أوضاع مأساوية... نقص حاد في الأدوية وارتفاع تكاليف العلاج في باكستان

تكاليف العلاج أو الدراسة.. مأساة أسرة باكستانية تكشف حجم الأوضاع الاقتصادية السيئة وارتفاع تكاليف الرعاية الصحيحة في البلاد

أوضاع مأساوية... نقص حاد في الأدوية وارتفاع تكاليف العلاج في باكستان

ترجمات -السياق 

في باكستان، اتخذ نفيس جان، سائق سيارة الأجرة في العاصمة إسلام أباد، ما سماه "الخيار الأكثر صعوبة" في حياته: إما دفع تكاليف علاج ابنه البالغ من العمر 10 سنوات، الذي يعاني مرض السكري ، وإما الاستمرار بإرسال أبنائه الأربعة إلى المدرسة.

وفي محاولة لإنقاذ ابنه، قرر جان إخراج أطفاله من مدرستهم المتواضعة، التي تفرض رسومًا، من أجل تحمُّل تكاليف الأدوية والفحوص المخبرية لطفله المريض، وقال: "كان عليّ أن أختار إنقاذ حياة ابني"، حسبما ذكر لصحيفة فايننشال تايمز.

أزمة جان المؤلمة، إحدى النتائج المأساوية للأزمة الاقتصادية المتصاعدة في باكستان، حيث أدى التضخم المتسارع -الذي وصل إلى 35% في مارس- إلى جعل تكلفة الضرورات بعيدة عن متناول كثيرين.

وتسبب الأزمة الاقتصادية في باكستان أزمة صحية عامة، حيث أدى ارتفاع التضخم إلى دفع أسعار العلاج إلى مستويات لا يمكن تحمُّلها، ما أجبر عديد العائلات على الاختيار بين الرعاية الصحية وغيرها من الضرورات، بينما تسبب تقلص احتياطات العملات الأجنبية في نقص الأدوية والمعدات الطبية المستوردة.

في غضون ذلك، عرضت الفيضانات المدمرة -العام الماضي- ملايين الباكستانيين إلى الجوع، ولخطر أكبر للإصابة بالأمراض.

 وقالت "يونسيف" إن البؤس الاقتصادي في باكستان "يهدد صحة ورفاهية الملايين من المجتمعات الضعيفة".

 وتقول إنه ينبغي عدم إجبار أي شخص على العيش في حالة فقر، لدفع تكاليف الرعاية الصحية التي يحتاجها.  

ومع ذلك، هذه هي الحقيقة المروِّعة لعديد من العائلات في باكستان.

أزمة اقتصادية

في السياق، يحذر محللون من أن البلاد معرضة لخطر اتباع خطى سريلانكا المجاورة في التخلف عن السداد، إذ انخفضت احتياطاتها الأجنبية إلى 4.2 مليار دولار ، وهو ما لا يكفي لتغطية قيمة شهر واحد من الواردات، ما ترك الشركات تكافح من أجل العمل.

يشار إلى أن حكومة رئيس الوزراء شهباز شريف دخلت في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لإحياء برنامج إقراض بمليارات الدولارات.  

لكن الطرفين لم يتمكنا من الاتفاق على شروط، لإلغاء القسط الأخير من الدفعة البالغة 1.1 مليار دولار، التي تشمل زيادة الضرائب وخفض دعم الطاقة.

 بينما يرى الصندوق أن إجراءات التقشف هذه ضرورية، تقول إسلام أباد إنها ستؤدي إلى تفاقم الألم الاقتصادي.

 ورفع البنك المركزي الباكستاني -الأسبوع الماضي- سعر الفائدة القياسي بـ 100 نقطة أساس إلى 21 في المئة، وهو أعلى مستوى في آسيا.

 كما يخوض شريف نزاعًا مريرًا مع خصمه اللدود عمران خان، الذي استفاد من معاناة الباكستانيين الاقتصادية، في حملة للعودة إلى رئاسة الحكومة، الذي أطيح منه قبل عام.

 ويخشى حلفاء رئيس الوزراء أني يهدر الإذعان لشروط صندوق النقد الدولي فرصهم في الانتخابات المقرر إجراؤها هذا العام.

