الدراما الرمضانية بين الأخطاء والتكرار... ركض في الدائرة المغلقة

الشخصية ذاتها التي اعتاد ارتداء لباسها، التي تتلخص في رجل مفتول العضلات، تعشقه النساء، صاحب القوة والمال، الذي يحبه الناس ويخافونه، ولا يجرؤ أحد على عصيانه، وهو الرجل الخير الذي اضطرته الظروف لمواجهة الشر

الدراما الرمضانية بين الأخطاء والتكرار... ركض في الدائرة المغلقة

السياق

كعادته كل عام، جاء الموسم الدرامي الرمضاني محملًا بالمفاجآت ومثيرًا للدهشة في جانب، والإعجاب والنفور في آخر.

نجوم صاعدون وآخرون خفتوا، قلَّ توهج البعض وعاد أدراجه، وتعرض آخرون لحملة "تكسير عظام" أشبه بالانتقام غير المبرر.

فنانون صف أول، رفعوا شعار "محلك سر"، لا فكرة تطرح ولا قضية تناقش، تركوا رسالة الوعي التي يتبناها الفن على بعد أميال منهم، واستمروا في رداء العنف والإثارة، فالموسم جديد لكن القصة متشابهة والشخصية لم تتغير.

وكما اعتدنا -في السنوات الأخيرة- أن يكون تقييم الدراما والسينما وصناعة الفن بشكل عام بعيدًا عن النقد الأكاديمي العلمي، فإن أغلبية واضحة من الجمهور، حتى قبل عرض الحلقة الأولى، واقفة بالمرصاد، لا تنتقد على أسس منهجية، لكنها تهاجم بناءً على تخيل مسبق، أو أيدولوجية، أو موقف سياسي، أو رؤية دينية، أو تصور تاريخي، أو لدوافع أخرى.

ونحن على مقربة من انتهاء الأسبوع الأول من الشهر الفضيل، نتوقف في هذا التقرير عند بعض الأعمال الدرامية، مصرية، شامية، خليجية، مغاربية، في محاولة لإلقاء نظرة أعمق على الأوجاع التي تئن منها الدراما العربية.

ونرصد حالات الشد والجذب، بين الجمهور وبعض المسلسلات، ونبين بعض الأخطاء التي وقع فيها صناع الدراما، لدرجة اتهام مسلسل عول عليه ليكون الحصان الأسود في هذا السباق، بأنه سرق أبيات شاعر حي ونسبها إلى الإمام الشافعي ونطقها بلسانه.

 

طاش وفرحة السعوديين

جاءت دراما الخليج ببارقة أمل، فمن السعودية كان لعودة مسلسل طاش ما طاش صدى إيجابي من شقين: الأول "النوستاليجا" التي شعر بها السعوديون بمختلف أجيالهم، والأخرى: القضايا التي عبر عنها العمل، وهي التغيرات التي طرأت على المجتمع السعودي، منها قيادة المرأة للسيارة ونيلها حقوقها، وتمكينها وتوليها أعلى المناصب القيادية.

كذلك رصد المسلسل التقدم الرقمي، الذي أحدثته المملكة، وربط المؤسسات في الدولة بالتطبيقات الإلكترونية لتسهيل الخدمات، وحتى محاربة الفساد، وإتاحة الفرص للشباب، وكذلك أداء جهاز هيئة الأمر بالمعروف، ونوافذ الترفيه، وقضايا التحرش.

 

دراما الكويت... إهانة مستمرة

يبدو أن المسلسلات الكويتية تنتهج خطًا مثيرًا للجدل، ليس في المجتمع الكويتي فقط، بل مع عدد من الشعوب العربية، بعد الأزمة التي أحدثها مسلسل "من شارع الهرم إلى" رمضان الماضي لما حمله -حسب الجمهور والنقاد- من إساءات للمرأة المصرية والسورية، وتعمده إظهارها بشكل يقلل من احترامها.

جاء هذا الموسم الرمضاني بمسلسل "دفعة لندن" ليحل مكان سابقيه، في إثارة الجدل، وهذه المرة مع الشعب العراقي، كما ذكر عدد من الصحف والمواقع الإخبارية، فضلًا عن قطاع عريض على وسائل التواصل الاجتماعي، متسائلين: هل يعكس هذا العمل الفني حرية الإبداع، أم يتجاوز حدود الأدب والأخلاق؟

ويرى العراقيون أن المسلسل يسيء إليهم، ويشوه صورتهم، ويتعمد التقليل من احترامهم، إذ يروي العمل قصة مجموعة من الطلاب العرب المغتربين، الذين يدرسون الطب بإحدى جامعات لندن في الثمانينيات، وفيه أظهرت الكويتية مؤلفة العمل هبة مشاري، العراقيات يعملن خادمات ويتهمن بالسرقة.

