فساد يزكم الأنوف.. 4 بعثات دبلوماسية ليبية بالخارج في قبضة النيابة العامة

4 بعثات دبلوماسية ليبية بالخارج ترفل في الفساد.. هل تحتاج طرابلس لأكثر من نائب عام؟

فساد يزكم الأنوف.. 4 بعثات دبلوماسية ليبية بالخارج في قبضة النيابة العامة

السياق (خاص)

وسط أزمة سياسية «خانقة» ضلت طريقها نحو الحل، تعيش العاصمة الليبية التي ترزح تحت حكم المليشيات المسلحة على بحور من الفساد الذي أزكمت رائحته الأنوف، وطاردت جرائمه البلد الإفريقي خارجيًا.

وبينما يتخذ رئيس حكومة تصريف الأعمال عبدالحميد الدبيبة من الإغراء بالمال والنفوذ سلاحًا لجذب مؤيدين، بات تعيين السفراء في الخارج مكافأة على ولائهم هدية معتادة من الرجل الذي يرفض تسليم السلطة إلى الحكومة التي منحها البرلمان الثقة.

فالحكومة التي طالتها قبل أشهر فضائح فساد ضربت معظم وزرائها، اتهمت المؤسسات التابعة لها، خاصة ديوان رئاسة الوزراء في سبتمبر/أيلول الماضي، بارتكاب تجاوزات ومخالفات مالية وعمليات تلاعب وهدر للمال العام عبر استخدام حساب الطوارئ لغير الأغراض المخصصة له وأداء مصروفات تخص بنود الباب الثاني بالمخالفة للقانون المالي للدولة.

إلا أن الحكومة القابضة على السلطة بالمخالفة للاتفاق السياسي لم تتورع عن فضائح الفساد في الداخل التي باتت أوراقها تنمو يومًا تلو الآخر، بل إن رائحة هذه «الآفة» امتدت لتشمل البعثات الدبلوماسية في الخارج.

 

فماذا حدث؟

في بيان صادر مساء الجمعة، واطلعت «السياق» على نسخة منه، فإن النائب العام في ليبيا الصديق الصور، أمر بفحص ومراجعة العمل الإداري والمالي المسند إلى رئيس بعثة دولة ليبيا لدى جمهورية أوغندا من سنة 2013 حتى سنة 2017.

وقالت النيابة العامة، إنه باِستقصاء حقيقة تصرفات الموظف الخاضع للإجراءات؛ وبَحثِ عناصر الجرائم التي استوعبها الاستجواب؛ تبيَّن للنيابة العامة تَعَمُّد المتهم التصرف في مائتين وخمسين ألف دولار بالمخالفة لمقتضيات التشريعات الناظمة لأوجه صرف المال العام؛ وتعمَّد إلحاق الضرر بالمال العام.

ولم يكتف الدبلوماسي الليبي بالتربح لنفسه بالمخالفة فقط، بل إنه ساهم في ارتكاب واقعة تحقيق منافع مادية غير مشروعة لغيره تمثَّلت في سبعمائة وستين ألف دولار؛ ومخالفة الواجبات المسلكيَّة بتجاوزه حدود اختصاصاته ومَنْعِه المراقب المالي من أداء العمل المكلَّف به؛ ليصدر أمر من النيابة العامة بحبس المتهم احتياطيًا.

ومن البعثة الدبلوماسية الليبي في أوغندا إلى جنوب إفريقيا لم يكن ليختلف الوضع كثيرًا، فالفساد بات سيد الموقف، وهو ما كشف عنه بيان للنيابة العامة اطلعت «السياق» على نسخة منه، مشيرة إلى أنها حركت دعوى عمومية في مواجهة رئيس بعثة دولة ليبيا لدى جمهورية جنوب إفريقيا؛ وسلفه؛ والمراقب المالي المنسَّب إلى البعثة.

وقالت النيابة العامة، إن رئيس النيابة بمكتب النائب العام تولى مباشرة إجراءات التحقيق إزاء ما ظهر في التقارير الرقابية من تجاوزات شابت الإجراءات الإدارية والمالية الموكل إليهم اتخاذها؛ مما أسفر عن إثبات واقع اتجاه إرادتهم إلى الإضرار بالمال العام والمصلحة المعهودة إليهم؛ والتآمر مع آخرين لتسهيل حصولهم على عشرات الآلاف من النقد الأجنبي لأنفسهم ولغيرهم بالمخالفة للتشريعات الناظمة لأوجه صرف المال العام.

وأمر النائب العام، بحبس المتهم احتياطيًا؛ والمضي في طلب استيفاء بقية الإجراءات؛ موجهًا الجهات الضبطية بضبط وإحضار باقي المتهمين المسجلة أسماؤهم بمدونة محضر تحقيق النيابة العامة.

ومن إفريقيا إلى آسيا كانت وقائع فساد البعثات الدبلوماسية نقطة التماس المشتركة، وخاصة بعد أن أمر النائب العام بإجراء تدابير التحقيق الابتدائي في وقائع التعدِّي على حرمة أموال موصوفة بالعمومية، مِمَّن عُهِدَت إليهم سلطة ضبط تنفيذها فيما خُصِّصَت له في بعثة دولة ليبيا لدى دولة قطر.

