لوكربي ليبيا... كيف وصل أبوعجيلة مسعود إلى أمريكا وما كواليس اختطافه؟
وكالة أسوشتد برس، كشفت كواليس تسليم أبوعجيلة إلى الولايات المتحدة، وطريقة تسليمه.

السياق
أيام على إعادة فتح ملف قضية لوكربي، الذي أثار الكثير من الجدل محليًا ودوليًا، وأوقع حكومة الوحدة الوطنية -برئاسة عبدالحميد الدبيبة- في شرك الاتهامات، التي فشلت في التنصل منها.
ورغم مرور تلك الأيام، مازالت القضية مثار جدل كبير في الداخل الليبي، وسط مطالبات من البرلمان بضرورة محاكمة عبدالحميد الدبيبة بتهمة الخيانة العظمى، وتنديدات من المجلس الرئاسي بإعادة فتح القضية، التي مر عليها نحو 34 عامًا، وأغلقت بقرارات قضائية أمريكية وبريطانية، بعد دفع ليبيا مليارات الدولارات تعويضات للضحايا.
وعلى وقع ذلك الجدل، كان ملف وطريقة تسليم ضابط المخابرات الليبي السابق أبوعجيلة مسعود، المطلوب من الولايات المتحدة، بزعم صنع القنبلة التي أسقطت رحلة بان آم 103 المتجهة إلى مدينة نيويورك فوق قرية لوكربي بأسكتلندا، قبل أيام من عيد الميلاد عام 1988، ما أسفر عن قتل 259 شخصًا كانوا فيها و11 من سكان القرية، جراء تناثر حطامها، مثار جدل كبير.
ذلك الجدل أماطت وكالة أسوشتد برس اللثام عنه، الأحد، في تقرير ترجمته «السياق»، كشفت فيه كواليس تسليم أبوعجيلة إلى الولايات المتحدة، وطريقة تسليمه، والمكان الذي قضى فيه المدة بين اختطافه من مليشيات مسلحة وتسليمه إلى ليبيا.
فماذا قالت؟
تقول «أسوشتد برس»، إنه منتصف نوفمبر الماضي، وصلت ملييشيات «دعم الاستقرار» في شاحنتين من طراز تويوتا بيك أب إلى مبنى سكني، في أحد أحياء العاصمة طرابلس، مشيرة إلى أنهم اقتحموا المنزل وأخرجوا رجلاً معصوب العينين في السبعينيات من عمره.
وتقول الوكالة الأمريكية، إن هدفهم كان عميل المخابرات الليبية السابق أبو عجيلة مسعود، المطلوب من الولايات المتحدة، بزعم صنع القنبلة التي أسقطت رحلة بان آم 103 المتجهة إلى نيويورك فوق لوكربي.
بعد أسابيع من تلك الغارة الليلية في طرابلس، أعلنت الولايات المتحدة أن مسعود كان محتجزًا لديها، ما أثار دهشة الكثيرين في ليبيا، التي انقسمت بين حكومتين متنافستين، تدعم كل منهما مجموعة من الميليشيات والقوى الأجنبية.
وأشارت إلى أن أبوعجيلة نُقل إلى مركز احتجاز تديره إدارة الأمن الاجتماعي في طرابلس، ومكث هناك أسبوعين، قبل تسليمه إلى مليشيا أخرى في مصراتة، تعرف بالقوة المشتركة، التي تتبع الدبيبة مباشرة، مؤكدة أنها وحدة شبه عسكرية جديدة أنشئت كجزء من شبكة الميليشيات التي تدعمه.
وبحسب «أسوشتد برس»، فإنه جرى استجوب أبوعجيلة في مصراتة، من ضباط ليبيين بحضور ضباط المخابرات الأمريكية، كما قال مسؤول ليبي مطلع على الاستجواب.
إلا أن مسعود رفض الإجابة عن أسئلة بشأن دوره المزعوم في هجوم لوكربي، بما في ذلك محتويات مقابلة تقول الولايات المتحدة إنه قدمها إلى السلطات الليبية عام 2012 اعترف خلالها بأنه صانع القنابل، بحسب المسؤول الليبي، الذي قال إنه أصر على أن اعتقاله وتسليمه غير قانونيين.
وقال المسؤولون الليبيون، الذين رفضوا كشف هويتهم، خوفًا من الانتقام، إن أبوعجيلة نُقل إلى مدينة مصراتة الساحلية، ثم سُلِّم في النهاية إلى عملاء أمريكيين نقلوه خارج البلاد.
عام 2017، تلقى المسؤولون الأمريكيون نسخة من مقابلة عام 2012 قالوا فيها إن مسعود اعترف بصنع القنبلة والعمل مع متآمرين آخرين لتنفيذ الهجوم على طائرة بان آم، إلا أنه وفقًا لشهادة خطية من مكتب التحقيقات الفيدرالي قُدمت في القضية، فإن مسعود قال إن العملية كانت بأمر من المخابرات الليبية، وأن القذافي شكره وأعضاء آخرين في الفريق بعد ذلك.
متى اتخذ الدبيبة قرار تسليم أبوعجيلة؟
ما إن أطلق سراحه في يونيو الماضي، بعد أن أنهى مدة عقوبته، بات أبوعجيلة تحت المراقبة، وبالكاد غادر منزل عائلته في منطقة أبوسليم بالعاصمة طرابلس، بحسب مسؤول ليبي تحدث لـ «أسوشتد برس».
