قائد فاغنر يتمرد ضد روسيا.. فماذا نعرف عن 'صانع النقانق' الذي شغل العالم؟

وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين –السبت- تمرد مجموعة فاغنر بأنه طعنة في الظهر.

قائد فاغنر يتمرد ضد روسيا.. فماذا نعرف عن 'صانع النقانق' الذي شغل العالم؟

السياق

اتهامات بتصفية مسلحي المجموعة التي يرأسها، وإعلان تمرد مسلح على القيادة العسكرية الروسية، وتعهد بتدمير كل ما يعترض طريقه... محاور كلمة قائد مجموعة فاغنر العسكرية يفغيني بريغوجين، التي أنهى فيها شهر العسل بينه وبين القيادة الروسية.

توتر سبقته اتهامات وجهها قائد فاغنر للقيادة العسكرية الروسية، ما دفع الأخيرة إلى التحالف مع كتائب أحمد الشيشانية، بديلة لقوات فاغنر بأوكرانيا، في وضع يبدو أنه لم يرق ليفغيني بريغوجين، الذي شعر بالتهميش، فأطلق محاولته الأخيرة، للبقاء في المشهد.

فماذا فعل؟

بنبرة ملؤها الغضب، قال بريغوجين، في رسالة صوتية بثها مكتبه: «لقد شنّوا ضربات، ضربات صاروخيّة، على معسكراتنا الخلفيّة. قُتل عدد هائل من مقاتلينا»، متوعدًا بالرد على هذا القصف الذي أكّد أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو هو الذي أصدر الأمر بتنفيذه.

وأضاف: «هيئة قيادة مجموعة فاغنر قرّرت أنّه ينبغي إيقاف أولئك الذين يتحملون المسؤولية العسكرية في البلاد»، مؤكداً أن وزير الدفاع سيوقف.

في رسالته الصوتية، قال قائد قوات فاغنر: "نحن جميعًا على استعداد للموت، جميعنا الـ25 ألفًا... لأننا نموت من أجل الوطن، نموت من أجل الشعب الروسي، الذي يجب تحريره من أولئك الذين يقصفون المدنيّين"، متعهدًا "بالذهاب حتى النهاية، وتدمير كل ما يعترض طريقه»، بعد إعلانه أنّ قواته اجتازت حدود الدولة الروسية، بعدما كانت منتشرة في أوكرانيا.

وأشار إلى أنه «دخل روستوف، وهي مدينة جنوبي روسيا غير بعيدة عن أوكرانيا، وأن مسلحيه لم يفتحوا النار باتجاه مجندي الوحدة المنتشرين لعرقلة طريقه»، مضيفًا: «نحن لا نقاتل سوى المحترفين».

وزعم قائد "فاغنر" أن قواته أسقطت مروحيّة عسكرية روسيّة، قائلًا: «الآن فتحت مروحية النار على رتل مدني، وقد أسقطتها وحدات فاغنر»، من دون أن يُحدّد مكان الواقعة.

وبينما دعا بريغوجين الجيش إلى عدم مقاومة قواته، قال: «هناك 25 ألفًا منا وسوف نحدد سبب انتشار الفوضى في البلاد... احتياطنا الاستراتيجي الجيش والبلد»، ونفى أن يكون بصدد تنفيذ انقلاب عسكري.

وشكك بريغوجين في أسباب قرار بوتين، شن العملية العسكرية في أوكرانيا، متسائلًا: «لمَ بدأت العملية العسكرية الخاصة؟... كانت الحرب ضرورية من أجل الترويج الذاتي لمجموعة من الأوغاد».

كيف ردت روسيا؟

سارعت وزارة الدفاع الروسية، إلى نفي اتهامات بريغوجين، قائلة في بيان: «الرسائل ومقاطع الفيديو التي نشرها بريغوجين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن ضربات مفترضة شنتها وزارة الدفاع الروسية على قواعد خلفيّة لمجموعة فاغنر، لا تتّفق مع الواقع وتشكّل استفزازاً».

بدورها، قالت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب بروسيا -في بيان- إن «المزاعم التي بُثت باسم يفغيني بريغوجين ليس لها أي أساس. لقد فتح جهاز الأمن الفدرالي تحقيقاً بتهمة الدعوة إلى تمرد مسلح».