 

إساءة استغلال الوظيفة

وقالت النيابة العامة، إن رئيس النيابة بمكتب النائب العام باشر إجراءات التحقيق حيال تقرير رفعه أعضاء ديوان المحاسبة إلى النيابة العامة، تضمَّن نتائج مبنية على فحص وتدقيق دلَّلَت على انحراف عن الوجهة الصحيحة في سلوك المراقب المالي المنسَّب إلى البعثة وسلفه.

وبحسب النيابة العامة، فإن تحقيقاتها كشفت عن تعمُّد المتهمين إساءة استعمال سلطاتهما الوظيفة لغرض تحصيل عشرات الآلاف من النقد الأجنبي لأنفسهم ولغيرهم.

وأشارت إلى أن النائب العام أمر بحبس المتهمين احتياطيًا، بعد قيام الدليل الكافي على صحة إسناد واقعات الفساد إلى المتهميْن؛ وإثبات عناصر جرائم الإضرار بالمال العام والحصول على منافع مادية غير مشروعة بمخالفة التشريعات الضابطة لأوجه صرف المال العام؛ انتهت النيابة العامة إلى الأمر بحبسهما احتياطيا على ذمة التحقيق.

 

ملاحقة المعتدين

البعثة الدبلوماسية الليبية في أوكرانيا كانت حاضرة هي الأخرى، فالنيابة العامة كشفت عن أنها اتخذت تدابير رامية إلى ملاحقة المعتدين على الأموال العامة المعتمدة لتسيير أعمال بعثة دولة ليبيا لدى جمهورية أوكرانيا .

وقالت النيابة العامة، إن تقارير فحص ومراجعة العمل الإداري والمالي لدى ليبيا، أظهرت أن ثلاثة رؤساء سابقين للبعثة، تولوا من سنة 2012 حتى سنة 2019؛ تعدوا على مخصَّصات تقديم الخدمة الطبية؛ ومخصصات الإيفاد للدراسة في الدولة المعتمد لديها؛ وغيرهما من المخصصات؛ بتحديد أوجه التصرّف في قيمتها على غير الوجهة التي قُصِدَ من خلالها تحقيق مصلحة عامة؛ مما ترتَّب عنه الإضرار بمستحقي الخدمة، ممن أوجب القانون على البعثة رعايتهم وإلحاق ضرر جسيم بالمال العام؛ وتحصيل مئات الآلاف من النقد الأجنبي لأنفسهم ولغيرهم بالمخالفة للتشريعات الناظمة للعمل المالي؛ وضوابط صيانة المال العام.

وقررت النيابة العامة حبس رؤساء البعثة الثلاثة؛ بعد أن واجهتهم بالأدلة القائمة قبلهم.

وحول ذلك الفساد، حذر عضو المجلس الانتقالي الليبي المنتهية ولايته محمود شمام، من عمليات استمرار الفساد في ليبيا، مؤكدًا أن انتشار الفساد يتطلب أكثر من نائب عام وزيادة عدد السجناء.

وقال شمام ساخرًا: «سنحتاج إلى مراقب مالي لكل مراقب مالي وماس كهربائي في كل مؤسسة».

من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن فساد البعثات الدبلوماسية يبدأ من وزارة الخارجية في حكومة تصريف الأعمال والتي قال إنها تحولت إلى بوابة فساد واسعة منذ عهد وزير الخارجية السابق في حكومة الوفاق الوطني محمد سيالة.

 

سر التوقيت

وأوضح المحلل السياسي الليبي، أنه رغم «الآلاف» من ملفات ولكن لم يحرك النائب العام ساكنًا في آلاف من ملفات الفساد والنهب الممنهج في هذه الوزارة منذ 2011 وعلى وجه الخصوص ملفات فساد ما يسمى بعلاج الجرحى من الثوار.

وحول سر التوقيت، توقع المحلل السياسي الليبي أن يكون إما لتصفية حسابات شخصية أو استهداف بعض الأشخاص بغرض الدعاية والحرص على المال العام، مشيرًا إلى أن معدلات الفساد والنهب في ليبيا ومنذ 2011 سجلت أرقامًا قياسية في العالم، والتي كان لوزراء الدبيبة نصيب الأسد فيها، وخاصة وزارات الخارجية والتعليم العالي والصحة والأوقاف ودار ما يسمي بالإفتاء والشركة العامة للكهرباء والمصارف الخارجية وشركات الاستثمار والبلديات.

وأشار إلى أن الفساد في ليبيا «أصبح ثقافة سائدة، ويمارس جهارًا نهارًا وبدون أي رادع لا أخلاقي ولا قانوني»، مشيرًا إلى أنه منذ مجيء عبد الحميد الدبيبة إلى السلطة زاد الفساد وتمدد بشكل أفقي ليشمل كل أعمال الحكومة.