مرضى السرطان شمالي سوريا... بين مطرقة الحرب وسندان نقص العلاج

يوجد ما لا يقل عن 4300 مريض سرطان، في مناطق شمالي غرب سوريا، وسط عوائق كبيرة أمام علاجهم.

مرضى السرطان شمالي سوريا... بين مطرقة الحرب وسندان نقص العلاج

ترجمات – السياق

كوليرا وسرطان وأوبئة، تحاصر أهالي شمالي سوريا، زاد انتشارها بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في فبراير الماضي، فهل من أمل يلوح في الأفق لانتشالهم من هذا الوضع الكارثي؟

الزلزال حال بينهم وبين الحصول على العلاج في المستشفيات التركية، بينما عاد معظم المرضى الذين كانوا يخضعون للعلاج في تركيا إلى الداخل السوري، ما زاد العبء على المستشفيات التي تفتقد أبسط المعدات الطبية.

ورغم أن صحيفة الغارديان البريطانية، كشفت أن منطقة شمالي غرب سوريا بدأت تستعيد القدرة على الوصول إلى العلاج الإشعاعي في تركيا لأول مرة منذ الزلزال الذي دمر المنطقة، فإن منظمات طبية حذرت من أن التراكم يعني أن كثيرين لا يزالون طي النسيان، ما يعرضهم لخطر الموت في أي لحظة.

ومنذ الزلزال المدمر، في السادس من فبراير، أغلقت تركيا معبر باب الهوى، أمام مئات المرضى الذين اعتادوا أن يتلقوا علاجاتهم مجانًا في مستشفياتها، بعيدًا عن منطقتهم الغارقة في مآسي الحرب السورية، التي تفتقد مرافق طبية مجهزة.

 

عوائق كبيرة

وذكرت "الغارديان" أن هناك ما لا يقل عن 4300 مريض سرطان، في مناطق شمالي غرب سوريا، وسط عوائق كبيرة أمام علاجهم.

ونقلت عن رئيسة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في تركيا سانغانا كوازي، قولها: إن الإحالات الموثقة -حتى الآن- جديدة وقديمة، لافتة إلى أن الإحالات عبر الحدود إلى المستشفيات التركية، استؤنفت رسميًا هذا الأسبوع.

وأشارت إلى توثيق الأمم المتحدة، دخول 80 مريض سرطان من شمالي غرب سوريا إلى المستشفيات التركية، لتلقي العلاج، بعد السماح مجددًا بدخولهم من معبر باب الهوى الحدودي، من الاثنين الماضي، عقب توقف لأشهر بسبب الزلزال.

وأضافت: "نحن ممتنون بشدة للحكومة التركية، ونشجع بشدة استئناف الإحالات عبر الحدود، لأن ذلك سيؤدي -بلا شك- إلى إنقاذ عشرات الأرواح".

يذكر أن معبر باب الهوى يُستخدم لإدخال مساعدات عبر الحدود ترسلها الأمم المتحدة إلى إدلب، كما تمر عبره البضائع والسوريون القاطنون في تركيا، ويرغبون بزيارة عائلاتهم في إدلب.

وحسب الصحيفة، يُعتقد أن ما لا يقل عن 4300 مريض بالسرطان في شمالي غرب سوريا ، وهي منطقة خارج سيطرة الحكومة السورية ولا توجد بها خدمات حكومية، ما ضاعف مأساة المرضى.

كانت رعاية مرضى السرطان قد تآكلت بالفعل قبل زلزال فبراير، وفقًا لمنظمة الإغاثة الدولية (آر آي) والجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز)، اللتين تعملان في المنطقة.

بينما سلط تقرير مشترك لمنظمات الإغاثة -نُشر في مايو الماضي- الضوء على محنة المرضى في المنطقة، حيث تشخيص ما يصل إلى 3000 حالة جديدة من السرطان سنويًا، مع ثلاثة فقط من أطباء الأورام يتابعون نحو 4.1 مليون نسمة.

وفي إدلب، يوجد مركز واحد لعلاج الأورام، تدعمه الجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز)، لكنه غير قادر على استيعاب المرضى الذين بدأوا التوافد إليه منذ إغلاق المعبر.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن الطبيب أحمد حجو، الذي يعمل بمنظمة الإغاثة الدولية في مستشفى بنش بريف إدلب، قوله: "بعض العمليات الجراحية متوافرة من خلال المنظمات غير الحكومية، لكن ليس العلاج بالأشعة".

وأضاف: "يعيش الناس في فقر مدقع، والأولوية لمعظمهم البقاء على قيد الحياة، إلى جانب نظام الرعاية الصحية المعطل في سوريا، إذ إن تأخر وصول المرضى لمتابعة الفحص الطبي يعني تفاقم حالتهم واحتياجهم لعلاج متقدم، يصعب الحصول عليه في الوقت الراهن".

وأوضح حجو، أنه "قد يكون من الصعب للغاية التعامل مع تشخيص السرطان، بخلاف أن المرضى يواجهون عوائق كبيرة أمام تلقي العلاج تزيد فجاعة الكارثة".

