اختراق علمي مذهل.. اقتراب ولادة كائن بشري من دون بويضة ولا حيوان منوي
الأجنة التي نمت في المختبر لا تحتوي على قلب ينبض أو حتى بدايات دماغ، ولكنها تشتمل على خلايا تتطور عادةً إلى مشيمة وكيس محي الجنين نفسه

ترجمات – السياق
في زمن يبدو العلم قادرًا على تجاوز كل الحدود، كشف باحثون أمريكيون وبريطانيون، عن ابتكار أول هياكل شبيهة بالأجنة البشرية الاصطناعية في العالم من الخلايا الجذعية، متجاوزين الحاجة إلى البويضات والحيوانات المنوية، في اختراق بحثي قد يُحيي الآمال بتطور مذهل، إلا أنه قد يثير قضايا أخلاقية وقانونية خطيرة، بخلاف الخوف على مستقبل البشر.
ونقلت صحيفة غارديان البريطانية، عن العلماء القائمين على البحث، قولهم: إن هذه الأجنة النموذجية، التي تشبه تلك الموجودة في المراحل الأولى من التطور البشري، يمكن أن توفر نافذة مهمة على تأثير الاضطرابات الوراثية والأسباب البيولوجية للإجهاض المتكرر.
ومع ذلك ، فإن العمل يثير أيضًا قضايا أخلاقية وقانونية خطيرة، حيث تقع الكيانات المخبرية في بلدان -ضمنها المملكة المتحدة- لا تتضمن التشريعات الكافية لإجرائها.
محاولة "تخليق أجنة" ليست الأولى من نوعها، فقد أجريت تجربة الأجنة على إناث القرود والفئران، لكن لم ينتج عن أي منها حمل.
وتمكن فريق من الباحثين في مجال الخلايا الجذعية بإسرائيل في أغسطس الماضي، من تخليق أول أجنة اصطناعية في العالم من خلايا جذعية تعود لفئران، وهو إنجاز علمي يُمكن أن يُشكل بداية طريق لإنهاء التجارب على الحيوانات في الأبحاث الطبية، وتقديم حلول جديدة للعلاجات البشرية.
لكن الأجنة التي عمل عليها العلماء في معهد وايزمان للعلوم "اصطناعية" وتكوينها لم يشمل أي بويضة ولا حيوان منوي، ولا حتى رحم فأرة.
فقد نمت الخلايا الجذعية للفأرة -الخلايا التي يمكن أن تتطور إلى أي عضو أو نسيج- لتصبح رحمًا صناعيًا خلال ثمانية أيام، وطورت دماغًا بدائيًا وجهازًا معويًا وقلبًا نابضًا.
وبعد ثمانية أيام -أي ما يُعادل ثلاثة أشهر من الحمل بالنسبة للفأرة- توقف الجنين عن النمو.
وفي أبريل 2021، نجح فريقان أحدهما فرنسي والآخر صيني أمريكي في تخليق أجنة من خلايا قرود وخلايا بشرية، أي أدخلوا خلايا بشرية في أجنة القرود، الأمر الذي يعيد إلى الواجهة الجدل بشأن أخلاقيات التلاعب الجيني.
تجارب لا تنتهي
التجارب لا تنتهي، وبالفعل -وفق "غارديان"- فإن الأجنة التي نمت في المختبر لا تحتوي على قلب ينبض ولا حتى بدايات دماغ، لكنها تشتمل على خلايا تتطور عادةً إلى مشيمة وكيس محيي الجنين نفسه، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت لدى تلك الأجنة القدرة على الاستمرار في النضج بعد هذه المرحلة، أو حتى النمو داخل كائن حي، ما يؤدي في النهاية إلى الحمل.
الأجنة النموذجية الاصطناعية -كما تسمى- التي استولدت من الخلايا الجذعية، تشبه تلك الموجودة في المراحل الأولى من التطور البشري، وبينما يتباهى العلماء بأن الاختراق يمكن أن يساعد في بحث الاضطرابات الوراثية، فإن هذا الإنجاز يثير قضايا أخلاقية وقانونية، بخلاف الخوف على مستقبل البشر.
لكن الاختراق العلمي الذي سُجل نتيجة تعاون بين جامعة كامبريدغ ومعهد ماساتشوستس للتكونولوجيا -وتحدثت عنه "غارديان"- يوحي باقتراب قدرة الإنسان على تحقيق ولادة كائن بشري، من دون الحاجة إلى حيوان منوي ولا حتى إلى بويضة.
ووصفت ماغدالينا شيرنيكا غويتز، الباحثة في علم الأحياء بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، العمل في خطاب ألقته خلال المؤتمر السنوي للجمعية الدولية لأبحاث الخلايا الجذعية في بوسطن بأنه يعني "إمكانية إنشاء نماذج شبيهة بالأجنة البشرية، من خلال إعادة برمجة الخلايا الجذعية الجنينية".
وذكرت الصحيفة البريطانية، أنه لا يوجد احتمال قريب المدى لاستخدام الأجنة الاصطناعية سريريًا، إذ سيكون من غير القانوني زرعها في رحم المريض، كما لم يتضح ما إذا كانت هذه الهياكل لديها القدرة على الاستمرار في النضج إلى ما بعد المراحل الأولى من التطور.
الدافع
أوضحت "غارديان" أن الدافع وراء هذه الاختبارات، أن يفهم العلماء فترة "الصندوق الأسود" من التطور، التي تسمى على هذا النحو لأنه لا يُسمح للعلماء إلا بزراعة الأجنة في المختبر لمدة تصل إلى 14 يومًا قانونيًا، ثم يلتقطون مسار التطور أكثر من ذلك بكثير من خلال النظر في فحوص الحمل والأجنة المتبرع بها للبحث.
