أهداف زيارة بلينكن الثلاثة... هل تنزع فتيل العداء بين أمريكا والصين؟

لا يزال مضيق تايوان، النقطة الشائكة في علاقات الولايات المتحدة والصين، فبكين أكدت أن تايوان -جوهر المصالح الصينية، التي ليس لديها مجال للتسوية أو التنازل-.

أهداف زيارة بلينكن الثلاثة... هل تنزع فتيل العداء بين أمريكا والصين؟

ترجمات – السياق

اتهامات متبادلة وتصعيد كاد أن يصل إلى الحد العسكري في بعض الحالات، ملامح العلاقات الأمريكية الصينية، التي تراجعت بشكل حاد في الأشهر الأخيرة، خاصة عقب إسقاط واشنطن ما قيل إنه بالون تجسسن تابع لبكين، دخل مجالها الجوي.

في أعقاب ذلك الحادث، تعثرت الاتصالات العسكرية بين واشنطن وبكين، ولم تتوقف المواجهات الخطيرة بين الجيشين عن طريق الجو والبحر، كما يتضح من الاصطدامات القريبة الأخيرة في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان.

في غضون ذلك، كثفت الولايات المتحدة دعمها لتايوان، بينما اتهمت بكين بالنظر في تقديم دعم مميت لروسيا في «اعتداءات» بوتين على أوكرانيا، وتعزيز قاعدة التجسس الصينية في كوبا لاعتراض الإشارات ورسائل الاتصال الحاسمة للأمن القومي الأمريكي والتنصت عليها.

وضع وجد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نفسه فيه، بزيارته التي ختمها قبل أيام إلى الصين، ما دفع مضيفيه إلى وضع عبء إصلاح العلاقات الأمريكية الصينية على واشنطن.

وزعم وزير خارجية الصين تشين جانج أن «العلاقة بين الصين والولايات المتحدة في أدنى مستوى لها منذ عام 1979»، بينما عزا وانج يي، كبير مسؤولي الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني «السبب الجذري» للتدهور إلى «تصورات واشنطن الخاطئة تجاه الصين»، وطالب الولايات المتحدة بالتفكير في نفسها، والتوقف عن تضخيم التهديد الصيني.

يأتي ذلك، بينما افترض الرئيس شي أن المجتمع الدولي يتوقع أن تتعايش واشنطن وبكين بسلام، وأن تكون بينهما علاقات ودية وتعاونية، فطالب بلينكين بمزيد من الإسهامات الإيجابية، لتحقيق الاستقرار في العلاقات الصينية الأمريكية.

 

إذابة الجليد

إدراكًا للمخاطر المصاحبة لغياب الحوار، سعت إدارة بايدن إلى «إذابة الجليد» في العلاقات مع بكين. ومع ذلك، ردت بكين، متهمة واشنطن بتشجيع نهج مزدوج ذي شقين، السعي إلى الحوار لإقامة «حواجز حماية» مع الصين من ناحية، واحتواء المصالح الاستراتيجية والاقتصادية المشروعة للصين بالقوة من ناحية أخرى، مستدلة على ذلك بفرض الكونغرس قيودًا على تجارة أشباه الموصلات وتعبئة الحلفاء، عبر أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ضد جمهورية الصين الشعبية.

 

أهداف ونتائج بلينكن الثلاثة

تقول صحيفة ذا ناشيونال إنترست الأمريكية، إن الوزير بلينكن قال للمسؤولين الصينيين، إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تقدر العلاقة المسؤولة بين واشنطن وبكين، وحدد ثلاثة أهداف لهذه الرحلة، تستند إلى مبدأ شامل: «المنافسة الشديدة تتطلب دبلوماسية مستدامة لضمان ألا تنحرف المنافسة إلى المواجهة أو الصراع».

أول تلك الأهداف، أنه من الضروري إعادة فتح خطوط الاتصال حتى تتمكن السلطتان من إدارة علاقتهما بمسؤولية وتجنب سوء الفهم، بينما ثانيها يتمثل في تأكيد بلينكن أهمية تعزيز مصالح وقيم الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، بما في ذلك «التحدث بشكل مباشر وصريح» عن هذه المخاوف مع بكين.

أما ثالث تلك الأهداف، فيتمثل في تأكيد أنه يمكن للبلدين «استكشاف إمكانات التعاون بشأن التحديات العابرة للحدود» بشكل مشترك.

