فايننشال تايمز: لماذا حرب أوكرانيا هدية لإيران؟
بعد فرض الكثير من العقوبات الغربية على الكيانات الروسية، فإن رجال الأعمال الروس مهتمون جدًا بمعرفة كيف يعيش الإيرانيون في ظل العقوبات الأمريكية.

ترجمات - السياق
مع اقتراب الحرب الدائرة في أوكرانيا من دخول شهرها الرابع، كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن العديد من رجال الأعمال الروس المتضررين من العقوبات، يسعون للحصول على نصائح من إيران، بناءً على التجربة التي عاشتها طهران في ظل العقوبات الأمريكية والغربية.
وقالت -في تقرير- إنه منذ غزو روسيا أوكرانيا في فبراير الماضي، ازدهرت أعمال علي، المرشد السياحي الإيراني، وبات يستضيف رجال الأعمال الروس -المهتمين بالفن والطعام والثقافة الفارسية- بدلًا من السياح العاديين.
ونقلت الصحيفة عن علي قوله: بعد فرض الكثير من العقوبات الغربية على الكيانات الروسية، فإن رجال الأعمال الروس مهتمون جدًا بمعرفة كيف يعيش الإيرانيون في ظل العقوبات الأمريكية.
وأشارت إلى أنه -الشهر الماضي وحده- أحضر علي -وهو رجل أعمال رفض نشر اسمه الكامل- 160 روسيًا إلى طهران، معظمهم من رجال الأعمال، وهو رقم كبير مقارنة بنحو 40 سائحًا فقط معظمهم روس في مايو قبل تفشي وباء كورونا.
تحول لافت
وبينت "فايننشال تايمز" أن رجال الأعمال الروس اعتادوا زيارة إيران لبيع المنتجات، ورغم أنهم كانوا ينظرون إلى الشركات الإيرانية باستياء، فإنهم -في تحول لافت- يتطلعون لشراء المنتجات الإيرانية.
وكشف علي أنه مع تقليص شركات السلع الاستهلاكية الغربية تجارتها مع موسكو ، أصيب الروس بدهشة كبيرة لوجود الكثير من هواتف آبل بكثرة في إيران، مشددًا على أنها ليست المنتج الاستهلاكي الغربي الوحيد المتاح في إيران، رغم العقوبات.
وأشارت الصحيفة، إلى أن إيران عانت طوال أربع سنوات بسبب العقوبات الأمريكية المتأرجحة التي قطعت صلاتها بالنظام المالي العالمي، منذ تخلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن الاتفاق النووي لعام 2015.
وبينت أنه من الممكن أيضًا الحصول على سلع من الشركات الاستهلاكية الغربية الرائدة مثل فيليبس وبوش، إلا أنه ليس من الواضح كيف تصل هذه البضائع إلى إيران، مشيرة إلى أنه قد يكون بعضها مهربًا، والبعض الآخر جلبه أفراد من الخارج عبر تركيا أو شمالي العراق، حيث يعاد شحن البضائع لتجنُّب العقوبات الأمريكية.
وبحسب علي، فإن الروس يتخلفون كثيرًا عن الإيرانيين في ما يتعلق بالاتصالات والوصول إلى الأسواق السوداء في العالم لشراء قطع غيار وسلع أوروبية وأمريكية.
ورغم هذه التحديات، فإن الصحيفة البريطانية، ترى أنه بصرف النظر عن هذا البحث غير الرسمي للحصول على المشورة، فقد استفادت طهران -بطرق أخرى- من الحرب في أوكرانيا، إذ أدى الارتفاع الكبير في أسعار النفط إلى المزيد من الدخل للاقتصاد، الذي أصبح معتمدًا على مبيعات النفط الخام إلى الصين والصادرات غير النفطية إلى جيرانه.
وأوضحت أنه رغم تضرر الاقتصاد الإيراني من العقوبات، وارتفاع معدلات التضخم والفقر على نطاق واسع، فإن قدرة الشركات الإيرانية على مواصلة التصدير والاستيراد والتهرب من العقوبات، ساعدت في تقليل تأثير العقوبات.
تشتيت انتباه الغرب
وحسب "فايننشال تايمز" فإن تخفيف العقوبات سيكون متاحًا إذا وافقت إيران مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
وأشارت إلى أن الجهود الدبلوماسية لإبرام اتفاق نهائي تعثرت، وتعرضت لضربة أخرى الأسبوع الماضي، عندما أعلنت طهران أنها ستزيل 27 كاميرا تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية من منشآتها النووية.