وأشار إلى أن تكلفة السفر حالت دون عودة عديد من المرضى إلى تركيا لإجراء تقييمات المتابعة، مشددًا على ضرورة أن "يكونوا قادرين على الوصول إلى الرعاية الصحية وعلاج السرطان الذي يحتاجون إليه مجانًا، شمالي غرب سوريا، لعدم قدرتهم على دفع تكاليف السفر أو العلاج".

 

عملية احتيال

من جانبه، أكد جميل الدبل، اختصاصي الأورام في مركز سامز إدلب، أن نقص الأدوية أدى إلى عمليات احتيال حيث تباع الأدوية المزيفة من المجرمين.

وقال لـ "الغارديان": "للأسف، هذه الأدوية غير متوافرة في مراكزنا، ومعظم المرضى لا يستطيعون شراءها".

وأضاف جميل: "ما زاد الطين بلة أن الوجود في منطقة نزاع يعني عدم توافر رقابة فعالة على الأدوية المستوردة، وقد أدى ذلك إلى انتشار أدوية الأورام المزيفة في السوق السوداء، واستغلال يأس المرضى الذين هم في حاجة ماسة إلى العلاج".

وحسب الصحيفة البريطانية، فقد تعرض نصف المرافق الصحية في سوريا للدمار أو الضرر منذ بدء الحرب، وغادر عديد من العاملين الطبيين المتخصصين، حيث بقي 35 فقط من أطباء الأورام في البلاد.

ونوهت إلى أن عديد السوريين اعتمدوا "آليات التكيف السلبية" مثل التدخين وتعاطي المخدرات، ما يزيد مخاطر الإصابة بالسرطان.

وروت الصحيفة قصة سيدة تدعى عليفة عارف شعر، وهي أم لأربعة أطفال من إدلب، وتبلغ من العمر 36 عامًا، أصيبت بسرطان الثدي أثناء حملها.

وأشارت إلى أن الأطباء في مركز سامز بدأوا علاجها الكيميائي، الذي من المفترض أن تتبعه جراحة، لكنها حُولت إلى تركيا للعلاج الإشعاعي.

ولفتت إلى أن الأمر استغرق نحو سبعة أشهر قبل أن تتمكن من الوصول، ورغم ذلك "عُلق علاجها بسبب الزلزال".

وتعليقًا على ذلك، قالت عليفة: "لسوء الحظ، خلال ذلك الوقت، ظهرت كتلة سرطانية أخرى وشعرت بالذهول عندما علمت أن السرطان انتشر في عظامي".

وأضافت: "كل مرة أضطر إلى السفر للعلاج، أترك أطفالي يبكون حتى أعود، لذلك فإن العبء العاطفي والنفسي الذي أصابني صعب للغاية".

وتابعت: "نحن مثقلون بأكثر من 10 آلاف دولار من الديون بسبب تكاليف العلاج، وأنا مطالبة بدفع 400 دولار كل 21 يومًا لثلاثة أدوية مناعية، أتمنى أن نتمكن من الوصول إلى هذا العلاج في سوريا، وأن أكون قريبة من عائلتي وأولادي".

وشددت على أن "التكلفة تفوق بكثير قدرتها على تحملها".

وحسب رئيسة وكالة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوشا) في تركيا، فإن 90 بالمئة من سكان شمالي غرب سوريا يعتمدون على المساعدات، لكن خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية، لعام 2023، التي طلبت 5.4 مليار دولار، مُولت بنسبة 11 بالمئة فقط.

وأضافت كوازي: "لقد تضرر الجميع من الزلازل بطريقة ما... ما يقرب من ثلث المرافق الصحية شمالي غرب سوريا لا يعمل حتى الآن".

كان معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، أعلن استئناف عبور مرضى السرطان من سوريا إلى تركيا لتلقي العلاج، من 5 يونيو 2023، واستئناف دخول "الحالات الباردة" بعد عيد الأضحى المقبل.

وقالت إدارة المعبر، إن على المريض حجز موعد في إحدى العيادات المعتمدة لتحويل مرضى السرطان بحسب النظام المعمول به في كل مستشفى، ثم الذهاب في الموعد المخصص له للحصول على إحالة طبية.

وسبق أن أطلق عاملون في المؤسسات الطبية والإعلامية في الشمال السوري حملة بعنوان "أنقذوهم" لإنقاذ مرضى السرطان المحاصرون محليًا ودوليًا، داخل جغرافيا الشمال السوري المنسية أمميًا وإنسانيًا، داعين إلى تحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية وتزويدهم بالمعدات الطبية والأدوية الكفيلة بإنقاذ المصابين بهذا المرض.

وحسب هذه المؤسسات، يبلغ عدد متضرري السرطانات، الذين توقف علاجهم بسبب الزلزال، نحو 1785 حالة، بينما بلغ عدد من عادوا من تركيا بسبب توقف العلاج، وباتوا من دون أية فرصة علاجية 450، في حين يبلغ متوسط الحالات السرطانية المسجّلة جديدًا شمالي غرب سوريا 1100 حالة سنويًا، بمعدل 3 حالات تكتشف يوميًا.