ما مصير احتاجاجات إيران؟
التظاهرات -التي بدأت احتجاجًا على مقتل مهسا أميني- تحولت إلى حركة مناهضة للحكومة، مع ترديد هتافات -الموت للديكتاتور- في جميع أنحاء البلاد.

ترجمات - السياق
دخلت الاحتجاجات في إيران، التي اندلعت على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني بعد اعتقالها من قِبل الشرطة بدعوى ارتدائها حجابًا غير "لائق"، شهرها الثاني وسط فشل القمع الأمني وسقوط عشرات القتلى في إخماد لهيبيها.
وتحولت أميني البالغة من العمر 22 عامًا إلى رمز لتمرد الإيرانيين عامة والنساء على وجه الخصوص ضد النظام الحاكم في البلاد منذ عودة الإمام الخميني من المنفى عام 1978.
وأدت هذه الاحتجاجات إلى مقتل أكثر من 100 شخص فيما لا تزال التعبئة الشعبية متواصلة من أجل المطالبة بممارسة الحريات الديمقراطية والعيش دون قيود دينية أو اجتماعية.
بدورها، سلّطت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، الضوء على ما سمته نضال الإيرانيين ضد نظام الملالي.
ونقلت الصحيفة عن طالبة جامعية قررت المشاركة في التظاهرات، قولها: "بالنسبة لنا نحن النساء، الحياة معركة ونضال مستمر ضد هذا النظام".
قتل المتظاهرين
وتُبين الطالبة البالغة من العمر 20 عامًا لصحيفة واشنطن بوست، أنها حينما انضمت للتظاهرات داخل الجامعة، تصورت أن الوضع هناك سيكون أكثر أمانًا منه في الشوارع، حيث يتم إطلاق النار على المتظاهرين وضربهم من قِبل قوات الأمن الإيرانية بلا هوادة.
وقالت: "شعرت أن عليّ أن أفعل شيئًا ما"، مشيرة إلى أنه رغم أن التظاهرة كانت محدودة جدًا، إلا أن جميع الطالبات المشاركات فيها ظللن يرددن "امرأة.. حياة.. حرية"، متجنبين الشعارات الأكثر عدوانية التي تدعو إلى إسقاط الحكومة، حتى لا يتعرضن لأي اعتداء من قِبل قوات الأمن.
وذكرت أن شرطة مكافحة الشغب سرعان ما انتشرت في الحرم الجامعي، مما دفع الطلاب إلى البحث عن ملجأ، خوفًا من الاعتقال أو الضرب.
وتعلق الطالبة -التي رفضت ذكر اسمها لأسباب تتعلق بسلامتها الأمنية- قائلة: "أشعر بالغضب والاشمئزاز من الطريقة التي يُعامل بها الناس".
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن التظاهرات -التي بدأت احتجاجًا على مقتل مهسا أميني- تحولت إلى حركة مناهضة للحكومة، مع ترديد هتافات "الموت للديكتاتور" في جميع أنحاء البلاد.
وأمام ذلك، وللوقوف على حقيقة الأمر، تحدثت واشنطن بوست إلى أربعة إيرانيين في العاصمة، طهران، عن الانتفاضة وكيف أنها تحول بلدًا طالما حكمه الخوف، وقد تحدث الجميع شريطة عدم الكشف عن هوياتهم لتجنب الأعمال الانتقامية من قِبل السلطات.
هدم النظام
وقالت امرأة تبلغ من العمر 53 عامًا: "نريدهم أن يرحلوا.. وأسأل الله كل يوم أن يهدم هذا النظام بطريقةٍ ما".
وفي سلسلة من الرسائل الصوتية، روت السيدة الإيرانية، كيف أصيب ابنها برصاصة أثناء محاولته الهرب من قوات الأمن.
وقالت: "عندما رأيت ابني يتألم والدماء تملأ جسده، شعرت بالانهيار"، موضحة أنها تتناول دواءً مضادًا للقلق أثناء النهار وحبوبًا منومة ليلاً للتعامل مع الضغط العصبي الذي أصيبت به مؤخرًا.
وأشارت إلى أن ابنها البالغ من العمر 30 عامًا انضم إلى الاحتجاجات، للمطالبة بالحرية، مشيرة إلى أنه في بادئ الأمر كان يحاول مساعدة بعض الشباب المتظاهرين، والذين أصيبوا جراء إطلاق الأمن النار عليهم، إلا أنه أثناء ذلك هاجمته الشرطة أيضًا، فأصيب هو الآخر بطلق ناري.
والتقط الابن طرف الحديث وقال للصحيفة الأمريكية، أثناء تلقيه العلاج: "كنا محظوظين أنا وأصحابي لأننا كنا عدّائين، لذلك تمكنا من الابتعاد أسرع من الآخرين، لكن هذا لم يمنعني من الإصابة برصاصة في المؤخرة".
وبيّنت الصحيفة، أن العشرات من المتظاهرين قتلوا على يد الشرطة الإيرانية (سيئة السمعة)، من بينهم ما لا يقل عن 19 طفلاً، فيما أصيب المئات واعتقل الآلاف، لافتة إلى أن الخوف من الاعتقال يجعل من الصعب التحقق من الرقم الحقيقي للقتلى والمصابين.
فيما أفادت منظمة العفو الدولية أن قوات الأمن أطلقت الذخيرة الحية على المتظاهرين، وأساءت استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، وضربت الناس بوحشية بالهراوات، مشيرة إلى أنه رغم اعتقال العديد من النشطاء والصحفيين والمحامين، إلا أن كل هذا "القمع" لم يسحق الحركة الاحتجاجية التي تدخل شهرها الثاني على التوالي.
