أمطار وفيضانات... وول ستريت: الطقس المتطرف يهدد ربع سكان العالم
عندما أصبحت آثار الطقس عنيفة، تراجعت الحكومة الهندية فجأة عن قرارها بتوسيع صادرات القمح، مع انخفاض الإمدادات العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا

ترجمات - السياق
من الأمطار الغزيرة والفيضانات المفاجئة إلى درجات الحرارة الحارقة الممتدة، التي أصبحت -بشكل متزايد- ملامح ظواهر مناخية «متطرفة»، دفعت بربع سكان العالم إلى حافة المجاعة.
فـ«عالم الاحترار جعل الزراعة أكثر خطورة من أي وقت مضى»، بحسب «وول ستريت جورنال»، التي سلَّطت الضوء على مخاطر عدة تواجه الهند ودول جنوب آسيا، التي تضم مئات الملايين من الأشخاص الأكثر ضعفًا من البشر.
وقالت الصحيفة الأمريكية، إن التحديات التي لا نهاية لها، التي تتنوع بين الفقر والأمن الغذائي والصحة، تعمقت فقط مع تصدر تلك المنطقة للخطوط الأمامية لتغيُّر المناخ.
وأشارت إلى أن الاحترار العالمي لم يعد احتمالاً بعيد المنال، يمكن للمسؤولين ذوي التفويضات الانتخابية القصيرة أن يختاروا الابتعاد عنه، بل إن التقلبات المتزايدة في أنماط الطقس، تعني زيادة مخاطر الكوارث والأضرار الاقتصادية الشديدة للبلدان التي تعاني بالفعل لزيادة النمو والتنمية، وتجاوز الدمار الذي أحدثه الوباء إلى الأرواح وسبل العيش.
الأكثر سخونة
يقول العلماء إن مارس الماضي كان الأكثر سخونة في الهند وباكستان خلال 122 عامًا، في حين كانت الأمطار أقل من 60 إلى 70% من المعدل الطبيعي، مشيرين إلى أن الحرارة جاءت في وقت أبكر من المعتاد هذا العام، بينما ظلت مرتفعة، لتصل إلى 49 درجة مئوية، نحو 120 درجة فهرنهايت بنيودلهي في مايو الماضي.
وتشير تقديرات كريشنا أشوتا راو، باحثة المناخ في المعهد الهندي للتكنولوجيا، إلى أن احتمال حدوث هذه الموجة الحرارية، يزيد 30 مرة عما كانت عليه قبل العصر الصناعي.
وقالت في تصريحات لـ «وول ستريت جورنال»: إذا ارتفعت حرارة الكرة الأرضية إلى درجتين مئويتين، فوق درجات حرارة ما قبل الصناعة، من 1.2 درجة الحالية، فإن هذه الأنماط المتطرفة ستأتي -في كثير من الأحيان- مرة كل 50 عامًا، أو حتى كل خمس سنوات.
آثار التغيُّـرات المناخية
في باكستان، التي تكافح أزمة اقتصادية وانهيارًا سياسيًا، أدى تفشي الكوليرا في الجنوب الغربي إلى اندفاع الحكومة لإخماد حرائق الغابات الهائلة.
وفي بنغلاديش، تسببت الفيضانات التي حدثت قبل الرياح الموسمية في تقطع السبل بملايين الأشخاص، ما أدى إلى تعقيد الجهود طويلة الأمد لتحسين استجابة البلاد للفيضانات المزمنة.
وفي نيبال، يحاول المسؤولون تجفيف البحيرات الجليدية، التي كانت على وشك الانفجار قبل أن يجرفوا قرى الهيمالايا التي تواجه ظاهرة جديدة: أمطار غزيرة، وقلة مياه الشرب.
أما الهند التي تعد أكبر مورد للحبوب في المنطقة، وتوفر لمئات الملايين من مواطنيها حصصًا غذائية، فأدى انخفاض محصول القمح إلى ظهور المخاوف القديمة بشأن الأمن الغذائي، والحد من طموحات الحكومة لإطعام العالم.
