وول ستريت جورنال: بايدن يقدم السعوديين كبش فداء.. ولا حل سوى الاحتياطي الأمريكي
إدارة بايدن تخطط لإعادة تقييم تحالف أمريكا المستمر منذ ثمانية عقود مع المملكة العربية السعودية على خلفية قرار أوبك+ الأسبوع الماضي بخفض إنتاج النفط.

ترجمات - السياق
اعتبرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، أن إلقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن، المسؤولية بشأن أزمة الطاقة العالمية، على المملكة العربية السعودية "تدليس ومغالطة"، مشيرة إلى أن ربط قرار منظمة أوبك بلس بخفض إنتاج النفط، بارتفاع الأسعار، فضلًا عن الأزمة المحتملة في أوروبا -جراء وقف النفط الروسي- محاولة لتقديم الرياض كـ"كبش فداء" لسياسة واشنطن غير الحكيمة في هذا الشأن، مشددة على أن الحل الوحيد لمواجهة هذه الأزمة هو "إنتاج الولايات المتحدة المزيد من النفط".
وقال محمد اليحي المحلل السياسي السعودي، والباحث في المجلس الأطلسي -في تحليل نشرته الصحيفة الأمريكية-: إن "بايدن يقدم السعوديين كبش فداء في أزمة الطاقة التي صنعها، بترك حقولها النفطية عُرضةً للصواريخ الإيرانية". مشددًا على أن هناك طريقة سهلة لمنع صدمة أخرى في أسواق العالم وهي الاعتماد أكثر على الاحتياطي الأمريكي من النفط".
ونوَّهت وسائل إعلام أمريكية عدة إلى أنه بعد قرار مجموعة "أوبك بلس" بخفض إنتاجها من النفط، يبدو أنَّ التحالف السعودي الأمريكي يمر بأزمة كبيرة، في الوقت الذي تستفيد فيه روسيا من زيادة عائداتها النفطية وتتمكن من تمويل عدوانها على أوكرانيا.
ورد بايدن بوضوح شديد على قرار مجموعة "أوبك بلس" (أوبك+) بخفض إنتاجها من النفط مليوني برميل يوميًا، ما يعادل نحو 2 بالمائة من الإنتاج العالمي، اعتبارًا من بداية نوفمبر المقبل، قائلًا: إنه "قرار مخيب للآمال".
ورأى أنَّ القرار يشير إلى أن هناك "مشاكل"، في إشارة منه إلى السعودية الحليف التاريخي للولايات المتحدة وأهم عضو في مجموعة "أوبك بلس".
صرف الانتباه
وقال اليحي وهو زميل في مبادرة الشرق الأوسط في مركز هارفارد بيلفر وزميل أول في معهد هدسون-، إن إدارة بايدن تخطط لـ "إعادة تقييم" تحالف أمريكا المستمر منذ ثمانية عقود مع المملكة العربية السعودية بسبب قرار أوبك+ الأسبوع الماضي بخفض إنتاج النفط، لكن مواقف البيت الأبيض تبدو وكأنها محاولة لصرف الانتباه عن التأثيرات في الداخل لفشل واشنطن في متابعة انتقال ناجح إلى الطاقة النظيفة.
ورأى أن إلقاء اللوم على المملكة العربية السعودية، أو أوبك+، أو حتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأزمة الطاقة التي تنجم عن سياسة التحول من الوقود الكربوني إلى "الطاقة النظيفة"- على أساس افتراضات تبدو خيالية- أمر خادع.
وأشار إلى أنه "على عكس دول مثل اليابان أو الصين، يمكن لأمريكا أن تنتج نفطًا أكثر بكثير مما تستهلكه"، مضيفًا: "لا شك أن أسعار النفط التي يدفعها المستهلكون في الولايات المتحدة يعود سبب ارتفاعها إلى الخيارات التي يتخذها قادتهم وليس أحد آخر".
وبيّن أنّه في سبتمبر 2019، أصبحت الولايات المتحدة مُصدرًا صافيًا للنفط الخام والمنتجات البترولية للمرة الأولى، لافتًا إلى أنه في عام 2020، واصلت أمريكا تصدير المزيد من النفط، ولكن مع مزيد من الاستثمار في خطوط الأنابيب المحلية ومصافي التكرير وتقنيات الاستخراج وما نتج عنها من فرص عمل وصلت جميعها إلى مستويات عالية جديدة.
لكن في عام 2021، بدأت أمريكا في استيراد كميات من النفط الخام أكبر بكثير مما تنتجه، ثم في عام 2022، باتت الولايات المتحدة مرة أخرى مستوردًا صافيًا للنفط.
ويعلق اليحي على ذلك قائلًا: "في أقل من عامين، انهار الاستثمار في صناعة النفط الأمريكية المحلية، وانهارت طاقة التكرير الأمريكية، واختفت الوظائف التي أنتجها الاستثمار في النفط إلى حد كبير".
ويرى الباحث السعودي، أن أسباب هذا الانعكاس، التي جعلت الولايات المتحدة تعتمد على النفط المستورد في لحظة جيوسياسية خطيرة، ليست لغزًا، مشيرًا إلى أنه في انتخابات عام 2020، خاض السياسيون الأمريكيون -بما فيهم جو بايدن- هذه الانتخابات بمجموعة من السياسات التي تهدف إلى فطم الاقتصاد الأمريكي عن الوقود الأحفوري لصالح ما يسمى بالطاقة النظيفة.
