انفراجة في العراق بعد عام من الشلل السياسي.. ماذا بعد انتخاب رشيد وتكليف السوداني؟
التحدي الذي ينتظر عبداللطيف رشيد ومحمد شياع السوداني، هو كيفية إعادة العراق إلى الحضن العربي، وإبعاده عن المحور الإيراني، وأن يكون مجددًا ركيزةً للأمن العربي القومي.

السياق
بعد عام من الشلل السياسي الذي ولَّد انقسامًا حادًا في صفوف القوى السياسية في العراق، حدثت انفراجة مفاجئة ومدوية في آنٍ واحدٍ، بانتخاب رئيس وتكليف رئيس للحكومة في البلد الغني بالنفط.
وانتخب البرلمان العراقي مساء الخميس السياسي الكردي عبد اللطيف رشيد رئيسًا، فيما أعلن الأخير تكليف محمد شياع السوداني رئيسًا للوزراء، خلفًا لرئيس الوزراء الحالي.
ورغم أن تكليف الرجلين سينهي جمودًا استمر لعام بعد الانتخابات العامة التي أُجريت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أن ظروف تكليفهما وضعت الكثير من علامات الاستفهام، وطرحت أسئلة قد تحمل الإجابة عنها آمالًا غير سارة للعراق الذي يكافح للخروج من أزمته السياسية الحادة.
انقسام شديد
فانتخاب عبداللطيف رشيد أثار انقسامًا شديدًا بين الحزبين الكرديين الرئيسين وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ساند رشيد، وغريمه التقليدي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي رشح صالح، ما أثار مخاوف بشأن تصعيد التوتر بين الحزبين اللذين خاضا حربًا أهلية في تسعينيات القرن الماضي.
أما ترشيح السوداني رئيسًا للحكومة العراقية، فيعدّ خطوةً قد تؤدي في ظاهرها إلى غضب التيار الصدري الذي اعترض على تكليفه الأشهر الماضية، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات في الشارع خلفت قتلى وجرحى، إلا أن إجراء تفاهمات مع زعيم التيار مقتدى الصدر، قد يجنّب العراق عودة التظاهرات الغاضبة إلى الشارع مرة أخرى.
فماذا يعني انتخاب رشيد رئيسًا وتكليف السوداني رئيسًا للحكومة؟
أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة بالسليمانية زمكان علي سليم، قال إن انتخاب رشيد ضرب العلاقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، والتي باتت في أدنى مستوياتها.
ورغم ذلك، إلا أن أستاذ العلوم السياسية، قال إن «التوتر لن يؤدي إلى انقطاع العلاقة بين الطرفين وستهدأ في النهاية، لسببين أولهما أن رشيد عضو في الاتحاد الوطني الكردستاني وزوجته شخصية قوية داخل الحزب».
إلا أن الرجلين المكلفين حديثًا تنتظرهما مهام ثقيلة؛ إذ عليهما أن يديرا دفة البلد الآسيوي وسط انقسام حاد وقضايا متزاحمة، فيما يترقب منتقدوهما والشارع الغاضب خطواتهما.
تحديات صعبة
إلا أن المهمة الأصعب تنتظر رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، والتي تتمثل في تشكيل الحكومة التي ستكون المحاصصة أحد عوامل تعطيلها، فيما سيكون التيار الصدري العقبة الأكبر.
وكان رئيس الحكومة المكلف محمد شياع السوداني، تعهد مساء الخميس، في تغريدة عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، بتقديم التشكيلة الوزارية في أقرب وقت، مضيفًا: أعد العراقيين أن أكون عند حسن ظنهم بتقديم التشكيلة الوزارية بأقرب وقت، وأن تكون حكومةً قويةً وقادرةً على بناء البلد وخدمة المواطنين وحفظ الأمن والاستقرار وبناء علاقاتٍ دوليةٍ متوازنة».
أما التحدي الثاني الذي ينتظر السوداني ورشيد معًا، هو كيفية إعادة العراق إلى الحضن العربي، وإبعاده عن المحور الإيراني، وأن يكون مجددًا ركيزةً للأمن العربي القومي، إلا أنه سيتطلب جهودًا مضنية، خاصة أن العراق بات في قبضة إيران ومليشياتها، ما يستدعي تحركًا وطنيًا جماعيًا، وأن يستفيدا من الزخم الشعبي الرافض لوجود طهران.
تحدٍّ ثالث سيكشف إذا ما كان السوداني قادرًا على ضبط الدفة، يتمثل في السلاح المنتشر في العراق، والذي يحتاج إلى إرادة قوية وخطة وطنية، تستدعي تحركات سريعة وجماعية، لتحييد هذا الخطر الذي يؤرّق العراقيين وجيران البلد الآسيوي.
هيمنة إيران
وحول تلك التحديات، قال حمدي مالك المختص في شؤون الفصائل المسلحة الشيعية العراقية في معهد واشنطن، إن الجماعات المدعومة من إيران باتت تهيمن الآن على البرلمان العراقي ولديها سلطة قضائية تجمعها بها علاقات ودية، وتسيطر على السلطة التنفيذية.