وفي بيان لاحق، اتهم الجهاز قائد "فاغنر" بالسعي إلى إشعال «حرب أهلية» في البلاد، مناشداً مقاتلي المجموعة القبض على بريغوجين، قائلًا إن تصريحات الأخير وأفعاله، دعوة إلى بدء نزاع أهلي مسلح على أراضي الاتحاد الروسي، وطعنة في ظهر الجنود الروس الذين يقاتلون القوات الأوكرانية، مطالباً مقاتلي "فاغنر" باتخاذ إجراءات لاعتقاله.

أما الكرملين فقال على لسان المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف، إن الرئيس فلاديمير بوتين أحيط علماً بكل الأحداث المتعلّقة ببريغوجين، مشيرًا إلى أنه جار حالياً اتخاذ الإجراءات اللازمة.

بينما وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين –السبت- تمرد مجموعة فاغنر بأنه «طعنة في الظهر»، متهمًا قائدها يفغيني بريغوجين بـ«خيانة روسيا بدافع طموحات شخصية».

وقال بوتين في خطاب للأمة: «إنها طعنة في ظهر بلدنا وشعبنا (...) ما نواجهه ليس إلا خيانة. خيانة سببها طموحات ومصالح شخصية لبريغوجين»، مؤكدًا أن المتمردين «سيعاقبون حتمًا».

كيف تعاملت موسكو؟

قالت وكالة الأنباء الروسية «تاس»، إنه جرى تعزيز الإجراءات الأمنية في عدد من المناطق الروسية، عقب تمرد فاغنر. وفي هذا الإطار أعلنت موسكو أن ثمة أنشطة لمكافحة الإرهاب جارية في المدينة.

وفجر السبت، نقلت وكالة الأنباء الرسمية «تاس» عن مسؤول أمني روسي لم تكشف هويته، تأكيده تشديد الإجراءات الأمنية بموسكو في أعقاب تصريحات قائد "فاغنر".

وقال المسؤول الأمني: «شددنا الإجراءات الأمنية في موسكو، المواقع الأكثر أهمية تخضع لإجراءات أمنية مشددة، وكذلك أجهزة الدولة ومنشآت النقل».

وذكرت وكالة الإعلام الروسية، أن لجنة مكافحة الإرهاب أعلنت –السبت- فرض نظام لمكافحة الإرهاب في موسكو والمنطقة المحيطة بها، مشيرة إلى فرض تدابير أمنية مشددة في موسكو ومناطق روسية، بعد تهديدات بريغوجين.

وأعلن رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين –السبت- اتخاذ تدابير لمكافحة الإرهاب في العاصمة الروسية، بينما أعلنت سلطات منطقتي روستوف المجاورة لأوكرانيا وليبيتسك، اتخاذ تدابير أمنية مشددة.

وكتب سوبيانين على "تلغرام": «بفعل المعلومات التي ترد، تجرى أنشطة لمكافحة الإرهاب حاليًا في موسكو لتعزيز التدابير الأمنية».

وجنوبي روسيا، دُعي السكان في منطقة روستوف، التي تؤكد مجموعة فاغنر أنها دخلتها، للزوم منازلهم، وكتب حاكم المنطقة فاسيلي غولوبيف على "تلغرام": «القوات الأمنية تتخذ الإجراءات اللازمة لضمان سلامة سكان المنطقة. أطلب من الجميع التزام الهدوء وعدم مغادرة المنازل إلا للضرورة».

بعد ذلك، دعت السلطات سكان مدينة روستوف، مركز المنطقة، لتفادي التوجه إلى وسطها، وأفادت منشورات وصور على الإنترنت بوجود مسلحين عند مشارف مبانٍ رسمية.

موقف التمرد

قال مصدر أمني روسي لوكالة رويترز –السبت- إن مقاتلي مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة، سيطروا على المنشآت العسكرية في مدينة فورونيج على بُعد 500 كيلومتر إلى الجنوب من موسكو.

قائد "فاغنر"

ولد بريغوجين، عام 1961، عندما كانت سانت بطرسبرغ اسمها لينينغراد، عام 1981 أودع السجن بتهمة السرقة وجرائم أخرى، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.

توفي والده وهو صغير، بينما والدته كانت تعمل في مستشفى، بحسب الصحيفة البريطانية، التي قالت إنه أرسِل إلى أكاديمية رياضية، لكنه لم يهتم بها. 