لكن ما الأهداف التي حققها بلينكن، في زيارته السريعة التي استمرت يومين إلى بكين؟

وفقًا للمؤتمر الصحفي للوزير، بعد اجتماعه مع الرئيس شي جين بينغ وقراءة وزارة الخارجية التي ختمت الزيارة، لم يكن هناك اختراق، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن هذه النتيجة كانت متوقعة.

ورغم ذلك، كانت هناك إشارات متفائلة بأن الاتصال عاد إلى مساره الصحيح، فالبلدان يدركان الحاجة الملحة لوقف تدهور العلاقات.

وبينما وصفت وزارة الخارجية الصينية الاجتماعات بأنها «صريحة وموضوعية وبناءة»، أعربت بكين -كذلك- عن الحاجة إلى «علاقة بناءة ومستقرة يمكن التنبؤ بها مع الولايات المتحدة».

أما عن التعاون المحتمل، فوعدت الولايات المتحدة والصين بتعزيز التبادلات «الشعبية» بين الطلاب والعلماء والشركات، إضافة إلى زيادة الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين.

كما حددا القضايا الوطنية مثل تغير المناخ، والبرنامج النووي لكوريا الشمالية، والاستقرار الاقتصادي العالمي، والأمن الغذائي، والصحة الدولية، وأزمة الفنتانيل كمجالات للنقاش والتعاون في المستقبل.

مع ذلك، فإنه بالنسبة لمجالات الخلاف، لا تزال هناك شروخ عميقة، تقول «ذا ناشيونال إنترست»، مشيرة إلى أنه رغم أن بكين طمأنت بلينكن بأنها «لم ولن تقدم مساعدة قاتلة لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا»، أكد بلينكين أنه لا دليل يتعارض مع ذلك، إلا أنه ما زالت هناك مخاوف من أن توفر الشركات الصينية التكنولوجيا لموسكو لتعزيز قدراتها العسكرية.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن التأثير الشامل للحزب الشيوعي الصيني، يجعل من الصعب التمييز بين المعاملات التي تجريها الشركات المملوكة للدولة عن المؤسسات الخاصة.

ومع تكثيف الولايات المتحدة وحلفائها جهودها، لمنع الصين من الوصول إلى التقنيات المتقدمة والحساسة الحاسمة للهيمنة العسكرية والاقتصادية، اتخذت بكين أيضًا إجراءات عقابية على الشركات الأمريكية والأجنبية العاملة محليًا.

وجهة النظر الصينية القائلة إن الولايات المتحدة تهدف إلى «الاحتواء الاقتصادي» أو «الانفصال» عن الصين، وضع سعى بلينكن إلى «نزع فتيله»، قائلًا إن الولايات المتحدة تتخلص فقط من المخاطر أو «الاستثمار في قدراتنا الخاصة وفي سلاسل التوريد الآمنة والمرنة، والضغط لتكافؤ الفرص لعمالنا وشركاتنا، والدفاع عن الممارسات التجارية الضارة، وحماية تقنياتنا الحيوية حتى لا تُستخدم ضدنا».

يتماشى ذلك مع «ساحة صغيرة وسياج عالٍ» صاغها جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن، في إشارة إلى «تنفيذ قيود مصممة بعناية على صادرات تكنولوجيا أشباه الموصلات الأكثر تقدمًا إلى الصين، على أساس مخاوف الأمن القومي المباشرة».

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن بلينكن فشل في إقناع الصين، فالرئيس الصيني طلب منه رفع العقوبات الأحادية غير القانونية عن بلاده، والتوقف عن قمع التقدم العلمي والتكنولوجي لبكين.

وقال شي لـ«بلينكن»: «ينبغي لأي من الجانبين ألا يحاول تشكيل الجانب الآخر بإرادته، ناهيك عن حرمان الجانب الآخر من حقه المشروع في التنمية».

 

خلافات بشأن تايوان

ولا يزال مضيق تايوان، النقطة الشائكة في علاقات الولايات المتحدة والصين، فبكين أكدت أن تايوان «جوهر المصالح الصينية، التي ليس لديها مجال للتسوية أو التنازل».

مع ذلك، كرر بلينكن شعار سياسة صين واحدة، المستمدة من قانون العلاقات مع تايوان، والبيانات المشتركة الثلاثة، والتأكيدات الستة.

وذكّر بكين بـ«أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان»، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة «لا تدعم استقلال تايوان وتعارض أي تغييرات أحادية الجانب للوضع الراهن من أحد الجانبين».