ويخضع الحي الذي يقطن فيه أبوعجيلة لسيطرة مليشيات دعم الاستقرار، وهي مظلة لميليشيات يقودها المليشياوي عبدالغني الككلي، وهو حليف مقرب من الدبيبة، اتهمته منظمة العفو الدولية بالتورط في جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، على مدى العقد الماضي.
وقال مسؤولون ليبيون إنه بعد إطلاق سراح مسعود من السجن، كثفت إدارة بايدن طلبات التسليم.
وقال مسؤول في حكومة الدبيبة منتهية الولاية، إن الأخيرة كانت مترددة في البداية، مشيرة إلى مخاوف من تداعيات سياسية وقانونية.
وقال المسؤول إن المسؤولين الأمريكيين واصلوا إثارة القضية مع الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها ومع المليشيات المسلحة الذين كانوا يتعاملون مع حكومة الدبيبة، مشيرًا إلى أنه مع تصاعد الضغوط، قرر الدبيبة ومساعدوه في أكتوبر الماضي، تسليم مسعود للسلطات الأمريكية.
وروى أربعة مسؤولين أمنيين وحكوميين ليبيين على دراية مباشرة بالعملية، تفاصيل الرحلة التي انتهت بمسعود في واشنطن، وتحدث المسؤولون إلى «أسوشيتيد برس» بشرط عدم كشف هويتهم خوفًا من الانتقام، مؤكدين أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا منذ أشهر لتسليم مسعود.
وقال أحد المسؤولين: «كل مرة يتواصلون فيها، كان أبو عجيلة على جدول الأعمال».
خطة الاعتقال والتسليم
ولتنفيذ اعتقال مسعود، دعت حكومة الدبيبة المليشياوي الككلي الذي يشغل أيضًا منصبًا رسميًا في الحكومة، لمناقشة قضية تسليم مسعود في اجتماع أوائل نوفمبر، بحسب مسؤول ليبي اطلع على الأمر.
وقال مسؤول حكومي إن الدبيبة أبلغ المسؤولين الأمريكيين بعد الاجتماع بقراره، ووافق على التسليم بغضون أسابيع في مصراتة، حيث تتمتع عائلته بنفوذ، ثم جاءت مداهمة منتصف نوفمبر الماضي.
وشكك البعض في شرعية تسليم مسعود، بالنظر إلى دور المليشيات المسلحة غير الرسمية وغياب إجراءات التسليم الرسمية.
وقال محللون إن الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها، المسؤولة عن تسليم مسعود، تسعى -على الأرجح- إلى حُسن النية والتصالح مع الولايات المتحدة، وسط صراعات السلطة في ليبيا.
وقال جليل حرشاوي، الخبير في الشؤون الليبية، الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: «تسليم أبوعجيلة يتناسب مع حملة أوسع نطاقًا يقودها الدبيبة، تتمثل في تقديم الهدايا إلى الدول ذات النفوذ»، مشيرًا إلى أن الدبيبة بحاجة إلى التملق لمساعدته في البقاء بالسلطة.
وقال حرشاوي إن تسليم مسعود يشير إلى أن الولايات المتحدة تتغاضى عما وصفه بأنه سلوك غير قانوني، مضيفًا: «ما تفعله الدول الأجنبية أنهم يقولون إننا لا نهتم بطريقة صنع النقانق. نحصل على الأشياء التي نحبها».
وفي ليبيا، تساءل الكثيرون عن شرعية القبض على مسعود، بعد أشهر فقط من إطلاق سراحه من سجن ليبي، وإرساله إلى الولايات المتحدة.
أمريكا تعلق
ورفض البيت الأبيض ووزارة العدل التعليق على التفاصيل الجديدة لتسليم مسعود، بينما قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، بشرط عدم كشف هويته تماشيًا مع اللوائح الموجزة، السبت، إن نقل مسعود كان قانونيًا، ووصفه بأنه تتويج لسنوات من التعاون مع السلطات الليبية.
وفتح المدعي العام الليبي تحقيقًا في أعقاب شكوى من عائلة مسعود، لكن لمدة أسبوع تقريبًا بعد إعلان الولايات المتحدة، التزمت حكومة الدبيبة، في حين انتشرت الشائعات لأسابيع عن اختطاف مسعود وتسليمه من قبل رجال الميليشيات.
الدبيبة يعترف
وبعد احتجاجات شعبية في ليبيا، أقر عبدالحميد الدبيبة، الخميس، بأن الحكومة سلمت مسعود، وفي الخطاب نفسه، قال أيضًا إن الإنتربول أصدر أمرًا باعتقاله.
وفي 12 ديسمبر الجاري، قالت وزارة العدل الأمريكية إنها طلبت من الإنتربول إصدار مذكرة توقيف بحقه.
وبعد سقوط وقتل الزعيم الليبي معمر القذافي في أحداث 2011 التي تحولت إلى حرب أهلية، اعتُقل مسعود، خبير المتفجرات في جهاز المخابرات الليبي، من قبل ميليشيات غربي ليبيا، وقضى 10 سنوات في السجن بطرابلس، لجرائم تتعلق بمنصبه في عهد القذافي.
وبعد أكثر من عقد من الزمان على وفاة القذافي، لا تزال ليبيا فوضوية وخالية من القانون، مع استمرار سيطرة الميليشيات على مناطق واسعة، بحسب الوكالة الأمريكية، التي قالت إن قوات الأمن في البلاد ضعيفة مقارنة بالميليشيات المحلية التي تتحالف معها حكومة الدبيبة بدرجات متفاوتة.