لماذا يرفض معظم السياسيين في الهند الزواج؟
يرفض عديد من الساسة في الهند الزواج، بهدف تكريس أوقاتهم لخدمة شعب يبلغ تعداده نحو 1.4 مليار نسمة، إذ يعدون الشعب الأهم في أجندة يومياتهم.

ترجمات – السياق
رغم أن الهنود يقدسون الأسرة والحياة العائلية، فإن معظم رجال السياسة يفضلون العيش بلا زواج، في محاولة لإيصال رسالة مفادها أنه لا يمكن أن يكون هناك أي التزام يحول بينهم وبين الأمة.
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تساءلت عن سبب رفض معظم السياسيين في الهند الزواج، مشيرة إلى أنه في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 1.4 مليار نسمة، وفي ظل انتشار لاتهامات الفساد في الحقل السياسي، الذي يمكن أن يشمل أسرًا كاملة، بات ما يمكن وصفه بالسياسي الأعزب، الحل الأفضل للناخب الهندي.
وأشارت، على هامش زيارة رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي إلى الولايات المتحدة، إلى أن صورة السياسي وسط أسرته تنتشر بشدة في الولايات المتحدة ولها معجبون، إلا أن الأمر قد يكون مختلفًا في الهند.
ففي الوقت الذي يظهر الرئيس الأمريكي جو بايدن وزوجته جيل، في استقبال الزعماء والقادة الذين يزورون البلاد بصحبة زوجاتهم، وصل مودي إلى واشنطن وحيدًا، لتخرج الصورة المعتادة للرؤساء بين زوجاتهم على غير المألوف.
الزواج بالأمة
وأرجعت "نيويورك تايمز" رفض عديد من الساسة في الهند الزواج، إلى تكريس أوقاتهم لخدمة شعب يبلغ قوامه نحو 1.4 مليار نسمة، إذ يعدون الأمة الأهم في أجندة يومياتهم، مشيرة إلى أن مودي لا ينام سوى أربع ساعات في اليوم فقط.
ولتأكيد دور العزوبية في حياة السياسيين بالهند، استشهدت الصحيفة بتصريح لرئيس الوزراء عام 2019 بعد فوزه في إعادة انتخابه، جاء فيه: "كل لحظة في وقتي، وكل مسام في جسدي، لأبناء وطني فقط".
ورغم انتشار فكرة السياسي الأعزب في الهند، فإن هذا المنطق لا يتماشى مع العادات في الهند التي تقدس الأسرة والزواج، الذي يكون -في كثير من الأحيان- بشكل منسق بين العائلات السياسية، لزيادة النفوذ.
فقد كشفت دراسة في هذا الشأن، أن نحو ثلث أعضاء البرلمان بينهم علاقة صهر أو قرابة، إذ تلعب العائلات دورًا كبيرًا أثناء الانتخابات، واختيار المرشحين.
لكن مع انتشار ما وصفته الصحيفة بـ "الفساد الرسمي"، حيث يعمل المشرعون على إثراء أنفسهم وعائلاتهم وضمان مستقبل سياسي لأطفالهم، بات عدد كبير من المصوتين يعتقدون أن احتمالات الفساد أو السرقة، تقل عند السياسي الأعزب.
ونقلت عن أغوي بوس -صحفي ومؤلف- قوله: "هناك تصور بأن السياسي الأعزب لا يبحث عن مصلحة شخصية، ولا ينتمي إلا للشعب".
وأضاف: "يتعرض عديد من الشباب الهنود لضغوط شديدة للزواج وتأسيس أسرة، لكن في المجالين السياسي والروحي، لا يُعد الأعزب أنانيًا، بل ينظر إليه على أنه يقدم تضحيات مثالية".
سياسيون عزاب
ونوهت "نيويورك تايمز" إلى أن من أبرز السياسيين العازبين في الهند، زعيم المعارضة، رئيس حزب المؤتمر راهول غاندي، والسياسية البارزة والمعارضة القوية لمودي، ماماتا بانيرغي، التي يتردد أنها تنام أقل من ثلاث ساعات فقط في الليلة.