كما أظهر المسلسل الرجل العراقي بصورة سيئة، إذ يرفض مساعدة الكويتيات، بعد أن سرقت نقودهن ويبصق عليهن ويعنفهن بدلًا من نجدتهن، وهو ما عُد تعمدًا للإساءة بدوافع عنصرية وكراهية دفينة.

 

الدراما المصرية

وقع مسلسل سره الباتع في مصيدة الأخطاء التاريخية، وتعد حلقات العمل مادة خصبة للجمهور، في تصيد الهفوات التي وقع فيها صناعه، مثل أن أحد الجنود الفرنسيين في الحملة الفرنسية على مصر كان يلبس حذاءً رياضيًا ماركة "أديداس" وكذلك ظهرت "عربة كارتة " رغم أن مصر لم تعرف العربات التي تجرها الخيول إلا بعد دخول بونابرت مصر، وفق أحد المتابعين.

ويضم المسلسل الذي أخرجه خالد يوسف عددًا كبيرًا من الممثلين، منهم أحمد فهمي، أحمد صلاح السعدني، ريم مصطفى، حسين فهمي، هالة صدقي، حنان مطاوع، عمرو عبدالجليل، صلاح عبدالله وآخرين، ومأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب المصري الكبير الدكتور يوسف إدريس، نشرت ضمن مجموعة "حادثة شرف" عام 1958، وتدور أحداثها حول الشاب الذي يبحث عن سر مقام "السلطان حامد"  في إحدى قرى الريف المصري، ويقوده البحث عن اللغز إلى الحملة الفرنسية على مصر، ليكتشف أن صاحب المقام لعب دورًا مهمًا في مقاومة الاحتلال، وأطلق الجيش الفرنسي حملة للقبض عليه، خاصة أن له علامة مميزة وهي وشم عصفور على وجهه وأربع أصابع فقط في يده، ولكن يقع الجنود في ورطة عندما يقطع الشباب في القرى التي يهرب إليها إصبعًا من أصابعهم، ويرسمون الوشم نفسه على وجوههم، لتضليل الجنود والحفاظ على حياته.

ولقي المسلسل، الذي يعد التجربة الدرامية الأولى لخالد يوسف، إعجاب كثيرين من المشاهدين، استنادًا إلى قيمة القصة وكاتبها والفكرة النبيلة التي يحملها.

لكنه تعرض من جانب آخر إلى انتقادات وسخرية كثيرين من المشاهدين، خاصة أن الاعمال التاريخية من السهولة أن ترصد أخطاءها.

 

جعفر العمدة

النجم المصري محمد رمضان، لم يقدم جديدًا هذا العام، لكنها الشخصية ذاتها التي اعتاد ارتداء لباسها، التي تتلخص في رجل مفتول العضلات، تعشقه النساء، صاحب القوة والمال، الذي يحبه الناس ويخافونه، ولا يجرؤ أحد على عصيانه، وهو الرجل الخير الذي اضطرته الظروف لمواجهة الشر.

لكن لمحمد رمضان شعبية كبيرة، ودائمًا ما تلقى أدواره استحسان الجمهور وتتصدر قائمة أعلى المشاهدات.

ومن المآخذ التي تعرض لها بطل العمل، الهيئة المبالغ فيها للـ"عمدة" ووضع بعض الجمهور محمد رمضان في مقارنة مع الممثل الراحل صلاح منصور، الذي عُد أكثر الشخصيات احترافية في تقديم دور "العمدة" في فيلم الزوجة الثانية.

 

رسالة الإمام

العمل التاريخي "رسالة الإمام"، الذي عول عليه كثيرون لكسب السباق هذا الموسم الرمضاني، كان أكثر المسلسلات تعرضًا للهجوم، من الجمهور الذي لا ترضيه اللغة المستخدمة، رغم أنها مناسبة لكثيرين، إذ تجمع بين الفصحى الخفيفة والعامية غير المبتذلة.

لكن قطاعًا يرى ضورة أن تكون اللغة، بما أنها على لسان الإمام الشافعي، قريشية فصيحة، فضلًا عن أن قطاعًا آخر يرفض تصوير "الإمام" في عمل درامي أو فني، لأن ذلك يعد تقليلًا منه، بخلاف فئة تناولت الموضوع من ناحية دينية بحتة.

لكن صناع العمل يواجهون أزمة، بعدما اتهم الشاعر السوري حذيفة العرجي صُناع المسلسل الذي يتناول حياة الإمام الشافعي، بسرقة أشعاره ونسبها إلى الإمام، في أحد المشاهد التي أظهرت خالد النبوي بطل العمل، يتغنى مع أخرى بأبيات شعرية.