 وعانت باكستان -منذ فترة طويلة- سوء الرعاية الصحية، حيث يعاني 40 في المئة من الأطفال التقزم، أو قصر القامة بالنسبة لأعمارهم بسبب سوء التغذية، وفقًا لـ"يونسيف"، وهي حالة يمكن أن تلحق أضرارًا بدنية ومعرفية مدى الحياة.

 وتقول "فايننشال تايمز" إن اكثر من نصف الإنفاق الطبي يأتي من المرضى، حيث إن المستشفيات العامة التي تعاني نقصًا حادًا في التمويل، غالبًا ما تترك المرضى من دون خيار سوى دفع تكاليف العلاج.

 نقص الدواء 

 وسط ارتفاع التضخم والانخفاض الحاد في قيمة الروبية، فرضت السلطات قيودًا على الاستيراد لحماية الاحتياطات الأجنبية المتبقية، وهي خطوة فاقمت نقص المعدات الطبية والمواد الخام للأدوية.

 وقال شابنام بالوش، المدير الباكستاني في لجنة الإنقاذ الدولية: "هناك فجوة كبيرة في إمدادات الأدوية في الأشهر الأخيرة ، إما أن الشركة المصنعة لم تكن قادرة على استيراد المواد الخام، وإما أنها كانت تغادر البلاد بسبب نقص العملة الأجنبية".

رئيس إحدى شركات الأدوية الكبرى في باكستان، الذي طلب عدم كشف هويته، يتحسر على الضوابط الحكومية على أسعار الأدوية، التي لم تواكب التضخم ولا انخفاض قيمة الروبية... "كيف تقوم بأعمال تجارية وتحقق أرباحًا في هذه البيئة؟" .

أواخر العام الماضي، توقفت وحدة شركة جلاكسو سميث كلاين في باكستان، عن إنتاج مسكن الآلام بانادول، قائلة إن ارتفاع أسعار المواد يؤدي إلى تكبد "خسائر مالية فادحة".

وقال قاضي سليم، المتخصص في شراء إمدادات الرعاية الصحية ومقره إسلام أباد، إن تكاليف الاستيراد ارتفعت بين 70% و120% العام الماضي.  

وأضاف سليم: "أصبح الحصول على الدعامات والعدسات أكثر صعوبة، لقد جعل هذا الأمر أكثر صعوبة على المرضى، لأنهم لا يستطيعون التنبؤ بالتكلفة المتوقعة".

 بدوره، قال عاطف منير، اختصاصي الغدد الصماء في لاهور الذي يعالج مرضى السكري، إن الأنسولين، الذي يستورد بأغلبية ساحقة في باكستان، أصبح أكثر تكلفة وأصعب في الحصول عليه، ما أجبره على العثور على مزيد من الإمدادات بأسعار معقولة.

وتفاقم موقف باكستان غير المستقر بسبب فيضانات العام الماضي، التي تسببت في أضرار وخسائر اقتصادية بنحو 30 مليار دولار، وشردت ملايين وقضت على مساحات من المحاصيل الحيوية مثل الأرز.

ناقوس الخطر

وقالت لجنة الإنقاذ الدولية إن 20 مليون شخص ما زالوا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، نصفهم تقريبا يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد. 

وأضافت المنظمة أن المياه الراكدة والملوثة أدت إلى تفشي الأمراض المنقولة بالمياه، بما في ذلك الكوليرا والملاريا.

بدروها، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونسيف": "لقد فقدت المجتمعات الأكثر ضعفاً، خاصة تلك المتضررة من الفيضانات، جميع أصولها أو تبيع كل ما لديها لتلبية جزء من احتياجات الرعاية الصحية".

ومن هؤلاء نعيمات خان، 60 عامًا، أب لسبعة أطفال، أحضر والدته المسنة من قريتهم إلى المستشفى في روالبندي لتلقي علاج الكلى.  

الشهر الماضي، اضطر إلى بيع اثنتين من الماعز السبع، لتوفير رعايتها، بسعر أقل بكثير مما كان ينوي.

وقال خان: "أصبحت زيارات الطبيب أكثر تكلفة كل شهر".