وتصر واشنطن على الحل السلمي للخلافات عبر المضيق، والوفاء بمسؤولياتها بموجب قانون العلاقات مع تايوان، بما في ذلك ضمان قدرة ديمقراطية الجزيرة على الدفاع عن نفسها من الغزو.

وفي ما يتعلق بإدارة الأزمات، رفضت حكومة شي طلبات بلينكن المستمرة لاستئناف الاشتباك العسكري، الذي عُلق منذ زيارة بيلوسي إلى تايوان العام الماضي. وجعلت أحداث المواجهة بين طائراتهما المقاتلة في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان استعادة هذه الروابط مهمة للغاية.

 

تفاؤل بايدن

من غير الواضح ما إذا كانت الدبلوماسية رفيعة المستوى، قادرة على تغيير مسار العلاقات الأمريكية الصينية بشكل مجدٍ، التي لا تزال تنحرف نحو عداء أكبر، تقول «ذا ناشيونال إنترست»، مشيرة إلى أن استئناف المحادثات والاتصالات سيسمح لكل جانب بالتعبير عن نيته بشكل أكثر وضوحًا.

ومن المرجح أن تمهد زيارة بلينكن الطريق لمزيد من الاجتماعات الرسمية رفيعة المستوى بين واشنطن وبكين، بما في ذلك الزيارات المحتملة لوزيرة الخزانة جانيت يلين، ووزيرة التجارة جينا ريموندو، ومبعوث المناخ جون كيري في الأشهر المقبلة.

وتهتم بكين -بشكل خاص- بالاجتماع بالمسؤولين الأمريكيين عن السياسة الاقتصادية، في ضوء التباطؤ الاقتصادي بالصين وقلقهم بشأن الحظر الذي تفرضه واشنطن على الاستثمار الأجنبي وتصدير التقنيات العالية إلى الصين.

وبحسب ما ورد يتطلع شي إلى زيارته الأولى للولايات المتحدة منذ عام 2017 لحضور اجتماع أبيك في سان فرانسيسكو، حيث من المتوقع أن يلتقي بايدن.

إلا أنه مع ذلك، تلعب السياسة الداخلية دورًا، فإدارة بايدن تلقت انتقادات متزايدة من الجمهوريين في الكونغرس، بسبب إجراءاتها البطيئة في تسليم الأسلحة إلى تايوان والتحقيقات بحادثة منطاد التجسس في فبراير الماضي، إضافة إلى أصول «كورونا».

ويخطط الرئيس الأمريكي للقاء نظيره الصيني مرة أخرى، للحديث عن «خلافاتهما المشروعة» والمجالات التي يمكن أن يلتقيا فيها.

وبصرف النظر عن تفاؤل الرئيس، تظل حقيقة موضوعية مفادها أن العلاقات بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين هشة للغاية، ومستوى الثقة المتبادلة بينهما منخفض جدًا، لدرجة أن أي صراع جديد يمكن أن يغرق انفراجهما الهش، حال عدم التوازن.

ولا يمكن للقوة والطموحات المتزايدة لجمهورية الصين، إلا أن تؤدي إلى زيادة القلق والاستجابات اليقظة من واشنطن، فالانتخابات الرئاسية في يناير المقبل، ونوفمبر 2024 في تايوان والولايات المتحدة، على التوالي ستؤدي إلى شكوك جديدة.

وأظهرت ردود فعل بكين على رحلة بيلوسي إلى تايوان في أغسطس الماضي، وزيارة الرئيسة التايوانية تساي إنغ وين إلى أمريكا في أبريل الماضي، كيف أن الانتقال السياسي القادم للجزيرة -بافتراض انتخاب مرشح قومي آخر- قد يزيد حدة قناعة شي بأن الوضع يتطلب مزيدًا من التصعيد أو حتى الغزو.

وبحلول نوفمبر 2024، قد لا تكون منافسة بايدن الشديدة مع جمهورية الصين كافية، لإرضاء المشاعر المحلية والحزبية المتزايدة المعادية للصين وضمان إعادة انتخابه، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن البيت الأبيض الأكثر تشددًا، سيعرقل الطريقة المؤقتة التي عمل بلينكن بجد لإعادة بنائها.

وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن إدارة بايدن تحتاج إلى أن تكون أكثر وضوحًا بشأن مدى وعمليّة استقرار العلاقات مع الصين، بعد سنوات من المواقف العدائية من الجانبين.

وأشارت إلى أن عليها معرفة ما إذا كان الرأي العام الأمريكي على استعداد لقبول نهج الرئيس، وما إذا كانت بكين مستعدة للرد بالمثل على مبادرات واشنطن.