دول داخل الدولة... الميليشيات العراقية تستنسخ الحرس الثوري الإيراني
بعد هزيمة تنظيم داعش، عاد هدوء حذر للبلاد، ووجد الحشد دورًا جديدًا، فمع أن التحالف الذي دعمه جاء بالمرتبة السادسة في انتخابات العام الماضي العامة، استطاع استعادة الحكومة والسيطرة على البرلمان والمال.

ترجمات – السياق
نحو عشرين عامًا، عاشتها العراق كمرحلة انتقالية، بعد عقود من حكم الرئيس الراحل صدام حسين، ثم الوجود الأمريكي بالبلاد، إلا أنه مع بدء تنفسها الصعداء وبعضًا من نسيم الحرية، كانت الميليشيات لها بالمرصاد.
فتحت تهديد البندقية، يعمل قادة الميليشيات العراقية الجدد، على استنساخ تجربة أبناء عمومتهم في إيران (الحرس الثوري)، من نهب مداخيل البلاد وإعاقة التنمية، إلى تقويض الديمقراطية، وفق وصف صحيفة إيكونوميست البريطانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحياة في العراق، بعد 20 عامًا من التوقف بدأت تعود تدريجيًا (سياح يتشمسون أمام مقهى في بغداد، وفندق يعج برجال الأعمال الصينيين، وجماهير تحتشد أمام ملعب سباق خيل افتتح حديثًا).
وفي العاصمة ارتفعت الرافعات مرة أخرى، حيث تزداد حركة بناء مراكز التسوق والمجمعات الإسكانية، لتعود الحياة إلى طبيعتها شيئًا فشيئًا، أو على الأقل صورة منها.
لكن ما ليس طبيعيًا -وفق الصحيفة- هو أن كثيرًا من الجرافات والجرارات الزراعية تحمل علامة البندقية والرصاصة، شعار الحشد الشعبي، الجماعة المسلحة التي تمولها الحكومة وموالية لإيران.
فعام 2014، أطلقت الحكومة العراقية الحشد، أو قوة التعبئة الشعبية، لمواجهة تنظيم داعش، الذي احتل الموصل، شمالي العراق، وكان يتقدم بسرعة نحو العاصمة بغداد.
دور جديد
وأشارت "إيكونوميست" إلى أنه بعد هزيمة تنظيم داعش، عاد هدوء حذر للبلاد، ووجد الحشد دورًا جديدًا، فمع أن التحالف الذي دعمه جاء بالمرتبة السادسة في انتخابات العام الماضي العامة، استطاع استعادة الحكومة والسيطرة على البرلمان والمال.
وعلى غرار إيران يقود الحشد الشعبي عملية إعادة إعمار العراق، حتى الاسم مستنسخ "الحشد" أو "التعبئة" بالعربية، تعني "الباسيغ" باللغة الفارسية، الاسم الذي يحمله الجناح العسكري التابع للحرس الثوري.
ونقلت الصحيفة عن رجل أمن عراقي -يخشى ما سماه التأثير الإيراني- قوله: "نستنسخ الحرس الثوري ونقدم العراق إليه".
ونوهت إلى أن العراقيين يشعرون بالراحة من الاستقرار وانتصار طرف، ويبدو أن سُنة العراق تخلوا عن الحصول على دور كذلك الدور الذي كانوا يتمتعون به قبل غزو العراق عام 2003.
أما الأكراد فقد تراجعوا عن حلم المطالبة بالاستقلال، وجرى التخلص من مقتدى الصدر، رجل الدين الناري الذي كان يجتذب الفقراء.
ورغم فوز الصدر بالانتخابات الأخيرة، فإن حلفاء الحشد الشعبي في المحاكم أصدروا حكمًا يستوجب الحاجة إلى أغلبية الثلثين في البرلمان لتشكيل حكومة، وهو ما لم يستطع تحقيقه.
وفي لحظة غضب، سحب الصدر نوابه من البرلمان، تاركًا الساحة لسيطرة لحشد الشعبي ومرشح الحشد محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة.
أما القوى الدينية والشبابية، التي كانت تدعم الصدر فقد فاجأت الجميع وتخلت عنه، ربما بضغط من طهران.
وبينما تحولت زيادة عائدات العراق من ارتفاع أسعار النفط إلى عبء بزيادة التوظيف والإنفاق العام، اقترحت حكومة السوداني ميزانية غير مسبوقة بلغت نحو 152 مليار دولار، ما أدى إلى تسمين القطاع العام المتضخّم أصلاً.