وأوضح حمدي مالك، أن إيران ستسعى إلى الاستفادة من تلك الأذرع تدريجيًا أو بشكل مفاجئ عبر محاولة تهميش أو طرد أنصار التيار الصدري من أجهزة الدولة، مشيرًا إلى أن النهج الخاص بكيفية قيامها بذلك سيحدد كيف سيكون رد فعل الصدر.
بدوره، قال المحلل السياسي العراقي منيف الحربي، في تصريحات تلفزيونية تابعتها «السياق»، إنّه على العرب العمل على إعادة العراق إلى الحضن العربي مرة أخرى وانتشاله من براثن إيران، مشيرًا إلى أنه على دول الخليج التي بدأت إعادة وتوثيق العلاقات مع بغداد، ألا تنتظر متى تخرج إيران، حتى تمكن البلد الآسيوي من العودة للأمن العربي.
وأوضح المحلل السياسي أنه على القوى الدولية الداعمة للعراق، الاستفادة من تغيّر مواقف النخب السياسية المحلية والمزاج الشعبي تجاه إيران، مشيرًا إلى أنه يجب مساعدة بغداد على استعادة دولتها الوطنية وأن تعود ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي العربي.
تشكيل الحكومة
ومن التدخلات الإيرانية إلى الداخل المحلي والذي بات رهينة لرغبات طهران، يقول سرمد البياتي الخبير الأمني والضابط العراقي السابق، إنه بينما لم يصدر أي رد فعل رسمي من التيار الصدري حول تكليف السوداني رئيسًا للحكومة، إلا أنَّ هناك بعض أعمال الشغب التي نشبت في محافظة ذي قار ومحافظات أخرى.
ورغم ذلك، إلا أنه قال إن التيار الصدري لن يبدأ بالتصعيد، متوقعًا وجود مفاوضات تحت الطاولة، عبر حوارات لم تعلن تفاصيلها، لإقناع مقتدى الصدر لإعطاء مهلة للحكومة، لنرى ما يمكن أن تنتجه.
وحذَّر الخبير الأمني العراقي من أنه إذا لم يستطع السوداني تشكيل حكومته خلال 30 يومًا من تكليفه، سيعود العراق إلى نقطة الصفر، إلا أنه توقع أن تكون التشكيلة الوزارية جاهزة والذي تنتظر موافقة التيار الصدري عليها.
وطالب سرمد البياتي، رئيس الحكومة المكلف بتحييد خطر السلاح المنفلت والموجود بكثرة، عبر الاعتماد على الكفاءة والمهنية، مشككًا في الأنباء المتداولة بتسليم حقيبة وزارة الداخلية لنبيل جاسم الذي قال إنّه لا علاقة له بالأمن، وسيمثل أزمة إن طرح هذا الاسم.
ضوء أخضر
بدوره، قال المحلل السياسي العراقي فلاح الذهبي، إن حضور أعضاء مجلس النواب في جلسة انتخاب الرئيس كان لافتًا وغير متوقع، مشيرًا إلى أنه جاء بعد تنسيق واتفاقات أفضت إلى ذلك المشهد.
وفيما توقع الذهبي، أن يشارك التيار الصدري في الحكومة وسيقدم مقترحاته خلال أسبوع أو عشرة أيام، مشيرًا إلى أن مشاركة حلفاء للصدر في جلسة انتخاب الرئيس يعني أنهم حصلوا على ضوء أخضر من التيار الصدري.
إلا أن رئيس مركز بغداد للدراسات السياسية الدكتور مناف الموسوي، كان له رأي مخالف، فالسياسي العراقي قال إن الفائز الأول في مشهد انتخاب الرئيس أمس هي الانتهازية البراجماتية على الثقة، بالإضافة إلى مقتدى الصدر الذي أثبت أنه صاحب مشروع.
وفيما قال الموسوي، في تصريحات تلفزيونية تابعتها «السياق»، إن الإطار التنسيقي «غدر» بالاتحاد الكردستاني في مسألة انتخاب الرئيس، أكد أنه لأول مرة يتم ترشيح حكومة مرفوضة شعبيًا ومن التيار الصدري كذلك.
هؤلاء الخاسرون
وحول سبب الاعتقاد بأن الإطار «غدر» بالاتحاد، قال محمود خوشناو القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إنه كان هناك اتفاق بين ائتلاف دولة القانون وقوى الإطار التنسيقي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني لتمرير عبداللطيف رشيد رئيسًا للعراق، بالمخالفة لقرار الاتحاد الوطني بالاتفاق على برهم صالح رئيسًا.
ورغم أنه قال إن الخاسر في هذه المرحلة هي التفاهمات والثقة، قال إنه على السوداني المضي قدمًا في ترميم البيت السياسي العراقي، وتشكيل حكومة قوية مقتدرة.
وأشار إلى أن هناك محاولات لأخذ مباركة التيار الصدري على الحكومة؛ فحكومة عراقية يرأسها السوداني بدعم الصدري، أفضل من حكومة عراقية يرأسها السوداني دون مباركة من مقتدى الصدر.
وحول إمكانية لجوء التيار الصدري إلى الشارع مجددًا، استبعد خوشناو، ذلك، قائلًا، إنه يجب إتاحة الفرصة لتشكيل الحكومة، مشيرًا إلى أن هناك محاولات لجلب دعم التيار الصدري لهذه الحكومة، على الأقل للذهاب إلى انتخابات أخرى.