أو إعطاء المال لأحد أقاربهم للتسوق من أجلهم، إلا أنه في الوقت الحاضر، أصبح الحصول على هاتف ذكي رائع وخطة بيانات أسهل من أي وقت مضى».
لعبة القط والفأر
لكن لعبة القط والفأر لإغلاق الحسابات أصبحت مصدر إزعاج للمسؤولين في إدارة طالبان، وهو تذكير شبه يومي بأن الحكومة التي يقودونها أصبحت منبوذة على الساحة العالمية.
ولم تعترف أي حكومة أجنبية رسميًا بإدارة طالبان في أفغانستان، بينما أدى تجميد الحكومة الأمريكية لأصول بمليارات الدولارات مملوكة للبنك المركزي الأفغاني إلى إعاقة الاقتصاد.
وأدى حظر السفر إلى منع قادة طالبان من مقابلة بعض الشخصيات المرموقة في الخارج، وفسرت بعض منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«يوتيوب» العقوبات بشكل فضفاض، وسمحت لأعضاء طالبان باستخدام منصاتهم، لكن تطبيق المراسلة الأكثر شعبية في البلاد محظور من الناحية الفنية.
وقال عبدالمبين صافي، المتحدث باسم الشرطة في ولاية تخار شمالي أفغانستان، في إشارة إلى إدارة طالبان: «لدينا مجموعة من 50 شخصًا ينتمون إلى الإمارة الإسلامية، وتم حظر 40 إلى 45 رقمًا على «واتس آب»، في إشارة إلى إدارة طالبان.
وكان صافي بين الممنوعين، وهي الخطوة التي تسببت في فقدان نحو 10 غيغابايت من البيانات، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو القديمة من الحرب، وعديد من زملائه، قائلًا: «كأنني فقدت نصف ذاكرتي. لقد واجهت كثيرًا من المشكلات».
وبعد نحو شهر من عدم تمكن ضابط الأمن إنقياد من الوصول إلى قادته خلال العملية الليلية، اشترى بطاقة SIM جديدة على مضض، وفتح حساب «واتس آب» جديدًا وبدأ استعادة أرقام الهواتف المفقودة والعودة إلى مجموعات «واتس آب».
وجلس إنقياد في مخفر الشرطة "حاوية شحن مجددة مزودة بجهاز راديو محمول باليد"، وسحب هاتفه وبدأ التمرير عبر حسابه الجديد. وأشار إلى كل المجموعات التي ينتمي إليها: واحدة لكل أفراد الشرطة في منطقته، وأخرى للمقاتلين السابقين الموالين لقائد واحد، وثالثة يستخدمها للتواصل مع رؤسائه في المقر. في المجمل، كما يقول، هو جزء من نحو 80 مجموعة «واتس آب»، أكثر من اثنتي عشرة منها تستخدم لأغراض حكومية رسمية.