العقوبات على روسيا توسع مساحة الجزائر في خريطة الطاقة العالمية
الجزائر تتغلب على عُقد تاريخية للانفتاح أكثر على أسواق الطاقة الأوروبية

السياق
تتجه أوروبا أخيرًا إلى إفريقيا لحل أزماتها من الغاز -ولو جزئيًا- عبر محطة الجزائر، متطلعةً لشراكة إستراتيجية طويلة الأمد في مجال الطاقة مع الدولة الأكثر إنتاجية للغاز بالقارة السمراء، في الوقت الذي تشتد فيه الأزمة أوروبيًا مع اقتراب فصل الشتاء.
وأكدت مفوضة الاتحاد الأوروبي للطاقة كادري سيمسون، خلال منتدى أعمال الطاقة بين الجزائر والاتحاد رغبة القارة في تعزيز التعاون مع الجزائر كمورّد موثوق به للغاز إلى أوروبا. وأشارت إلى أن العلاقة مع روسيا انهارت بشكل غير قابل للتراجع، وأن الاتحاد يتوجه حاليًا لسد الفجوة التي تخلفها وقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا.
موسكو كانت تسيطر على حصة 40% من إجمالي واردات الغاز إلى أوروبا وتوقفت بشكل نهائي أغسطس الماضي بحجة احتياج خطوطها إلى الصيانة بالدول الأوروبية التي تفرض العقوبات عليها منذ اندلاع الحرب في فبراير الماضي.
فالوضع الصعب الذي تعيشه أوروبا وضيق الحيّز الزمنيّ جعلها تتجه لثالث أكبر شريك لها في مجال الطاقة بعد روسيا والنرويج بإجمالي 11% من واردات القارة العجوز من الغاز.
خريطة طاقة جديدة
وقالت كادري سيمسون إن الاتحاد يقدم للجزائر شراكة إستراتيجية طويلة الأمد، وإن الشراكة لا ينبغي أن تقتصر على الغاز الطبيعي فقط، وإن هناك الكثير يمكن التعاون فيه معًا، منها الحد من انبعاثات غاز الميثان والطاقات المتجددة، ولا سيما مع امتلاك الجزائر أحد أكبر حقول الطاقة الشمسية في العالم.
امتلاك الجزائر عدة خطوط أنابيب تربطها مع أوروبا ومحطة تسييل الغاز الطبيعي في كسيكدة، وقربها الجغرافي، بالإضافة إلى رغبتها في توسيع رقعتها على خريطة الطاقة العالمية، عوامل تجعلها شريكًا إستراتيجيًا مثاليًا للقارة العجوز ولا سيما في ذلك التوقيت الحرج بالنسبة للأوروبيين الذين يجوبون العالم لحل أزماتهم من الغاز.
زيادة الإنتاج
وأكد أيمن عبد الرحمن، رئيس الوزراء الجزائري أن مجموعة النفط والغاز سوناطراك وضعت برنامجًا استعجاليًا بهدف زيادة إنتاج الغاز الطبيعي على المدى القصير، وإن إيجاد أنسب الحلول لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة مسؤولية الجميع.
سوناطراك الجزائرية نجحت في ضخّ حوالي 3.2 مليارات متر مكعب من الغاز ككميات إضافية في السوق الحرة منها تقريبا 2.6 مليار متر مكعب موجّهة لإيطاليا المستورد الأول للغاز الجزائري.
وفي يوليو الماضي أعلنت سوناطراك اكتشاف أكبر حقل غاز لها، والذي سيتم تطويره بسرعة لإضافة 3.65 مليارات متر مكعب من الإنتاج السنوي اعتبارًا من نوفمبر المقبل، وهو توقيت مناسب للغاية مع اقتراب فصل الشتاء الأوروبي.
الشراكة الاوروبية لن توفر للجزائر المكاسب المادية فحسب، بل تمنحها نفوذًا دبلوماسيًا في القارة العجوز، وفرص استثمارية جديدة، وهو ما يظهر في الزيارات المتعددة التي حظيت بها الجزائر خلال الأشهر الماضية من قادة الاتحاد الأوروبي ومنهم: رئيس الوزراء الإيطالي المنتهية ولايته ماريو دراجي، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأخيرًا رئيس وزراء فرنسا جان كاستيكس.
الطاقة المتجددة
وأشارت وسائل إعلامية أوروبية، إلى أن الخبراء مقتنعون بأن مستقبل شراكة الطاقة بين أوروبا والجزائر يكمن في مصادر الطاقة المتجددة، ولا سيما في مجال الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر.
وأوضحت مفوضة الاتحاد الأوروبي للطاقة، أن الاتحاد مستعد لتقديم تمويل كبير بالتعاون مع بنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير من أجل الجزائر، وأن الشراكة في مجال الهيدروجين محتملة بين الطرفين، ويمكن أن تعمل بشكل مشترك لتطوير إنتاج واستهلاك وتجارة الهيدروجين المتجدد ومشتقاته.
في الوقت نفسه تدرس الجزائر تصدير الكهرباء إلى أوروبا، إذ قال وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، إن الجزائر تنتج الكهرباء بكميات تسمح لها الولوج للأسواق العالمية لكن يجب توفر خطوط التوتر العالي بالبحر المتوسط، وهو مشروع في طور الدراسة.
وأضاف أنَّ الحكومة الجزائرية تسعى إلى إنتاج 50 بالمئة من الكهرباء من خلال الطاقات المتجددة بحلول 2035 بدل الغاز الطبيعي كما هي الحال اليوم.
مشاكل تاريخية
التحرك الجزائري حاليًا للتوسع على خريطة الطاقة العالمية يأتي بعد فترات صعبة اتهمت فيها الدولة ببيروقراطية وتحجر في تسيير القرارات، وشروط تعاقدية صعبة تُنفر الاستثمار ما أدّى إلى تأخر الكثير من المشاريع في أوقات سابقة وأعاق تنمية قطاع الطاقة رغم الإمكانيات الطبيعية.
وأشارت وسائل إعلام أوروبية أن تحول قد حدث مع إقرار قانون النفط الجديد في عام 2019 إذ تمّ توقيع صفقات جديدة، ولا سيما مشروع نفطي بقيمة 4 مليارات دولار مع شركة إيني الإيطالية وتوتال إنرجي الفرنسية وأوكسيدنتال الأمريكية.
وحققت الجزائر إنتاجًا قياسيًا من الغاز العام الماضي، بعدما قفز إلى أكثر من 100 مليار متر مكعب، بعد فترة من الركود منذ 1999 تذبذب الإنتاج خلالها بين 80-90 مليار متر مكعب سنويًا.