بعد الانتهاء من المدرسة، انضم إلى مجموعة من المجرمين الصغار، وفقًا لوثائق محكمة من عام 1981، اطلعت عليها «الغارديان».  

وخلصت المحكمة إلى أن بريغوجين شارك في عديد من عمليات السطو مع هذه المجموعة، في سان بطرسبرغ على مدى أشهر. وحُكم عليه بالسجن 13 عامًا، وأطلق سراحه عام 1990.

بعد خروجه من السجن بدأ بيع النقانق، عبر مطعم تجاري افتتحه بسانت بطرسبرغ في التسعينيات، وبهذه الصفة تعرف إلى بوتين، نائب عمدة المدينة آنذاك.

لكنه كان يضع نصب عينيه هدفًا أعلى من ذلك، فكان يعرف كيفية كسب المعارف. ولم يمض وقت طويل حتى امتلك بريغوجين حصة في سلسلة من المتاجر الكبيرة.

عام 1995، قرر أن الوقت قد حان لفتح مطعم مع شركائه في العمل، ثم فاز بعقود لتلبية فعاليات حكومية كبرى، من خلال شركة كونكورد، التي أنشأها في التسعينيات.

الخطوة التالية كانت عقود التوريد الحكومية العملاقة، التي فاز فيها بأكثر من 10.5 مليار روبل في عام، لتوفير الطعام لمدارس موسكو.

وقال رجل الأعمال الذي عرفه في التسعينيات: «لقد كان يبحث دائمًا عن أشخاص في أعلى المستويات ليتعرف إليهم، لقد كان جيدًا في ذلك».

عام 2014، اجتمع مجموعة من كبار المسؤولين الروس في مقر وزارة الدفاع، مع بريغوجين، وقد طلب أرضًا من وزارة الدفاع، يمكن أن يستخدمها لتدريب «المتطوعين» الذين لا تربطهم صلات رسمية بالجيش الروسي، للاستعانة بهم في خوض حروب روسيا.

ورغم أن كثيرين لم يعجبوا بأسلوب بريغوجين، فإنه أوضح أن هذا لم يكن طلبًا عاديًا، مضيفًا: «الأوامر تأتي من بابا»، مستخدمًا لقب، فلاديمير بوتين، لتأكيد قربه من الرئيس.

ومنذ قرار بوتين -العام الماضي- بشن عملية عسكرية روسية في أوكرانيا، تضخمت صفوف "فاغنر" إلى نحو 50 ألف مقاتل، وفقًا لتقديرات أجهزة مخابرات غربية، بما في ذلك عشرات الآلاف من السجناء السابقين، الذين جندهم بريغوجين من السجون في جميع أنحاء روسيا.

وفي فبراير 2016، كان واحدًا من 13 روسيًا، وجهت إليهم هيئة محلفين اتحادية كبرى لوائح اتهام، بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، من خلال وكالة أبحاث الإنترنت، التي أسهمت بنشر الأكاذيب وشن حرب إعلامية ضد الولايات المتحدة، دعمًا لحملة الرئيس السابق، دونالد ترامب. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه، في ديسمبر من العام نفسه.

بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أرسل قائد "فاغنر" مقاتليه إلى أرض المعركة، حيث تضخمت المجموعة عبر تجنيد سجناء. 

في الأشهر الأخيرة، ظهر بريغوجين في فيديوهات عبر وسائل التواصل، وبدأ توجيه الاتهامات إلى القيادة العسكرية الروسية، بالفشل في تزويد قواته بالذخيرة الكافية، وعدم كفاءة قادة الجيش الروسي.

ويقول بعض الذين عايشوه، إنه لا المال ولا القوة كانا العامل المحفز الوحيد لبريغوجين، رغم أنه حصل على الاثنين خلال مسيرته، وبدلًا من ذلك يقولون إنه مدفوع بإثارة المطاردة، والاعتقاد بأنه يحارب النخب الفاسدة نيابة عن أي رجل عادي.

ذلك النهج، جعل لبريغوجين عديد الأعداء، بينهم شركاء الأعمال السابقون الذين يشعرون بالخداع، وجنرالات الجيش الذين انتقدهم "لأنهم بيروقراطيون في مكاتبهم"، وكبار المسؤولين الأمنيين الذين يخشون أن تكون لديه طموحات للاستيلاء على السلطة.