ومع الطقس القاسي، انخفض محصول القمح الوطني في الهند 3.5% على الأقل هذا العام، بناءً على المعلومات الأولية، ففي البنجاب، التي تعد سلة القمح في الهند تقليديًا، كان الانخفاض نحو 15%، حيث شهدت بعض المناطق انخفاضًا يصل إلى 30%.
وفي منطقة فاتغاره - صاحب في البنجاب، التي كانت الأكثر تضررًا، واجه المزارعون مثل سينغ كارثة مزدوجة، فالأمطار الغزيرة هطلت في وقت أبكر واستمرت فترة أطول من المعتاد، ما أدى إلى غمر الحقول، أما أولئك الذين تمكنوا من تصريف المياه فيأملون أن ينتهي الأسوأ، لكن في مارس جاءت موجة الحر.
الهند تتراجع
وعندما أصبحت آثار الطقس عنيفة، تراجعت الحكومة الهندية فجأة عن قرارها بتوسيع صادرات القمح، مع انخفاض الإمدادات العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا، مشيرة إلى مخاوف بشأن الأمن الغذائي.
وقالت مالانشا تشاكرابارتي، الباحثة في مؤسسة أوبزرفر للأبحاث في نيودلهي، التي تدرس تغيُّـر المناخ والتنمية، إن الهند كانت معرضة بشدة لتهديدات الأمن الغذائي، ليس فقط بسبب انخفاض الإنتاج، لكن أيضًا لأن كثيرين من السكان قد يكافحون لتحمُّل التكاليف.
وقالت الدكتورة تشاكرابارتي: «إننا ننظر إلى عدد ضخم من السكان على حدود الفقر المدقع»، مشيرة إلى أنه رغم التقدم الكبير في الحد من الفقر المدقع، فإن كثيرين ما زالوا على قيد الحياة ولن يكونوا قادرين على التعرض للصدمة.
وتسببت الأضرار التي لحقت بمحصول القمح في هزة أخرى بقطاع الزراعة الذي يعاني ضعف الأداء في الهند، ففي العديد من الأماكن، تكون المحاصيل التقليدية معرضة -بشكل خاص- لاستنفاد المياه الجوفية والرياح الموسمية غير المنتظمة.
ولا يتفق المزارعون والحكومة على المدى الذي يجب أن نقطعه في فتح الأسواق الزراعية، ففي أعماق الديون، ينتحر المزارعون بأعداد متزايدة.
ودفعت الأزمة الزراعية الكثيرين إلى المدن بحثًا عن عمل آخر، لكن النمو الاقتصادي في الهند، الذي يرتكز -بشكل كبير- على القمة، لا يوسع فرص العمل، بينما الكثير من العمل الحضري عمالة خارجية، الأمر الذي جعل الحرارة الشديدة هذا العام خطيرة.
الاحتباس الحراري
وبالنسبة لأولئك الذين ما زالوا في المزارع، فإن الاحتباس الحراري يغير طبيعة ما يضعونه في الأرض، في الوقت الذي ركز علماء الزراعة فيه -ذات مرة- على تطوير أصناف عالية الإنتاجية لتلبية احتياجات الهند من الغذاء، بعد تاريخ من المجاعات المدمرة.
وعلى مدى العقدين الماضيين، كانت الأولوية زيادة مقاومة المحاصيل للحرارة، ففي المختبرات، يجرى اختبار البذور في درجات حرارة أعلى بخمس درجات مئوية من تلك الموجودة بالخارج.
وقال راتان تيواري رئيس برنامج التكنولوجيا الحيوية في المعهد الهندي لأبحاث القمح والشعير في كارنال، إن علماءه يطورون أصناف قمح ذات قدرة أعلى على تحمُّل الحرارة، مضيفًا: "إنها معضلة، ما لم تكن متأكدًا تمامًا من أن الحرارة ستكون موجودة، فمن الواضح أننا لن نقدم مجموعة متنوعة لها تحمل الحرارة لكنها ليست أعلى عائد».
وساعد علماء المعهد في تطوير قرابة 500 نوع من بذور القمح في العقود الماضية، ما منح راتان تيواري وزملاءه الأمل بأن تتحمل الأنواع المختلفة، الحرارة بشكل عام.