وحسب الكاتب، تضمنت هذه السياسات حظر التكسير الهيدروليكي، وحظر الحفر، وإغلاق خط أنابيب كيستون بين كندا والولايات المتحدة، وتأسيس بنية تحتية جديدة لخدمة احتياجات الطاقة المستقبلية، ودعم الطاقة البديلة، مثل الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية.
وبالفعل أتت هذه السياسة أكلها وفاز بايدن برئاسة الولايات المتحدة، وهو ما علق عليه الكاتب قائلًا: "الأمر متروك للقادة السياسيين والناخبين الأمريكيين لتقييم فوائد وتكاليف الطاقة النظيفة".
وأشار إلى أنّه في بعض الأحيان، يختار الناخبون سياسات تُقلل من الناتج المحلي الإجمالي للبلد من خلال ارتفاع أسعار الوقود وغيرها من التدابير لتحقيق أهداف معينة، مثل تشجيع الناس على ركوب الدراجات أو استخدام وسائل النقل العام.
كما أنه -وفقًا لليحي- من حق القادة المنتخبين اتباع سياسات تعزز الصناعات المحلية الجديدة، حتى لو كانت تلك السياسات تقتل الصناعات القائمة، لافتًا إلى أنّ هذه السياسات قد تعزّز أيضًا أشكالًا جديدة من الاعتماد على شركاء التجارة الخارجية مثل الصين- المصدر الرائد في العالم وفي بعض الحالات الوحيد للمعادن الأرضية النادرة الضرورية لدورة وقود الطاقة الشمسية -.
شيطنة السعودية
ورأى اليحي أن ما سماه محاولة بايدن (شيطنة السعودية)، لرفضها "تسييس" إنتاج النفط بينما تتفاوض الولايات المتحدة على اتفاق نووي إيراني يمول البرامج التي تسمح لطهران بإطلاق صواريخ على حقول النفط السعودية، إنما هو "كبش فداء" لسياسات إدارة بايدن الخاطئة، ومحاولة لإلقاء المسؤولية بعيدًا عن أصحابها.
وقال: "كبش الفداء يُسمم العملية الديمقراطية بمحاولة منع المواطنين من التعرّض بشكل صحيح لنتائج اختياراتهم"، معتبرًا أن السياسيين يقومون بتقصير آليات التصحيح الذاتي التي تسمح للديمقراطية بالعمل، وبدلاً من ذلك، فإنَّ المسؤولين المنتخبين يجعلون السياسة تتحمل العواقب السلبية للاختيارات من خلال لوم الكيانات الأجنبية على النتائج المتوقعة.
ففي الأسبوع الماضي -حسب الكاتب- أطلق بعض المعلقين في واشنطن اتهامات للسعودية "بالانحياز إلى جانب روسيا" بعد إعلان أوبك+ عن تخفيضات إنتاج صغيرة نسبيًا.
فيما كشف وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في بيان، الخميس الماضي، أنَّ الولايات المتحدة طلبت من أوبك+ تأجيل الإعلان عن خفض إنتاجها لمدة شهر، وقال إنّه يرفض مثل هذه "الإملاءات" من واشنطن.
وحسب اليحي، يعتبر رقم مليوني برميل يوميًا الذي يُشار إليه غالبًا أمرًا لافتًا للنظر ولكنه مضللٌ لأن العديد من دول أوبك+ لا تفي بحصص إنتاجها الحالية بما مجموعه حوالي مليون برميل يوميًا، وبالتالي، فإنَّ التخفيض الفعلي لأوبك+ يبلغ حوالي مليون برميل فقط، مضيفًا: "تشير استجابة الأسواق الهادئة للإعلان إلى أنها مزودة بإمدادات جيدة ولا تبالغ في رد فعلها".
كما أنَّ قرار أوبك+ بخفض الإنتاج ليس مسألة تتعلق بالمصلحة الوطنية السعودية وحدها، إذ تقول دول الخليج إنها تأمل بفضل الخفض الأخير، أن يكون لدى أوبك+ طاقة احتياطية أكبر للاستجابة لاضطرابات السوق التي من المحتمل أن تنشأ هذا الشتاء.
وأشار الكاتب إلى أن هذه الاضطرابات المحتملة تنجم عن عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النفط الروسي، فضلًا عن عدم الاستقرار الناجم عن تهديدات بوتين باستخدام الأسلحة النووية.
وأمام ذلك، تساعد الطاقة الفائضة، دول الخليج في الحفاظ على توازن الأسواق، مما يقلّل من فرص حدوث كارثة اقتصادية عالمية، علاوةً على ذلك، سيخلق استقرار الأسعار بيئة أكثر ملاءمة للاستثمار المستدام في مرافق التكرير التي ستعزز استقرار السوق.
وخلص اليحي تحليله بالقول: "إذا كانت أمريكا تريد منع حدوث صدمة أخرى في أسواق الطاقة العالمية، فعليها أن تبدأ في إنتاج المزيد من النفط".