وبينت الصحيفة البريطانية، أن الحشد الشعبي أحد المستفيدين الرئيسين من هذه الميزانية، إذ خصص له السوداني ميزانية سنوية بـ 2.7 مليار دولار وتعيين 116 ألف شخص إضافي إلى صفوفه، ليتخطّى بذلك عدده 230 ألفًا.
ووافق السوداني على إطلاق شركة مقاولات بإدارة الحشد الشعبي، باسم أبو مهدي المهندس، الذي قتله الأمريكيون في غارة مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني بمطار بغداد الدولي عام 2020.
وأشارت الصحيفة إلى أن قانون الشركة يتيح -بسهولة- الحصول على المناقصات الحكومية.
يذكر أنها منحت شركة المهندس أراضي واسعة تمتد من بغداد إلى الحدود العراقية، إضافة إلى قطع أراضٍ أخرى تبلغ نصف مساحة لبنان، وتمتد على طول الحدود مع الأردن والمملكة العربية السعودية.
وحسب معارضين فإن هذه المناطق قد تكون قواعد عسكرية، وتسهل تهريب المخدرات والأسلحة والمواد الممنوعة.
مؤسسات المزارات
وحسب "إيكونوميست"، فإن أحزاب الإطار التنسيقي تمتلك نفوذًا اقتصاديًا كبيرًا من خلال مؤسسات الأضرحة (المزارات) التي تشكل تكتلات مالية معفية من الضرائب، كمؤسسات دينية، إضافة إلى مزارع ومستشفيات وحتى مدارس وجامعات أهلية، حتى أصبحت هذه الأحزاب "دولًا داخل الدولة"، ووصلت أرباحهم إلى مليارات الدولارات.
ومن المستفيدين من حلفاء السوداني أيضًا (مؤسسات المزارات التي تحولت إلى مجمعات مالية وعززت توزيع الصدقات ودعم الوقف الشيعي)، إذ استفادت من الوضع الذي تمتع به وهو الإعفاء من الضريبة.
ففي مزار كربلاء مؤسسة يرأسها علي السيستاني، المرجعية الدينية العراقي، وتدير مزارع للدجاج والأسماك ومستشفيات، وأخرى لاستيراد الإلكترونيات من الصين.
ونقلت الصحيفة عن مصرفي عراقي قوله: إن الموارد من هذه المؤسسات تصل إلى مليارات الدولارات "كأنهم دول داخل الدولة".
ثم عمد السوداني إلى تطهير المخابرات من المؤيدين للولايات المتحدة، الذين كانوا حول رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
وفي البرلمان تلاعب نواب الحشد الشعبي بالقانون الانتخابي لمنع المستقلين، وجرى الحد من حرية التعبير عبر قانون يستهدف المؤثرين ويهددهم بالسجن بتهم تتعلق بانتهاك الأعراف.
وهو ما اضطر عددًا من الأكاديميين والصحفيين إلى مغادرة البلاد، بسبب التهديد الذي تلقوه من الجماعات الموالية لإيران.
مقابل ذلك، يأمل البعض أن يؤدي انغماس قادة الحشد الشعبي بالتجارة إلى تناسيهم حرب العصابات، كما يقول أحد مستشاري السوداني للصحيفة البريطانية.
ويُفرق المسؤولون بين وحدات الحشد الشعبي التي تريد فرصًا تجارية وتلك التي تعمل على ضرب معارضيها.
ورأت الصحيفة أن السوداني يرسل إشارات متضاربة لعلاقته بالحشد الشعبي، إذ يرى أن بقاءه في السلطة مرتبط بالرضوخ لهم، لذلك منحهم أكثر من 2.5 مليار دولار في الموازنة، لكن الحشد قد يصبح أيضًا حبل المشنقة الذي يدور حول رقبته، إذا لم يبدأ إصلاحات حقيقية وطموحة، ورسخ دور الدولة ومؤسساتها، وعمل على تهدئة الغضب الشعبي، بسبب اتساع الفقر والبطالة.
فقد أشار صندوق النقد الدولي لحاجة العراق إلى أن يبيع نفطه بـ 96 دولارًا للبرميل، أي بسعر يفوق السعر الحالي بكثير، إن كان يريد تحقيق عجز صفري.
ومن ثمّ قد يجد السوداني نفسه مضطرًا إلى إبلاغ العراقيين بضرورة شد الأحزمة والتقشف، رغم الواردات المالية الأضخم في تاريخ العراق.
لكن لو تراجعت مستويات الحياة، فربما يحتاج الحشد للبنادق من أجل النجاة.
وفي ذلك، يرى المحلل العراقي حيدر الخوئي أن "الحبل الذي أنقذ العراق" أي الحشد قد يكون "المشنقة حول عنقه".