لكن البحث، يثير أيضًا أسئلة أخلاقية، تتعلق بالحدود التي يجب الالتزام بها في ظل هذا التطور.
بينما حاولت الجمعية الدولية لأبحاث الخلايا الجذعية تقديم إجابة العام الماضي، عندما أصدرت إرشادات جديدة تقصر زراعة الأجنة البشرية في المختبر على 14 يومًا، قبل أن تبدأ العلامات الأولى للجهاز العصبي الظهور، وبعد ذلك، يجب تدمير الأجنة.
إلا أن هذه القواعد تتعلق بالأجنة البشرية الطبيعية، فماذا عن الأجنة البشرية الاصطناعية التي تعد احتمالاً جديدًا؟ هل يمكن زرع جنين بشري اصطناعي في رحم إنسان؟
يجيب البروفيسور روبن لوفيل-بادغ، رئيس بيولوجيا الخلايا الجذعية وعلم الوراثة التطورية في معهد فرانسيس كريك بلندن بقوله: "الفكرة هي أنه إذا قمت بالفعل بنمذجة التطور الجنيني البشري الطبيعي باستخدام الخلايا الجذعية، يمكنك الحصول على قدر هائل من المعلومات عن كيف نبدأ التطوير، وما الخطأ الذي يمكن أن يحدث من دون الحاجة لاستخدام الأجنة المبكرة للبحث".
وأظهر فريق شيرنيكا غويتز، ومجموعة منافسة في معهد وايزمان بإسرائيل، أنه يمكن تشجيع الخلايا الجذعية من الفئران على التجميع الذاتي في هياكل شبيهة بالجنين، في وقت مبكر مع الجهاز المعوي، وبدايات الدماغ والقلب النابض.
ومنذ ذلك الحين، بدأ سباق لترجمة هذا العمل إلى نماذج بشرية، واستطاعت فرق عدة تكرار المراحل الأولى من التطوير.
وأشارت "غارديان" إلى أن تفاصيل العمل الأخير، من مختبر كامبريدغ ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، لم تنشر في ورقة دورية، لكن، في حديثها خلال المؤتمر، وصفت شيرنيكا غويتز زراعة الأجنة إلى مرحلة تتجاوز ما يعادل 14 يومًا من التطور لجنين طبيعي.
وأوضحت أن الهياكل النموذجية، التي نمت من خلية جذعية جنينية واحدة، وصلت إلى بداية مرحلة تطورية تُعرف بـ "المعدة"، عندما يتحول الجنين من ورقة متصلة من الخلايا إلى تشكيل خطوط خلوية متميزة وإنشاء المحاور الأساسية للجسم.
ونوهت الصحيفة إلى أنه في هذه المرحلة، لا يوجد لدى الجنين قلب ينبض ولا أمعاء ولا بدايات دماغ، لكن النموذج أظهر وجود خلايا بدائية، هي الخلايا السليفة للبويضة والحيوانات المنوية.
وتعلق شيرنيكا غويتز على ذلك، بالقول: إن نموذجنا البشري أول نموذج لجنين بشري من ثلاث سلالات يحدد خلايا السلى والجراثيم، والخلايا الأولية للبويضة والحيوانات المنوية، مضيفة: "إنها جميلة ومُخلقة من الخلايا الجذعية الجنينية".
تفوق العلم
وحسب "غارديان" يُسلط هذا التطور الضوء على مدى سرعة تفوق العلم في هذا المجال على القانون، ومن ثمّ يتحرك العلماء في المملكة المتحدة وأماكن أخرى بالفعل، لوضع مبادئ توجيهية طوعية للتحكم في العمل على الأجنة الاصطناعية.
ويعلق البروفيسور روبن لوفيل-بادغ على ذلك، بقوله: "إذا كان الهدف أن هذه النماذج تشبه إلى حد كبير الأجنة الطبيعية، فيجب أن تعامل بالطريقة نفسها"، مضيفًا: "التشريع القائم في المملكة المتحدة وعدد من الدول لا يتضمن ذلك، ما يثير قلق العلماء أو الناس العاديين أو القائمين على التشريع".
هناك أيضًا سؤال مهم بلا إجابة -وفق "غارديان"- عما إذا كانت هذه الهياكل -من الناحية النظرية- لديها القدرة على النمو لتصبح كائنًا حيًا.
فقد أبلِغ عن أن الأجنة الاصطناعية، التي نمت من خلايا الفئران، تبدو متطابقة تقريبًا مع الأجنة الطبيعية، لكن عند زرعها في أرحام إناث الفئران، لم تتطور لتصبح حيوانات حية.
وفي أبريل، ابتكر باحثون في الصين أجنة اصطناعية، من خلايا قرد وزرعوها في أرحام القرود البالغة، وقد أظهر عدد قليل منها علامات الحمل الأولية، لكن لم يستمر أي منها في التطور بعد أيام قليلة.
وفي ذلك، يقول العلماء إنه ليس من الواضح ما إذا كان الحاجز أمام التطوير الأكثر تقدمًا، مجرد تقني أم أن له سببًا بيولوجيًا أكثر جوهرية.
ويرى لوفيل بادغ أن الإجابة عن هذا السؤال صعبة جدًا، قائلًا: "سيكون من الصعب معرفة ما إذا كانت هناك مشكلة جوهرية معهم أم أنها مشكلة تقنية فقط"، مشيرًا إلى أن هذه الإمكانات غير المعروفة، جعلت الحاجة إلى تشريع أقوى يمنح العلم مساحة أكبر للبحث، ملحة جدًا.