كيف مهد حصول آبي أحمد على نوبل للسلام الطريق للحرب في إثيوبيا؟
وفقاً لما نقلته الصحيفة عن مسؤولين إثيوبيين حاليين وسابقين، تحدثوا بشرط عدم كشف هويتهم، لتجنُّب الأعمال الانتقامية، ولحماية أسرهم داخل أديس أبابا، فإن جائزة نوبل شجعت آبي وإسياس على التخطيط سراً لمسار حرب ضد خصومهما المشتركين في تيغراي.

ترجمات - السياق
"اجتماعات سرية مع ديكتاتور، وتحركات من القوات السرية، وأشهر من التحضيرات الهادئة، لحرب كان من المفترض أن تكون سريعة بلا دماء"... هكذا استهلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرها، الذي رصدت فيه الدور الذي لعبه حصول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام، في التمهيد للحرب في إقليم تيغراي.
وقالت الصحيفة، إن هناك أدلة جديدة تظهر أن آبي كان يخطط لشن حملة عسكرية في تيغراي قبل أشهر من اندلاع الحرب العام الماضي، التي أدت إلى الدمار والعنف في إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان.
أيقونة عالمية
وذكرت "نيويورك تايمز" أن آبي أحمد، يصر على أنه أُجبر على خوض الحرب، وأن مقاتلي تيغراي هم الذين بدأوا الطلقات الأولى في نوفمبر 2020، عندما هاجموا قاعدة عسكرية فيدرالية في الإقليم، وذبحوا الجنود في أسرتهم.
وأصبحت هذه التصريحات، الرواية الرسمية لآبي وأنصاره، لكن في الواقع، هذه الحرب كانت من اختيار رئيس الوزراء نفسه، حتى أنها كانت تبدو في الأفق، قبل حصوله على جائزة نوبل للسلام عام 2019، التي حولته، بعض الوقت، إلى أيقونة عالمية للاعنف.
وأشارت الصحيفة، إلى أن فوز آبي أحمد بجائزة نوبل، نتج إلى حد كبير عن اتفاق السلام، الذي أبرمه مع زعيم إريتريا إسياس أفورقي، في غضون أشهر من وصوله إلى السلطة عام 2018، إذ أنهى هذا الاتفاق عقدين من العداء والحرب بين الخصمين المتجاورين.
ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن مسؤولين إثيوبيين حاليين وسابقين، تحدثوا بشرط عدم كشف هويتهم، لتجنُّب الأعمال الانتقامية، ولحماية أسرهم داخل أديس أبابا، فإن جائزة نوبل شجعت آبي وإسياس على التخطيط سراً لمسار حرب ضد خصومهما المشتركين في تيغراي.
وأوضحت أنه "في الأشهر التي سبقت اندلاع القتال في نوفمبر 2020، حرَّك آبي القوات باتجاه تيغراي، وأرسل طائرات شحن عسكرية إلى إريتريا، كما ناقش مستشاروه والجنرالات العسكريون مزايا خوض هذا الصراع وراء الأبواب المغلقة، وبدأ إطلاق النار على أولئك الذين لم يوافقوا على الحرب، كما تم استجوابهم تحت تهديد السلاح، أو أجبروا على مغادرة البلاد".
الطريق للحرب
وذكر المسؤولون أن الغرب ظل في حالة ذهول، بحصول آبي على نوبل، وهو ما أدى إلى تجاهل العلامات التحذيرية، لكن الجائزة ساعدت في تمهيد الطريق للحرب.
ويقول المسؤول البارز السابق في حكومة آبي، المقيم الآن في أوروبا، جيبريمسكل كاسا، في مقابلة مع "نيويورك تايمز": "منذ ذلك اليوم، شعر آبي بأنه أحد أكثر الشخصيات نفوذاً في العالم، إذ شعر بأن لديه الكثير من الدعم الدولي، وأنه إذا ذهب إلى الحرب في تيغراي، فلن يحدث شيء، وقد كان محقًا في ذلك".
ولفتت الصحيفة إلى أن المتحدث باسم آبي، ووزير الإعلام الإريتري ولجنة نوبل النرويجية، لم يجيبوا عن أسئلتها بخصوص المعلومات الواردة في هذا التقرير.
وتابعت: "لم يتحقق الانتصار العسكري السريع والسهل، الذي وعد به آبي قبل بدء الصراع، إذ هزم التيغراي القوات الإثيوبية وحلفاءهم الإريتريين خلال الصيف، والشهر الماضي كانوا على بُعد 160 ميلاً من العاصمة أديس أبابا، ما دفع رئيس الوزراء لإعلان حالة الطوارئ، لكن في الآونة الأخيرة، عاد البندول إلى الوراء، مع استعادة القوات الحكومية مدينتين استراتيجيتين استولى عليهما التيغراي، وهو أحدث تطور في الصراع الذي راح ضحيته عشرات الآلاف، ودفع مئات الآلاف إلى ظروف تشبه المجاعة".
حرب مع النفس
يقول المحللون إن رحلة آبي، من كونه صانعاً للسلام، إلى قائد في ساحة معركة، قصة تحذيرية عن كيف أخطأ الغرب، الذي كان يسعى لإيجاد بطل جديد في إفريقيا، بشأن قراءة هذا القائد.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن كبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي في القرن الإفريقي سابقاً أليكس روندوس قوله: "يحتاج الغرب إلى التكفير عن أخطائه في إثيوبيا، إذ أساء الحكم على آبي، ومكَّن إسياس، والقضية الآن هي ما إذا كان يمكن منع بلد يبلغ عدد سكانه 110 ملايين نسمة من الانهيار".
