الحرب الإلكترونية... تكتيك غربي جديد لملاحقة داعش

يرى حسام حسن أن برلين نجحت عبر استراتيجية الضربات الاستباقية في إحباط العديد من العمليات الإرهابية في السنوات الماضية، مشيرًا إلى أن الخطوة الأخيرة تأتي ضمن هذا السياق، لكن في مسرح عمليات مختلف.

الحرب الإلكترونية... تكتيك غربي جديد لملاحقة داعش

السياق

تكتيك جديد تتبعه ألمانيا في محاربة تنظيم داعش، تمثل في نقل الملاحقة من الأرض إلى الفضاء الإلكتروني، ضمن استراتيجية "الضربات الاستباقية"، إذ أوقفت السلطات غربي ألمانيا، رجلًا في رومربيرغ، يدعى "عليم. ن" بتهمة الاشتباه في تحضيره لأعمال عنف، والانتماء إلى جماعة إرهابية في الخارج.

وأوضح قرار توقيف مكتب النائب العام الفيدرالي الألماني، أن المتهم يعمل -بشكل أساسي- في ترجمة النصوص ومقاطع الفيديو والرسائل الصوتية للتنظيم الإرهابي، من العربية إلى الألمانية، ونشرها في تطبيق تليجرام.

التحرك الألماني الأخير، عدَّه مراقبون تحولًا في سياسات ألمانيا، ومن بعدها أوروبا في مواجهة داعش والجماعات الإرهابية، وهو ما يمثل -بحسب قولهم- آخر مرحلة من الحرب الأوروبية على الإرهاب، عبر منع تنفيذ عمليات إرهابية على الأرض.

 

هجوم برلين

حسام حسن الباحث في جامعة فيينا، أكد في تصريحات لـ"السياق"، أن ألمانيا تنشط في ما باتت تعرف بـ"الضربات الاستباقية" للتنظيمات الإرهابية، منذ هجوم برلين الذي نفذه التونسي أنيس العامري في ديسمبر 2016.

ويرى حسن أن برلين نجحت -بهذه الاستراتيجية- في إحباط العديد من العمليات الإرهابية في السنوات الماضية، مشيرًا إلى أن الخطوة الأخيرة تأتي ضمن هذا السياق، لكن في "مسرح عمليات" مختلف.

وعن ملامح التحرك الألماني الأخيرة، يرى الباحث في جامعة فيينا، أنه يتركز على "الرقابة"، التي تهدف إلى رصد أي نشاط مشتبه به، سواء في الفضاء الإلكتروني أم في المساجد والجمعيات الخاضعة لمراقبة هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية"، وهي تعد سياسة تصحيحية لفشل الشرطة الألمانية في التعامل مع أنيس العامري قبل تنفيذه الهجوم، حيث كان يتردد إلى مساجد بعينها معروفة للسلطات بأنها بؤرة لداعش في ألمانيا، وتواصل إلكترونيًا مع التنظيم.

وأشار إلى أن السياسة الجديدة تعتمد أيضًا على تعاون وتبادل معلومات مع سلطات الأمن الأجنبية، وهو ما ظهر في إحباط هجوم لشاب سوري على معبد يهودي في ألمانيا أواخر العام الماضي.

مرحلة متطورة

في ضوء ما سبق، يرى حسن أن السياسة الألمانية الجديدة، تعكس مرحلة متطورة من مواجهة خطر الإرهاب في أوروبا، عبر تكثيف العمل الأمني وجمع المعلومات والرقابة حتى تسبق أجهزة الأمن، التنظيمات الإرهابية بخطوات، وتستطيع إحباط العمليات الإرهابية قبل تنفيذها.

 وأوضح أن معظم الاتصالات بين داعش وخلاياه النائمة وأنصاره في أوروبا، تجرى إلكترونيًا، باستخدام تليجرام على وجه التحديد، وهو ما يفسر تركز استراتيجية الأمن في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، على الفضاء الإلكتروني، ورصد هذه التحركات والاتصالات في بدايتها.

لكنه عاد وأكد أن الحرب على الإرهاب لم تعد "سيبرانية" بالأساس، منوهًا إلى أن التنظيم الإرهابي لا يزال يتبع آليات التجنيد التقليدية، في المساجد والجمعيات والحلقات الدينية، التي تلعب دورًا في تحويل شباب إلى التطرف في أوروبا، مشددًا على أن العمل على الأرض لا يزال مهمًا، ويسير بالتوازي مع النشاط في الفضاء الإلكتروني.

 

عملية صعبة

ويتفق مع الرأي السابق، الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، عمرو فاروق، الذي أكد لـ"السياق" أن استئصال تنظيم داعش من القارة الأوروبية، ليس بالأمر السهل في تلك المرحلة.

وأوضح أنه رغم الإجراءات التي اتخذتها دول غربية، فإن أوروبا تظل أرضًا خصبة لنشر الفكر الداعشي، من خلال المراكز الدينية التابعة لجماعة الإخوان، التي تستغل وتلعب على أزمة التغريب وفقدان الهوية الفكرية والثقافية، التي تعانيها أغلبية الجاليات العربية والإسلامية.

وأضاف فاروق، أن قطع الطريق على تنظيم داعش في القارة العجوز، يرتبط -بشكل مباشر- بمحاصرة التيارات السلفية، وكذلك المؤسسات التابعة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، التي عملت على بناء جدار أو عازل مجتمعي موازٍ في العمق الأوروبي، من خلال سيطرتها على بعض المقاطعات والمدن وحوَّلتها إلى جيتوهات متأسلمة تحمل مشاعر كراهية للغرب، في مقابل تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا.

وأشار إلى أن انتشار التيارات الأصولية متشابك مع الأجهزة الاستخباراتية الغربية، لاسيما البريطانية والأمريكية، التي أسهمت في تكوين الدوائر الفكرية المتطرفة، لتوظيفها كأداة ضغط على بعض الأنظمة السياسية الغربية، وتحويل الكثير منهم إلى جواسيس بشكل غير مباشر، والتحكم في الجاليات العربية والإسلامية في الداخل الأوروبي.

وأكد فاروق أن انتماء الكثير من الأوروبيين لتنظيم داعش ومشاركتهم بقوة في معسكرات القتال، داخل سوريا أو العراق أو ليبيا، أو غيرها من الأماكن التي يسيطر عليها التنظيم، نتيجة لعوامل مباشرة وتحركات على الأرض، منذ سنوات طويلة في الداخل الغربي.

ولفت الباحث إلى أن الجماعات الأصولية اعتمدت على سياسة القوة الناعمة في غزو أوروبا، منذ مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، مستغلة هامش الحريات في تأسيس كيانات تنموية واجتماعية ودعوية وشركات اقتصادية، مكنتها من بناء حواضن فكرية تحت غطاء الحرية الدينية.

هذه الحواضن الفكرية -بحسب فاروق- أسهمت في نشر أفكار سيد قطب وحسن البنا، والمودودي وأسامة بن لادن، وأبو مصعب الزرقاوي، وغيرهم من دعاة التكفير والعنف، وفي مقدمتهم قيادات جماعة الإخوان، التي لجأت إلى فكرة الاستقطاب المجتمعي للفكرة الأصولية، وتأسيس عشرات المراكز الإسلامية، والتغلغل في مؤسسات ودوائر صنع القرار الغربي، والسعي لاستمالتها الى مشروع الإسلام السياسي.