رغم أزمة القمح... مزارعون سودانيون يجدون صعوبة في تصريف إنتاجهم
وتشكل واردات الخرطوم من القمح من موسكو وكييف معًا بين 70 و80% من احتياجات السودان، بحسب تقرير الأمم المتحدة العام الماضي.

السياق
في السودان، أزمة قمح وخبز، ورغم ذلك، تتكدّس أكياس القمح في منزل المزارع السوداني عماد عبدالله، بسبب الضائقة الاقتصادية التي تمر بها الحكومة، التي تشتري محصوله سنويًا.
وانتهى عبدالله من حصاد محصوله منذ مارس، ووُعد بالحصول على 43000 جنيه سوداني (75 دولارًا) للجوال زنة 100 كيلوغرام، وهو سعر تحفيزي حددته الحكومة للمزارعين، لتشجيعهم على زراعة القمح.
لكن لم تخرج جوالات القمح من منزله الصغير، الذي يقع قرب حقله في اللعوتة بولاية الجزيرة جنوبي الخرطوم.
يقول عبدالله، البالغ من العمر 45 عامًا، لوكالة فرانس برس: "مضى شهران منذ جمعت المحصول ولم يعد بإمكاني تخزينه في المنزل بعد الآن، إنه أمر يزعج عائلتي".
ويضيف: "كنا نمنح الحكومة المحصول، ولم نضطر لإعادته إلى المنزل خصوصًا أننا ليست لدينا مخازن مهيأة للاحتفاظ به".
ويشاطر عبدالله في محنته آلاف المزارعين السودانيين، الذين يزرعون القمح كجزء من مشروع الجزيرة الزراعي، وهو الأكبر نطاقا في السودان.
وأسهم المشروع -على مدى عقود- في تغطية جزء من إجمالي احتياجات السودان من القمح البالغة 2.2 مليون طن سنويًا.
لكن هذا العام، لم تستطع السلطات السودانية شراء كميات القمح، تاركة المزارعين يتدافعون لإخلاء مخازنهم.
ويعاني السودان -الفقير أساسًا- أزمة اقتصادية متفاقمة، منذ الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، في الخامس والعشرين من أكتوبر، التي أطاح فيه شركاءه المدنيين من السلطة، بينما يمر السودان بفترة انتقالية، بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير عام 2019.
ودفعت الإجراءات حكومات الدول الغربية إلى قطع المساعدات المالية عن السودان.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير وتداعياته على أسعار الحبوب والوقود، تلوح أزمات غذاء في العالم، لاسيما في بلدان تعتمد في وارداتها -بشكل أساسي- على الدولتين المتنازعتين.
نقص الأموال
وتشكل واردات الخرطوم من القمح من موسكو وكييف معًا بين 70 و80% من احتياجات السودان، بحسب تقرير الأمم المتحدة العام الماضي.
وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) في مارس أن يغطي إنتاج القمح المحلي هذا العام ربع احتياجات القمح في السودان فقط.
وقالت وزارة المالية السودانية، إنها ملتزمة بتوفير احتياطي استراتيجي من القمح يصل إلى 300 ألف طن.
إلا أن مسؤولًا بالبنك الزراعي في ولاية الجزيرة -فضَّل عدم كشف اسمه- قال لوكالة فرانس برس: "البنك ليست لديه أموال حتى يشتري القمح هذا العام".
وأضاف: "طلبنا أموالًا من وزارة المالية وبنك السودان المركزي ولم نلق استجابة".
وأكد مسؤول آخر بوزارة المالية السودانية نقص الأموال.
الشهر الماضي، نظم العشرات من مزارعي القمح بالولاية الشمالية احتجاجًا خارج البنك الزراعي، بعدما رفض استلام حصاد محاصيلهم.
ويقول المزارع مضوي أحمد بولاية الجزيرة لوكالة فرانس برس من مخزن غلاله: "لقد زرعت القمح هذا الموسم على مساحة 16 فدانًا وملأت 120 جوالًا بكميات وصلت زنتها إلى 12 طنًا".
وأضاف أن البنك الزراعي وافق على شراء أقل من نِصف الكمية التي أنتجها، بينما يخشى أن يفسد النصف الآخر قبل أن يجد زبائن له.
ويوضح الخبير الزراعي عبدالكريم عمر أن القمح يمكن أن يحتفظ بصلاحيته ما يصل إلى عام ونصف العام، عند تخزينه في صوامع، بشرط الحفاظ على درجة الحرارة والرطوبة، إلا أنه "يمكن أن يفسد في أقل من ثلاثة أشهر"، إذا كان مكان التخزين غير ملائم.
لن يزرعوه
يقول محافظ مشروع الجزيرة عمر مرزوق: "يطالب المزارعون الحكومة بشراء القمح وإذا لم تستجب، لن يزرعوه".
ويضيف أن توقف الحكومة عن شراء القمح كبّد المزارعين خسائر خصوصًا أن الأسعار المعروضة من التجار الراغبين في الشراء متدنية.
ومع بدء موسم الزراعة الجديد، لم يتحمس المزارعون لتحضير أو حرث أراضيهم.
ويقول الباحث الزراعي عبداللطيف البوني إن المزارعين "على أعتاب بداية موسم زراعة المحاصيل الصيفية ولا نشاهد تحضيرًا للأراضي".
ويخشى كمال ساري، أحد مسؤولي منظمات المزارعين بولاية الجزيرة، أن يؤدي إحجام المزارعين عن زراعة القمح إلى التأثير في توفير "غذاء المواطن السوداني".
ويتعرض السودانيون إلى موجة قاسية من ارتفاع الأسعار في الأشهر الأخيرة، شملت الوقود والكهرباء والسلع الأساسية، وبلغ معدل التضخم قرابة 200%.
وحذرت الأمم المتحدة من أن أكثر من 18 مليون شخص، أي ما يقرب من نِصف سكان السودان، سيعانون الجوع الحاد بحلول سبتمبر.
والأسبوع الماضي، أفادت منظمة "أنقذوا الأطفال" بوفاة طفلين لأسباب تتعلق بالجوع شمالي دارفور غربي البلاد.