متحدية الصين... هل تقلب بطاريات تسلا الجديدة التسلسل الهرمي للصناعة؟
لمجاراة النفوذ الصيني، تعمل شركة صناعة السيارات الكهربائية تسلا على زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة، وتحدي صانعي البطاريات المهيمنين في آسيا.

ترجمات - السياق
تأتي هيمنة الصين على سلسلة توريد بطاريات السيارات الكهربائية، وامتلاكها نحو 79 بالمئة من القدرة على تصنيع بطاريات أيونات الليثيوم عالميًا، لتقف حجر عثرة أمام تحول العالم، خصوصًا الغرب، إلى الطاقة النظيفة، فضلًا عن أنها أحد أهم القدرات التي تتمتع بها بكين اقتصاديًا.
ولمجاراة النفوذ الصيني، تعمل شركة صناعة السيارات الكهربائية "تسلا" على زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة، وتحدي صانعي البطاريات المهيمنين في آسيا.
وحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، تُصنع أغلبية بطاريات السيارات الكهربائية في العالم الآن في الصين، بما يمثل أكثر من 70 في المئة من حصة السوق عن طريق الشحنات، ما يعرِّض شركات صناعة السيارات العالمية لخطر اضطرابات سلسلة التوريد، وسط التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، لكن بطاريات تسلا الجديدة مهيأة لقلب التسلسل الهرمي للصناعة.
وطالما كانت "باناسونيك" اليابانية، و "إل جي إنرغي سوليوشنز" الكورية الجنوبية، الموردين الرائدين، لكن في السنوات الأخيرة، استطاعت الشركات المصنعة الصينية مثل "كاتل" و"بي واي دي أوتو" كسب حصتها في السوق بشكل مطرد، بعيدًا عن المنافسين الكوريين واليابانيين ونمت لتهيمن على إمدادات العالم.
كانت بطاريات السيارات الكهربائية قد شهدت تغيرًا تقنيًا سريعًا في السنوات الأخيرة، لكن حتى الآن، كانت الأولوية لتحسين كثافة الطاقة –لنطاق قيادة أطول– من خلال تغيير تركيبة مواد البطارية، إذ كان شكل خلايا البطارية أقل تركيزًا.
طريقة التصميم
وتبيّن "فايننشال تايمز" أنه في الوقت الحالي، تصمم أغلبية بطاريات السيارات الكهربائية بالشكل الذي يضمن الاستخدام الأكثر كفاءة للمساحة، ما يعني أن البطاريات التي تكون على شكل أكياس مسطحة أو صناديق مستطيلة قابلة للتكدس، كانت المعايير الرائدة للسيارات الكهربائية حتى الآن.
وأشارت إلى أنه طالما عُدت خلايا البطارية الأسطوانية، وهي النوع الثالث في السوق، الخيار الأقل جاذبية لأن الفجوات الفارغة بين الخلايا المستديرة عند تكديسها، كانت مساحة مهدرة، لافتة إلى أن هذا النوع شكّل نحو خُمس السوق العالمية العام الماضي.
ومع ذلك، تراهن "تسلا" على أنها ستصبح معيار الصناعة في المستقبل، بعد تطوير خلايا البطارية الأسطوانية 4680، التي سُميت باسم حجمها، التي يبلغ قطرها 46 مم وطولها 80 مم، لتصل إلى كثافة طاقة خمسة أضعاف تلك الموجودة في البطاريات المستخدمة في معظم سيارات "تسلا".
لكن، بالنسبة لكل من مشتريي السيارات الكهربائية و"تسلا"، فإن ميزة التكلفة واضحة، إذ إن الخلايا الجديدة أرخص في الإنتاج من الإصدارات السابقة، لأنهم يستخدمون مادة جديدة تشمل الألمنيوم، وهو معدن وفير نسبيًا ومنخفض التكلفة، ومواد خام أقل.
وهو ما يعني -حسب الصحيفة البريطانية- أن البطاريات المتطورة صُنعت باستخدام أجزاء أقل، ما يعني أيضًا وزنًا أقل، وبذلك من الأسهل إنتاجها بكميات كبيرة، حيث لا يلزم تخصيصها لتناسب أشكال السيارات المختلفة وتصميماتها.
