استقالة مفاجئة لمبعوث الأمم المتحدة في ليبيا.. ما الأسباب؟
وصفت فورين بوليسي، استقالة يان كوبيش، بأنها صفعة لجهود المجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار في ليبيا وتسهيل الانتخابات، في محاولة لإنهاء عقد من الفوضى والعنف.

السياق
بعد يوم من إغلاق باب الترشيحات، لأول انتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا، وقبل شهر من إجراء الاستحقاق الدستوري، استقال المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيش، من دون إعطاء أعضاء مجلس الأمن سببًا واضحًا لرحيله المفاجئ.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في تصريحات صحفية، إن كوبيش قدَّم استقالته للأمين العام الذي قبلها مع الأسف، مشيرًا إلى أن أنطونيو غوتيريس كان يبحث عن بديل مناسب.
وعندما سُئل عن سبب استقالة كوبيش، بعد أقل من عام من ولايته، قال دوجاريك: «إنه سؤال يجب أن تطرحه عليه»، مشيرًا إلى أن كوبيش أوضح أنه لن يغلق الباب اليوم.
وأوضح الناطق الأممي، أن المبعوث الأممي يان كوبيش، سيقدِّم تحديثًا شهريًا للوضع في ليبيا، كما هو مقرر اليوم الأربعاء، مؤكدًا أنه لم يحدد موعد لمغادرته.
وبحسب صحيفة الغارديان، فإن أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر أبلغوا الثلاثاء، باستقالة كوبيش، بينما قال نائب مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، إنه ليس لديه ما يشير إلى أسباب مغادرته، وإنه يسعى لمعرفة المزيد.
وتولى كوبيتش، البالغ من العمر 69 عامًا، الذي كان مبعوثًا للأمم المتحدة إلى لبنان، منصبه في ليبيا، في يناير، لتثمر جهوده وجهود سلفه، تولي سلطة تنفيذية موحدة لقيادة البلد الإفريقي، حتى الانتخابات المزمع إجراؤها، الشهر المقبل.
مجلس منقسم
وانقسم مجلس الأمن مؤخرًا، على إعادة تشكيل قيادة البعثة السياسية للمنظمة العالمية في ليبيا، بينما دعا العديد من الأعضاء إلى نقل منصب المبعوث من جنيف إلى طرابلس.
وبحسب «الغارديان»، فإن تجديد المهمة السياسية للأمم المتحدة في ليبيا، الذي كان إجراءً شكلياً، واجه عقبة رئيسة في سبتمبر الماضي بشأن هذه القضية.
وكانت النتيجة حرب شد وجذب، استمرت ثلاثة أسابيع بين لندن، التي أصدرت قرارًا بتمديد المهمة، وموسكو التي هددت مرارًا باستخدام حق النقض (الفيتو) على الإجراء، إلا أن مجلس الأمن وافق نهاية المطاف في 30 سبتمبر على التمديد، لكن حتى أواخر يناير فقط.
صفعة للمجتمع الدولي
وصفت «فورين بوليسي»، استقالة يان كوبيش، بأنها صفعة لجهود المجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار في ليبيا وتسهيل الانتخابات، في محاولة لإنهاء عقد من الفوضى والعنف.
وقالت إن الخطوة تأتي بعد أن ضغط زعماء العالم، بمن فيهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي ونائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، على الليبيين للمضي قدمًا في انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وشاملة وذات مصداقية، في 24 ديسمبر المقبل.
كان المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، وهو أحد المخضرمين في حل المشكلات بالأمم المتحدة، استقال في مارس 2020، بصورة مفاجئة، أرجعها حينها، إلى اعتلال الصحة والإحباط من الدور الذي لعبته الدول الأعضاء الرئيسة، بما في ذلك تركيا وروسيا، في تأجيج الصراع.
وقالت «فورين بولسي»، إن الجهود المبذولة استمرت لإيجاد بديل يمكنه حشد الدعم من القوى الكبرى في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكذلك الدول الإفريقية، على مدى تسعة أشهر، حيث تم رفض مرشح محتمل واحد تلو الآخر من قبل مجلس منقسم.
