رحلة بايدن للشرق الأوسط تهدف إلى إحياء القيادة الأمريكية في المنطقة

بعد أن نجحت في إحياء التحالف الغربي بعد غزو أوكرانيا... إدارة بايدن تسعى إلى تحالف أقوى في الشرق الأوسط

رحلة بايدن للشرق الأوسط تهدف إلى إحياء القيادة الأمريكية في المنطقة

ترجمات-السياق

سلَّط الكاتب الأمريكي البارز حسين إيبش الضوء على الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، المقررة منتصف يوليو المقبل، قائلاً إن هذه الزيارة تنطوي على أكثر بكثير من مجرد محاولة لدعم العلاقات مع الشركاء التقليديين، أو إعادة ضبط العلاقات بشكل إيجابي مع المملكة العربية السعودية.

وأوضح الكاتب، في تقرير لـ"معهد دول الخليج العربية بواشنطن"، أنه يبدو أن الولايات المتحدة تحاول تكرار نجاحها، الذي أعقب الغزو الروسي لأوكرانيا، في إحياء التحالف الغربي وإعادة توحيد أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا، من خلال تنشيط الكتلة التي كانت تقودها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وأضاف: "يأتي هذا الجهد وسط الفشل الواضح للمفاوضات غير المباشرة في فيينا، لإحياء اتفاقية خطة العمل المشتركة الشاملة النووية مع إيران، إذ وصلت المحادثات إلى طريق مسدود بسبب مطالبة طهران بأن تزيل واشنطن الحرس الثوري من قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، صحيح أن المفاوضات مازالت جارية من الناحية الفنية، لكن حتى لو ظل هدف السياسة الخارجية الأمريكية، تأمين اتفاق مقبول مع طهران، فإن بناء نظام جديد موثوق به، من الاحتواء والردع المكثف ضد إيران وشبكة الوكلاء الإقليميين المرتبطين بها، يظل ضرورياً".

شراكة حقيقية

ورأى الكاتب أنه يجب بناء أي معسكر مُعزز بشكل فعال بقيادة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، على شراكة فعلية بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي، خاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى دول عربية، مثل مصر والأردن، مشيراً إلى أن واشنطن تتخذ خطوات لتحسين العلاقات مع هذه الدول والجمع بينها في تعاون أوثق، لكن المفتاح –كالعادة- يكمن في الرياض، وهذا هو سبب إصرار بايدن على أن النقطة الرئيسة في رحلته ليست متعلقة بأسعار الطاقة، بل بشيء أكبر بكثير يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن إسرائيل، وهو ما يبدو -إلى حد كبير- كأنه رغبة في إعلان سياسة جديدة في الشرق الأوسط.

وذكر الكاتب أنه خلال حملته الانتخابية، في وقت مبكر من إدارته، بدا أن بايدن ينأى بنفسه عن السعودية، لذلك يبدو أن هذه الرحلة تعد تراجعاً كبيراً عن هذه السياسة، لأن الغزو الروسي لأوكرانيا أوجد ضرورة وفرصة جديدة لواشنطن في الشرق الأوسط.

وأضاف: "يبدو أن صانعي السياسة في الولايات المتحدة يدفعون نحو حملة ذات جبهتين من الاحتواء والردع في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، إذ تحوط الشركاء الأمنيون الثلاثة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط (إسرائيل والسعودية والإمارات) بردودهم في ما يتعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا، الذي كان إشارة تحذيرية لواشنطن، فعلى مدى عقد من الزمان، فقدت هذه الدول الثقة بشكل كبير في الولايات المتحدة كضامنة للأمن، وبذلك بدأت تأكيد التنويع الاستراتيجي، وشمل ذلك التواصل مع المنافسين العالميين لواشنطن، مثل روسيا والصين، وكذلك، مع بعضهما، لاسيما في حال إسرائيل والإمارات، وقد أصبحت واشنطن منزعجة -بشكل خاص- من تنامي النفوذ الصيني، وباتت الخلافات على النقل المزعوم أو المحتمل للتكنولوجيا الأمنية الأمريكية الحساسة إلى بكين، مصدر خلاف مع تل أبيب وأبوظبي، كما تسعى الرياض أيضاً إلى بناء جسور مع بكين، ورداً على ذلك، فإن الولايات المتحدة لا تحاول إعادة بناء علاقاتها الثنائية فحسب، بل أيضاً تعزيز تعاونها معهم ضد إيران".

ورغم أن إسرائيل والإمارات والسعودية، وقفت -نهاية المطاف- إلى جانب الولايات المتحدة ضد روسيا، في قرار شديد اللهجة للجمعية العامة للأمم المتحدة يدين الغزو، فإن الـدول الثلاث استمرت في إبقاء الباب مفتوحاً لموسكو، وربما بشكل أكثر وضوحاً لبكين، لكن نظراً لأن كل ذلك بُني على الرواية الخاصة بتراجع الولايات المتحدة وافتقارها إلى الإرادة والتأثير، على عكس صعود روسيا والصين، فقد أتاحت تداعيات غزو أوكرانيا فرصة فريدة لتغيير هذه الرواية، وإعادة هيكلة الحسابات القائمة عليها، حسب الكاتب.