التوقيت مناسب
وبينت "فايننشال تايمز" أن توقيت التصنيع الجديد لـ "تسلا" مناسب جدًا، خصوصًا بعد أن رفع قانون الحد من التضخم، الذي أصدره الرئيس الأمريكي جو بايدن، المخاطر بالنسبة لشركات صناعة السيارات الكهربائية العالمية، التي لديها شركات تصنيع بطاريات صينية في قائمة مورديها.
ويتضمن القانون الجديد ائتمانًا ضريبيًا للمستهلكين لمشتريي السيارات الكهربائية، إذا كان موقع التجميع النهائي في الولايات المتحدة ولم يشمل الإنتاج "كيانات أجنبية محل اهتمام".
ففي أغسطس 2022، مرر الكونغرس قانون خفض التضخم، الذي تبلغ قيمته 430 مليار دولار أمريكي، والذي يقيد الإعفاءات الضريبية الخاصة بالمستهلك، وتلامس قيمتها 7 آلاف و500 دولار، وتُمنح على السيارات الكهربائية المُصنعة في أمريكا الشمالية.
غير أن وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت -في ديسمبر الماضي- أن مستهلكي السيارات المُجمعة في أمريكا الشمالية، من الممكن أن يستفيدوا من الإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية التجارية.
وترى الصحيفة البريطانية، أن السيارة الكهربائية التي تستخدم بطارية صُنعت في مصانع "تسلا" بأوستن ونيفادا، ستمكن "تسلا" من التأهل للحصول على إعانات، إضافة إلى زيادة المبيعات جراء آلاف الدولارات الناتجة عن الإعفاءات الضريبية لمشترييها في الولايات المتحدة.
كانت شركة تسلا زادت إنتاج البطاريات في الولايات المتحدة خلال الأشهر الأخيرة، ومن ثمّ فإن طلبها البالغ 2.9 مليار دولار لشركة (إل آند إف) الكورية الجنوبية لتزويدها بمواد البطاريات –بدلاً من البطاريات المصنوعة بالكامل– يؤكد خطتها لتضمين البطاريات في نموذج التكامل الرأسي الخاص بها، ما يعني بطاريات أكثر بأسعار معقولة وهوامش ربح أعلى على سياراتها المبيعة.
ووصفت الصحيفة هذا الأمر بالمؤسف، بالنسبة لشركات مثل "باناسونيك"، و"إل جي إنرغي سوليوشنز" التي راهنت على أن "تسلا" ستستمر في الاعتماد على التكنولوجيا وخطوط الإنتاج الخاصة بها للبطاريات.
في المقابل، فإن توقعات السوق مرتفعة بالنسبة لصانعي البطاريات، وعلى سبيل المثال، تقدر قيمة أسهم "إل جي إنرغي" بأرباح حادة تبلغ 83 ضعفًا للأرباح الآجلة.
وقالت الصحيفة: "صحيح أنه مع ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية عالميًا، سيظل الطلب على البطاريات مرتفعًا وسط استمرار النقص في القدرة التصنيعية"، إلا أنها أشارت إلى أنه حتى تكثف "تسلا" إنتاجها لتلائم مبيعات سياراتها، فإنها لا تزال تعتمد على الموردين.
ومع ذلك، قد يأتي ذلك اليوم -تكثف "تسلا" إنتاجها- في وقت أقرب بكثير مما كان متوقعًا، فقد كان إنتاج خلايا بطارية "تسلا" كافيًا لأكثر من 1000 سيارة أسبوعيًا في ديسمبر، وهي الآن في طور توسيع مصنعها بنيفادا لإنتاج 100 جيغاواط/ ساعة من 4680 خلية سنويًا، وهو ما يكفي لمليوني سيارة كهربائية.
ومن ثمّ، فإنه مع زيادة الإنتاج وانخفاض التكاليف، سيكافح موردوها، الذين تقل هوامش تشغيلهم عن 5 في المئة، من أجل المنافسة على السعر.
لكن، بشكل حاسم، بالنسبة لشركة تسلا، فإن القدرة على صُنع بطارياتها الخاصة تسهم في مرونتها التشغيلية، كما تسمح أيضًا بترقيات وتعديلات أسرع على نماذجها، مع تجنب انقطاع الإمداد.
وتواجه المجموعة الصغيرة من الشركات، التي تهيمن على البطاريات في العالم الآن، النوع نفسه من الاضطراب، الذي جلبته "تسلا" إلى عالم السيارات الكهربائية.