في حين أن الانخفاض في محصول القمح قد أثر -بشكل مباشر- في الهند، فإن الصدمات الناجمة عن تغيُّـر المناخ لا تتوقف عند الحدود الدولية.
فبنغلاديش ونيبال تعتمدان على الهند لاستيراد القمح، بحسب «وول ستريت جورنال»، التي قالت إن ارتفاع المد والجزر يتسبب في إحداث قدر من الخراب في بنغلاديش كما هو الحال في المناطق الهندية المجاورة في آسام والبنغال الغربية.
مشكلة الفيضانات في بنغلاديش ليست جديدة، فمع اجتياز مئات الأنهار في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 170 مليون نسمة، يؤدي ارتفاع منسوب المياه إلى نزوح مئات الآلاف كل عام.
وأصبحت السلطات أفضل في إنقاذ الأرواح من خلال عمليات الإجلاء السريعة، لكنهم يكافحون للتنبؤ بتوقيت الفيضانات بسبب أنماط الرياح الموسمية غير المنتظمة.
ريحان الدين (35 عامًا) من منطقة زاكيجانج في سيلهيت، ببنغلاديش، لديه مشتل للأشجار ومزارع ونحو 6.5 فدان من الحقول، يقول إنه منذ عام 2017، جرفت الفيضانات منزله وحقول الأرز وأعمال الحضانة التي مضى عليها عشر سنوات مرتين.
نيبال، حيث يعيش ربع السكان تحت خط الفقر، ربما تكون أوضح مثال على كيف أن الأحوال الجوية المتطرفة -الفيضانات ونقص المياه من ناحية، وزيادة حرائق الغابات من ناحية أخرى- تؤدي إلى تعطيل الحياة.
فقدان 30% من الأراضي
القرويون في جبال الهيمالايا، الذين اعتادوا الثلوج يعانون الآن أمطارًا غزيرة، في ظاهرة أجبرت الكثيرين على الهجرة، إضافة إلى نقص مياه الشرب التي تعد مشكلة رئيسة، حيث تجف الينابيع مع تقليل ذوبان الجليد.
وقدرت وزارة الزراعة النيبالية، أن قرابة 30% من الأراضي الصالحة للزراعة، خاصة في المناطق الجبلية، لم تعد مستخدمة، في جميع أنحاء البلاد، بعد أن زادت حرائق الغابات بنحو عشرة أضعاف خلال العقدين الماضيين.
وأدى الذوبان المستمر للثلج، بسبب ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة عدد البحيرات الجليدية بالمئات، مع تحديد قرابة 20 بحيرة معرضة للانفجار.
عام 2016، جفف الجيش النيبالي بحيرة إمجا بالقرب من جبل إيفرست، لتقليل المخاطر على سكان المصب، بينما تحاول السلطات جمع الأموال للتجفيف الفوري لأربع بحيرات أخرى.
وفي منطقة بلوشستان المضطربة في باكستان، كان الدليل على ربيع غير عادي واضحًا لأسابيع، فالسماء تحولت عبر العديد من المناطق إلى اللون البرتقالي اللامع مع عاصفة رملية شديدة غطت المنطقة، بينما اشتعلت حرائق الغابات على حدود المقاطعة لأسابيع، ما أدى إلى تدمير ما يقدر بمليوني شجرة صنوبر وزيتون.
وعلى رأس الحرائق جاء الوباء، حيث اجتاح الذعر بلدة بير كوه الجبلية، بعد أن عانى عدد كبير من الناس -معظمهم من الأطفال- الإسهال والقيء وتشنجات الساق.
نهاية أبريل الماضي، أعلن المسؤولون أن تفشي الكوليرا، الذي قال مسؤولو الصحة إنه قد يكون مرتبطًا بارتفاع درجات الحرارة، أدى إلى وفاة أكثر من عشرين شخصًا.
وبينما تتصدر كوارث تفشي الأمراض والفيضانات والحصاد عناوين الأخبار، يحذر النشطاء والخبراء من الخسائر في التهديدات المستمرة.