 

إثارة مربوجة

وأشعلت “مربوحة" زوجة "الكبير قوي" جدلًا لا ينقطع، مع كل حلقة من المسلسل الكوميدي في موسمه السابع.

كانت الفنانة رحمة أحمد، لقيت إعجابًا منقطع النظير في أولى بطولاتها الدرامية العام الماضي مع الفنان أحمد مكي، إذ حلت بديلة لـ "هدية" الفنانة دنيا سمير غانم في المسلسل الكوميدي الكبير قوي.

ورغم أن "مربوحة" كانت حديث مواقع التواصل الاجتماعي العام الماضي، متفائلين بالموهبة الصاعدة، ومثنين عليها، فإنها مع أول حلقة هذا الموسم تعرضت لنقد كبير جدًا، وصفه البعض بأنه "تكسير عظام" وانتقام غير مبرر، وباتت الاتهامات باستخدام "اللجان الإلكترونية" متبادلة بين مهاجمي العمل "ومربوحة" وبين بعض القائمين عليه ومحبيها، ووصل الأمر بتدوين عدد من الفنانين منشورات داعمة للفنانة رحمة أحمد ومؤازرة لها.

 

تونس والفلوجة

ووصلت الدراما في تونس إلى ساحة المحاكم، بعدما رفع محاميان دعوى قضائية أمام المحكمة الابتدائية في تونس لوقف عرض مسلسل الفلوجة، بعدما أثار عرضه جدلًا واسًعا على منصات التواصل الاجتماعي.

يدور العمل في إطار اجتماعي درامي، يتناول بعض الظواهر والسلوكيات في المدارس، مثل ترويج المخدرات والعلاقات العاطفية بين المراهقين والانحراف والعنف، وعلاقة المراهقين بعائلاتهم.

كما أثار غضب القوات الأمنية، التي صورها المسلسل بأن حياة رجالها قائمة على الرشوة والمفاسد، وأن أبناءهم يمارسون البلطجة والأعمال المنافية بكل حرية.

 

معوقات الدراما

هذه الحالة الفنية التي توصف بالمتأخرة، وسط تشابه في نوعية الأعمال المقدمة و"الفبركة" أي في أسابيع قليلة يكتب العمل وينفذ ثم يعرض، وأن معظمها يعتمد على تيمة واحدة تقوم على الإثارة والعنف، دفعتنا إلى سؤال الناقد والكاتب الفني أحمد سعد الدين عن أسباب بقاء الدراما في تلك المنطقة، وهل يعتمد ذلك على رغبة الجمهور؟

وقال سعد الدين -في حديثه إلى السياق- إن مقولة الجمهور يريد ذلك غير صحيحة، لسبب بسيط، أن صُناع الدراما لم يقدموا عملًا جيدًا للجمهور ورفضه، واتبع: المشكلة أن هناك بعض الأشخاص يريدون الفتوة، وأن البطل يكون من العشوائيات والأماكن الشعبية، تحصد مشاهدات أعلى.

وأضاف: للأسف، هذه الأعمال تدر مشاهدات عالية، لأنه لا توجد أعمال أخرى تنافسها.

وعدد الناقد المصري المعوقات التي تحول بين صناعة الدراما ومجدها، مرجعًا ذلك إلى "السيناريو والحوار" وافتقاد كتاب جيدين، وأن صناع الدراما يهتمون بلغة الصورة أكثر من لغة الحوار، والإنفاق على عمليات التصوير والمونتاج والتقنيات المكلفة، من دون التركيز على التأليف والمحتوى.

وعن تأثير السوشيال ميديا في تقييم الأعمال الدرامية، أكد سعد الدين أن مواقع التواصل قوية للغاية في صُنع البروباجندا، وأن قوتها غير طبيعية في صُنع حالة من النجاح الوقتي، سواء لمسلسل أم نجم وقت عرضه، لكنه في الوقت ذاته يرى أن هذه الحالة من النجاح المزيف لا تستمر كثيرًا.

من سوريا وقعت بعض الأعمال في فخ عدم العرض، وخرجت من السباق الرمضاني لأسباب متنوعة، منها "دوار شمالي"، " مال القبّان"، " كانون"، و"كسر عضم2".

لكن جملة من الأعمال الأخرى التي عُرضت، لم تلق الزخم ذاته الذي كانت تحظى به الدراما السورية، فبعض المسلسلات أطلق عليها "دراما خيالية" نظرًا للطبيعة الخارقة للأشخاص والأحداث والقصص التي لا تلامس الواقع.