ونقلت الصحيفة عن أحد الدبلوماسيين البارزين قوله، إن كوبيش قد يكون خرج عن الحدود بالإبحار في السياسة الليبية الصعبة، مشيرًا إلى أنه اشتبك مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، بشأن نهج المنظمة في الانتخابات، فالأول أيد علنًا قانونًا انتخابيًا تبناه مجلس النواب الليبي، في خطوة قال إنها قيدت مرونة الأمم المتحدة إلى حد كبير.
وتوقع خبراء في تصريحات لـ«فورين بوليسي»، أن يكون اختيار الأمم المتحدة لمبعوثها القادم، أكثر حرصًا بعد استقالة كوبيس المفاجئة، مؤكدين أن المنظمة العالمية قد تكون بصدد إجراء بعض التعديلات على خطة لعبتها في ليبيا، حتى لو كانت تلك الجهود مضطرة إلى تجاوز المماطلة من القوى الكبرى.
كما توقعوا أن يحل ريزيدون زينينجا، الدبلوماسي الزيمبابوي الذي يشغل منصبًا رفيعًا في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، محل كوبيس بصفته بالنيابة، في حين أن الدبلوماسي البريطاني المخضرم نيكولاس كاي هو أيضًا قيد النظر لتولي المنصب.
من جانبه، قال جليل حرشاوي، الخبير بالشؤون الليبية في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية: «ما حدث مع كوبيش، في كثير من النواحي، غير مسبوق»، متوقعًا أن تختار الأمم المتحدة خليفته بطريقة أكثر منهجية وحذرًا، مقارنة بالظروف التي وصفها بـ«المخزية» التي سمحت للمبعوث الأممي باختيار مقره في جنيف.
وتوقع أن يكون مقر المبعوث الأممي المقبل، في العاصمة طرابلس، إلا أنه قال إن موافقة مجلس الأمن على الشخص الجديد، لن تكون سهلة ولا سريعة.
وأشار حرشاوي إلى أن هناك «احتمالاً واضحاً» الآن بتأجيل الانتخابات في ظل رحيل كوبيش.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي معتز بلعيد، في تصريحات لـ«السياق»، إن الاستقالة جاءت عقب اجتماع المبعوث الأممي إلى ليبيا برئيس المجلس الأعلى للقضاء، بعد أن أصدر الأخير قرارًا سبَّب فوضى قانونية، في ما يخص آلية الطعن ضد المرشحين.
وأوضح بلعيد، أن الساعات المقبلة ستكشف أسباب الاستقالة، خاصة أن هناك اجتماعًا لمجلس الأمن اليوم، سيكشف فيه كوبيتش كواليسها، خلال إحاطته المرتقبة.
وتوقع المحلل الليبي، ألا تؤثر الاستقالة بشكل كبير في سير العملية الانتخابية، خاصة أن المبعوثين السابقين لم يكونو مؤثرين ما عدا المبعوثة الأمريكية ستيفاني وليامز.
98 مرشحًا
وبحسب مفوضية الانتخابات الليبية، التي أغلقت باب الترشح لأول انتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا، فإن 98 مرشحًا بينهم امرأتان تقدموا بطلبات للترشح في الانتخابات الرئاسية، أبرزهم سيف الإسلام القذافي والقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة تصريف الأعمال عبدالحميد الدبيبة.
خلال أحد عشر يومًا، ستعلن مفوضية الانتخابات القائمة النهائية للمرشحين، بعد الانتهاء من مرحلة الطعون والبت فيها، لتبدأ بعدها مرحلة الحملات الانتخابية، بحسب رئيس المفوضية عماد السايح الذي قال إن ملفات المرشحين الأولين أحيلت إلى الجهات القضائية والأمنية المختصة للبت فيها.
وقال رئيس المفوضية عماد السايح، في مؤتمر صحفي، عُقد اليوم في العاصمة طرابلس، لإعلان تطورات العملية الانتخابية، إنه بإغلاق باب الترشحات تنتهي مرحلة وصفها بـ«الحساسة» من مراحل العملية الانتخابية التي يتطلع الليبيون إلى نجاحها واستكمال مراحلها اللاحقة.
وأكد السايح، أن ما وصفه بـ«التدافع الكبير» من المرشحين على خوض غمار المنافسة، سيؤخر الاستعلام عنهم من الجهات ذات العلاقة.