 

تطور موقف بايدن

وأضاف الكاتب الأمريكي أن رحلة بايدن المقررة إلى السعودية، ستشمل تحريك سياسة واشنطن تجاه المملكة، كما أن لفتة لقاء الرئيس الأمريكي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ترسل الكثير من الإشارات لعودة العلاقة مع المملكة إلى طبيعتها، لكن بخلاف تفاصيل هذه الزيارة، وبصرف النظر عن أهميتها الدبلوماسية والسياسية، فإنها تمثل حجر الأساس لمعسكر أكثر تكاملاً ونشاطاً بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة.

 

خطوات عملية

ووفقاً للكاتب، رغم استمرار الشكوك في الولايات المتحدة، خاصة في الكونجرس، وفي دول الخليج العربية بشأن مصداقية وإخلاص بعضهما، فإن عام 2022 كان حافلًا بالخطوات العملية التي اتخذتها واشنطن والشركاء الإقليميون للضغط من أجل بناء شراكة أكثر تماسكاً، إذ إنه في تحرك للبناء على الاتفاقيات الإبراهيمية، نقلت إسرائيل أنظمة رادار الإنذار المبكر المتطورة إلى الإمارات والبحرين لتعزيز دفاعاتهما الصاروخية، كما نمت الشراكة الإماراتية الإسرائيلية بسرعة منذ توقيع الاتفاقيات صيف 2020، وألغت السعودية القيود المفروضة على رجال الأعمال الإسرائيليين الذين يدخلون المملكة، لتسهيل التجارة المتعلقة بالأمن، كما جرى تقريب البلدين من بعضهما، عندما تحركت الولايات المتحدة لإشراك تل أبيب في ترتيبات لنقل السيادة على جزيرتين مهمتين في البحر الأحمر من مصر إلى السعودية، بينما يواصل المسؤولون الإسرائيليون دعوتهم إلى تحالف مفتوح مع دول الخليج العربي ضد إيران.

وتابع: "كما أنه منذ نوفمبر 2021 على الأقل، بذلت الإمارات جهوداً لتأمين ضمانات للدفاع المتبادل مع الولايات المتحدة، واستمرت المحادثات أوائل يونيو الجاري، عندما ورد أن هناك اتفاقية استراتيجية قيد المناقشة الجادة، وأن منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط، بريت ماكجورك، قد سلَّم مسودة الاتفاقية إلى أبوظبي أواخر مايو الماضي، وهو الاتفاق الذي سيمثل اختراقاً كبيراً في العلاقات العربية الأمريكية الخليجية، ومن المرجح أن يتجاوز الفوائد التي تتمتع بها الكويت والبحرين وقطر كحلفاء رئيسين من خارج (الناتو) للولايات المتحدة، إذ يعد هذا الاتفاق -الذي يشير إلى التزام أمريكي كبير بأمن الإمارات- مكوناً ضرورياً في بناء حملة جديدة أكثر تنسيقاً وقوة من الاحتواء والردع ضد إيران".

رحلة بايدن

ورأى الكاتب أن هذا الاتفاق خطوة مهمة في إقناع أبوظبي، وربما المملكة العربية السعودية، بأن الولايات المتحدة لن تدير ظهرها لحلفائها في الخليج، لكنها، بدلاً من ذلك، مستعدة لإعادة الالتزام بأمنهم، وهو ما سيكون حاسماً لإقناع هذه الدول، وحتى إسرائيل، بالتخلي عن عقد من التنويع الاستراتيجي، لاسيما في ما يتعلق بالعلاقات مع روسيا والصين، وإعادة الالتزام بإطار عمل أمني تعمل فيه واشنطن كمركز للتنسيق.

ونهاية التقرير، قال الكاتب إن بعض مؤيدي رحلة بايدن والالتزام الأمني الجديد تجاه دول الخليج العربي، بالتعاون مع إسرائيل، ينظرون لهذه الرحلة كخطوة أولى نحو تحمل هذه الدول المسؤولية الأساسية عن أمنها واستقرارها الإقليمي، موضحاً أنه صحيح أن دعم هذا التحالف المحتمل وحمايته يتطلبان ممارسة الولايات المتحدة لدور كبير بعض الوقت، فإنه في حال ثبت هذا الهيكل الأمني ​​الإقليمي أنه فعال وله القدرة على الاستمرار، فإنه يمكن أن يكون عاملاً رئيساً في تقليص الوجود العسكري للولايات المتحدة في المنطقة، ونقل العبء الدفاعي بشكل متزايد على الشركاء المحليين.