وعن دور جائزة نوبل، في إعادة العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، قال المسؤولون الإثيوبيون، إن الثمار الأولية للجائزة، مثل عودة الرحلات التجارية اليومية، وإعادة فتح الحدود بين البلدين، تراجعت في غضون أشهر، كما أن الاتفاقات التجارية الموعودة لم تتحقق، ولم يكن هناك أي تعاون ملموس.
ومع ذلك، استفاد رجال المخابرات الإريتريون، إذ يقول مسؤول أمني إثيوبي كبير إن المخابرات الإثيوبية رصدت تدفقاً من العملاء الإريتريين، الذين تظاهر بعضهم بأنهم لاجئون، وجمعوا معلومات عن القدرات العسكرية لأديس أبابا، حيث كانوا مهتمين بتيغراي بشكل خاص، وفقاً للصحيفة.
14 اجتماعًا
وقالت "نيويورك تايمز" إن السجلات العامة والتقارير الإخبارية تظهر أن آبي وإسياس التقيا 14 مرة على الأقل، منذ توقيع اتفاق السلام حتى اندلاع الحرب.
ونقلت عن مسؤولين إثيوبيين سابقين قولهم إن "الاجتماعات كانت في الغالب تتم على انفراد، من دون حضور المساعدين ولا مدوني الملاحظات، وهو أمر غير معتاد، كما أنهما التقيا سراً في ثلاث مناسبات أخرى على الأقل، عامي 2019 و2020، حيث كان يسافر إسياس إلى أديس أبابا من دون إنذار، إذ صدرت التعليمات لسلطات الطيران بالتزام الصمت، وأُرسلت سيارة لا تحمل أي أرقام لنقله إلى المجمع الذي كان فيه آبي".
ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن المسؤولين السابقين، فإنه في وقت لاحق، زارت فرقة من المطربين والراقصين الإريتريين أمهرة، لكن الوفد ضم رئيس المخابرات الإثيوبية، أبرهة كاسا، الذي استغل الرحلة للقاء قادة أمن أمهرة، ووافقت إريتريا على تدريب 60 ألف جندي من قوات الأمهرة الخاصة، وهي وحدة شبه عسكرية انتشرت في تيغراي.
رؤى متضاربة
منذ أيامه الأولى في السلطة، اعتبر آبي أن التيغراي يشكلون تهديداً لسلطته، وربما حتى حياته، إذ قال لأصدقائه إن التيغراي كانوا يفضلون مرشحاً آخر لمنصب رئيس الوزراء، معرباً عن خوفه أن يكون مسؤولو الأمن في الإقليم يحاولون اغتياله، وفقاً لما قاله أحد أصدقائه للصحيفة.
وحسب مسؤول إثيوبي بارز سابق، فإن رئيس الوزراء أمر بوقوف الجنود في كل طابق في مقر إقامته لحراسته، كما أنه استبعد التيغراي من التفاصيل الأمنية الخاصة به، وأنشأ قوات الحرس الجمهوري، وهي وحدة منتقاة بعناية تخضع لسيطرته المباشرة.
ولفتت الصحيفة إلى أن القتل الذي وصفته بـ"غير المفهوم" لقائد الجيش الإثيوبي، الجنرال سيري ميكونين، وهو من التيغراي، برصاص حارس شخصي في يونيو 2019، أدى إلى تصاعد التوترات.
وتابعت: "كانت الخلافات السياسية العميقة في البلاد مدفوعة بالخلاف مع التيغراي، وفي غضون أسابيع من قرار جائزة نوبل، أنشأ آبي حزب الازدهار، الذي جسَّد رؤيته لحكومة إثيوبية قوية ومركزية، لكن هذه الرؤية كانت مثل اللعنة بالنسبة لملايين الإثيوبيين، الذين كانوا يتوقون إلى مزيد من الحكم الذاتي الإقليمي، لا سيما التيغراي وأفراد مجموعته العرقية الأورومو".
حرب أهلية
ورأت "نيويورك تايمز" أنه بالنظر إلى هذه الخلفية المضطربة، تسارع انزلاق البلاد نحو الحرب.
ونقلت عن مسؤول إثيوبي كبير قوله، إنه بعد ذلك بدأت طائرات الشحن العسكرية الإثيوبية برحلات سرية ليلاً إلى قواعد في إريتريا، كما ناقش كبار مساعدي آبي ومسؤوليه العسكريين مزايا الحرب في تيغراي، وكان بين المنشقين قائد الجيش الإثيوبي الجنرال آدم محمد.
في ذلك الوقت، كان التيغراي يستعدون أيضاً للحرب، ويبحثون عن حلفاء في القيادة الشمالية، أقوى وحدة عسكرية في إثيوبيا، مقرها تيغراي، حسب الصحيفة.
ووفقاً للمسؤول الكبير السابق جيبرمسكل، فإنه في مكالمة عبر الفيديو أجراها آبي منتصف أكتوبر، أخبر مسؤولي الحزب الحاكم بأنه سيتدخل عسكرياً في تيغراي، وأن الأمر سيستغرق من ثلاثة إلى خمسة أيام فقط لإطاحة قائد المنطقة، الموجود الآن في المنفى.
وأوضحت الصحيفة أن الجنود الإريتريين تدفقوا إلى الإقليم من الشمال، كما وصلت قوات الأمهرة الخاصة من الجنوب، وأقال آبي اللواء آدم، وأعلن "عملية لإنفاذ القانون" في تيغراي، ولا تزال الحرب الأهلية المدمرة في إثيوبيا جارية حتى الآن.