تتضمن سلسلة العزاب السياسيين في الهند أيضًا، نافين باتنايك، رئيس الوزراء القوي في ولاية أوديشا، ويوغي أديتياناث، الراهب الهندوسي الذي يدير الولاية الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الهند، أوتار براديش، الذي يُنظر إليه على أنه خليفة محتمل لمودي، وكوماري ماياواتي، زعيمة إحدى أكبر المنظمات السياسية للهنود من الطبقة الدنيا.
ويذكر أغوي بوس -الذي كتب السيرة الذاتية لماياواتي- أنها أحيانًا ما تعقد اجتماعات مهمة في غرفة نومها، بل وأحيانًا تستقبل السياسيين وهي بثوب النوم.
وقبلهم بالتأكيد -حسب الصحيفة الأمريكية- الزعيم الهندي المهاتما غاندي، الذي تزوج في الثالثة عشرة وأنجب 4 أطفال، قبل أن يتعهد بعدم ممارسة الجنس بعد ذلك، وكرس حياته لمقاومة الاستعمار البريطاني والسعي إلى استقلال بلاده.
ونقلت الصحيفة عن المحللة نيغرا تشاودري، قولها: إن مودي (72 عامًا)، يعد أكثر سياسي استفاد من الترويج لنفسه كسياسي أعزب يكرس حياته لخدمة المواطنين، مشيرة إلى أن الفريق السياسي لمودي رسم هذه الصورة له بشكل محكم، سواء بالتقاط صور له وحيدًا عند مغادرته الطائرات أو الجلوس وحيدًا في القطارات.
وأضافت: "ستجد دائمًا مودي وحيدًا في إطار الصورة، والهدف إيصال رسالة مفادها أنه كرس حياته لخدمة شعبه".
وحسب الصحيفة، يعيش مودي بمفرده في منزل مترامي الأطراف بعيدًا عن العاصمة، وتظهر التقارير الإعلامية أن عمله "محور حياته واهتماماته".
وأشارت إلى أنه عندما كان مراهقًا، رفض الزواج، واختار التجول في جبال الهيمالايا بحثًا عن المعنى الروحي، قبل أن يرتقى في صفوف منظمة هندوسية يمينية ويصبح واعظًا.
أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما ترشح لمنصب حكومي، ترك مساحة فارغة في استبيان انتخابي يسأل عن حالته الاجتماعية، إلا أنه مع ترشحه لرئاسة الوزراء عام 2014، كشف أنه كان متزوجًا لكنه لم يعد التجربة.
ويُعتقد أنه لم يعش مع زوجته، وقال في مقابلة مع أحد ممثلي بوليوود عام 2019 إنه "فصل نفسه عن عائلته في سن مبكرة وتعلم ترك كل ملذات الحياة".
وبالفعل تأثر عديد من الناخبين بصورة مودي -المصممة بعناية- كقائد أعزب نظيف اليد، فضلًا عن كونه "معلمًا روحيًا".
وهو ما أكده بارنيت غومان -صاحب أسطول من سيارات الأجرة في نيودلهي- بتصريح للصحيفة الأمريكية، قائلًا: "بالنسبة لمودي فإن الأمة عائلته".
وبينت "نيويورك تايمز" أن مودي ساند تقديم هذه الفكرة للناخبين الهنود، إذ قال في تجمع انتخابي عام 2014: "ليس لديّ روابط عائلية، فمن الذي سأحاول أن أستفيد منه عبر الفساد؟".
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن حياة مودي من دون زواج، ألهمت بعض الهنود، ومن هؤلاء ساندهيا ليما، التي تعمل مع منظمة شمالي شرق الهند، للترويج لبرامج حكومة رئيس الوزراء، التي قالت: "اقترب من سن الأربعين بلا زواج.. ومثل مودي، أريد أن أكرس حياتي من أجل البلد".