نمط مألوف
وبيّن الشاب المصاب -الذي يعمل مدربًا- أن المظاهرات في شوارع إيران باتت نمطًا مألوفًا يوميًا، وارتفع سقف المطالب من التنديد بقتل "أميني" إلى المطالبة برحيل النظام -الذي يحكم البلاد منذ نحو أربعة عقود- برُمّته.
وقال: "في الصباح يذهب الناس إلى عملهم، ومن ثمّ لا تكون هناك أي تظاهرات، لكن بعد الظهر، يبدأ السائقون في إطلاق أبواقهم تضامنًا مع المحتجين، ومع حلول المساء يخرج الناس إلى الشوارع، مدركين أنه سيكون من الصعب على قوات الأمن التعرف عليهم في الظلام".
وأوضح أنه يستيقظ هو وآخرون قبل الفجر بشكل يومي ليهتفوا (الموت لخامنئي) من داخل منازلهم- في إشارة إلى المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي- حتى يسمعهم عملاء الحكومة الذين يجوبون الشوارع وينقلون هذه المطالب إلى قادتهم، لتصل شيئًا فشيئًا إلى المرشد الأعلى ذاته.
وأضاف: "اضطررت إلى تجربة عدة أماكن مختلفة للانضمام إلى هذه الهتافات لأنَّ هناك بالفعل أشخاصًا يراقبون منازلنا"، متابعًا: "علينا إطفاء كل الأضواء عندما نهتف ضد النظام".
فيما قالت والدته إنها تصاب بالذعر في كل مرة يغادر فيها المنزل، وهي تعلم أنه قد يُقتل أو يُصاب، مضيفة: "لكنني لا أريد منعه، لأنه علينا جميعًا التحرك من أجل مستقبل أفضل لأطفالنا".
واستطردت في حديثها للصحيفة: "سأكون كاذبة لو قلت إنني لم أكن خائفة كل يوم، ولكن الشيء الغريب هو أن شعوري بالأمل يسيطر عليّ بشكل مختلف هذه المرة"، في إشارة إلى أن التغيير قد يكون قريبًا من إيران، مستدركة: "يبدو الأمر كما لو أنه لم يتبق لنا شيء نخسره".
غضب عميق
وتعليقًا على ذلك، نقلت واشنطن بوست عن علي أنصاري، أستاذ التاريخ الإيراني في جامعة سانت أندروز في إسكتلندا، قوله: إن الغضب والإحباط اللذين يقودان الاحتجاجات واسع وعميق، وملحوظ عبر الأجيال.
وأضاف: "الحشود ليست كبيرة كما في الاحتجاجات السابقة، لكنها من نواحٍ كثيرة أكثر تصميمًا وإصرارًا، ولديهم إحساس بأن النظام يجب أن يتغير"، متابعًا: "الشباب هم من يقود التظاهرات هذه المرة، ولكن بدعم غير محدود من فئات أخرى، سواء كبار السن أو النساء".
وأوضح أن رؤية فتيات المدارس يحرقن حجابهن عوضًا عن العلم الأمريكي يزعج السلطات بشكل لافتٍ، فتكون النتيجة مواجهة ذلك بمزيد من القمع.
فيما أكد الشاب المصاب أنه يقضي معظم أيامه في محاولة العثور على اتصال إنترنت مستقر في طهران- وهو ما يحتاجه لتعليم فصول اللياقة البدنية عن بُعد- لكن ذلك أصبح "أكثر صعوبة 20 مرة" منذ أن بدأت الحكومة في التضييق على خدمات الإنترنت في شتى أنحاء البلاد.
ورغم كل هذه العقبات التي وضعتها الدولة والقوة المميتة التي تستخدمها ضد المتظاهرين، إلا أن المدرب "واثق من أن الحركة ستستمر حتى تحقق هدفها في إسقاط هذا النظام".
وتوقع الشاب، قرب انهيار النظام الحالي، قائلًا: "سيأتي يوم قريب تكون فيه الحشود كبيرة جدًا بحيث يتعذر على النظام التحكم فيها".
وحسب الصحيفة، فإن البعض الآخر لديه آمال أكثر تواضعًا، إذ قالت امرأة أخرى في منتصف الخمسينيات من عمرها، وهي أم لطفلين، إن حياتها اتسمت بالاضطراب؛ في البداية ثورة 1979، ثم صدمة الحرب الإيرانية العراقية، تليها عقود من النضال الاقتصادي والاجتماعي.
هذه السيدة -حسب الصحيفة- لا تعتبر نفسها شخصًا يهتم بالسياسة، لكن العنف الذي أطلقته الحكومة ضد المتظاهرين صدمها، قائلة: "الجميع مكتئبون وغاضبون، لا أحد يبتسم ولا توجد علامة على الحياة".
ووصفت مظاهر الحياة في شوارع طهران مع تزايد التظاهرات، بأنها باتت "مدينة أشباح".
وحسب الصحيفة، فقد انضمت ابنتها إلى المظاهرات داخل جامعتها، وقالت السيدة: إن ابنتها وجميع المتظاهرين الآخرين في شتى أرجاء إيران يقاتلون من أجل الحرية، مشيرة إلى أن الحرية تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين.
وحول سؤالها (ماذا يعني ذلك لها؟)، أجابت: "الحرية هي عندما لا يكون عليك أن تقلق باستمرار من أن شخصًا ما سيبلغك بخبر وفاة طفلك في أي لحظة"، في إشارة إلى القمع الذي تنتهجه قوات الأمن ضد المتظاهرين.