روسيا -الموقعة على الاتفاق- من جانبها، أعاقت تقدم المحادثات التي توسط فيها الاتحاد الأوروبي بفيينا في مارس الماضي، بإصرارها على رغبتها في ضمانات بأن العقوبات الأمريكية على موسكو لن تؤثر في تعاونها مع إيران، وفق الصحيفة البريطانية.
ورغم هذه المعوقات، فإنه -حسب الصحيفة البريطانية- لا يزال بعض الإيرانيين يعتقدون أن الحرب في أوكرانيا -في البداية على الأقل– عملت على تشتيت انتباه القوى الغربية عن المحادثات النووية بين إيران والدول الكبرى المتوقفة في فيينا.
ونقلت الصحيفة عن أحد المطلعين على الأمور من داخل النظام الإيراني، قوله: "كانت حرب أوكرانيا هدية من الله لإيران"، مشيرًا إلى أن الأمريكيين والأوروبيين يركزون على كيفية التعامل مع مشكلاتهم الخاصة المتمثلة في ارتفاع معدلات التضخم وأسعار المواد الغذائية.
وأضاف أن روسيا والصين اعتادتا حث إيران على توقيع اتفاق مع القوى الغربية، لكن الآن لديهما مخاوف أخرى، متابعًا: "لم نعد نسمع من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذه المطالب".
وحسب الصحيفة، اعترفت السلطات الإيرانية بأن التدخل الروسي في أوكرانيا، أوجد فرصة جيدة لإيران، إذ صرح وزير الصناعة الإيراني رضا فاطمي أمين للصحفيين بعد فترة وجيزة من الغزو الأوكراني بأن "آثار الحرب الإيجابية في الاقتصاد الإيراني أكبر بكثير من آثارها السلبية".
بينما قال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، في اجتماع مع الشركات بطهران في مايو: "إننا نسير على الطريق الصحيح لزيادة التعاون التجاري والاقتصادي واللوجستي والاستثماري والمالي والمصرفي"، وفقًا لوكالة إنترفاكس، وأضاف أن التجارة المتبادلة ارتفعت أكثر من 10 في المئة في الربع الأول من العام الجاري.
وبحسب الجمارك الإيرانية، بلغ حجم التجارة بين البلدين 2.2 مليار دولار نهاية مارس الماضي.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنه حتى قبل الحرب الأوكرانية، كانت تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، تؤيد توسيع العلاقات مع الصين وروسيا، إذ قال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفق معه على أن مستوى التجارة بين البلدين "غير مُرضٍ"، في إشارة لضرورة زيادة هذه التعاملات.
كما قال وزير النفط الإيراني جواد أوجي، إن الجانبين اتفقا أيضًا على استخدام عملتي بعضهما -الريال والروبل- في التجارة، وهو ما يعكس الصعوبة التي يواجهها الطرفان في الوصول إلى الدولار.
لا فوائد
في المقابل، نقلت "فايننشال تايمز" عن محللين إيرانيين تحذيرهم من أن اقتصادات البلدين، المعتمدة على صادرات الطاقة، متشابهة للغاية بحيث لا يمكن أن يكون هناك العديد من الفوائد.
وأشاروا إلى الاقتصاد الإيراني يتضاءل أمام الاقتصاد الروسي، وهو أكبر بسبع مرات من الاقتصاد الإيراني من حيث الناتج المحلي الإجمالي، بناءً على أرقام البنك الدولي لعام 2020.
ونقلت الصحيفة عن علي شمس أردكاني، خبير الطاقة، قوله: "على أولئك الذين يعتقدون أن روسيا يمكن أن تتحول إلى شريك استراتيجي أن يقرأوا التاريخ ليدركوا أن روسيا ليست لديها مبادئ، ومن ثمّ إذا لم يفعل المسؤولون أي شيء الآن، فسوف يزيل الروس ما تبقى من سوق النفط الإيراني في آسيا وسيكونون اللاعب الرئيس في سوق النفط الآسيوية".
ورغم هذه التحذيرات، فإن عددًا من المحللين، بينوا أن الصراع في أوكرانيا كان له تأثير إيجابي في الأعمال التجارية بإيران، مشيرين إلى أن رجال الأعمال الروس مهتمون -في الغالب- بالحصول على قطع غيار للآلات الثقيلة وكذلك مواد البناء.
واستطردوا، حسب الصحيفة البريطانية: "الاحتياجات الروسية تدخل السوق الإيرانية ببطء"، لافتين إلى أن الأمر قد يستغرق عامًا أو عامين، حتى تتمكن الشركات الإيرانية والروسية من العمل معًا بكفاءة، بشرط استمرار العقوبات على موسكو.