لماذا لم يأخذ الغرب تهديدات بوتين النووية على محمل الجد؟

قالت الخارجية البيلاروسية إنها اضطرت إلى القبول بنشر أسلحة نووية روسية على أراضيها، بسبب الإجراءات العدوانية لدول الناتو التي تهدد أمن بيلاروس

لماذا لم يأخذ الغرب تهديدات بوتين النووية على محمل الجد؟

ترجمات - السياق

تطور جديد شهدته الحرب الروسية الأوكرانية، بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إبرام بلاده اتفاقاً مع جارتها بيلاروسيا، لنشر أسلحة نووية تكتيكية على أراضيها، فهل دخل الصراع بين موسكو والغرب مرحلة "الصدام النووي" المباشر؟

بدورها، قالت وزارة الخارجية البيلاروسية –الثلاثاء- إنها اضطرت إلى القبول بنشر أسلحة نووية روسية على أراضيها، بسبب "الإجراءات العدوانية" لدول حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي "تهدد أمن بيلاروس"، حسبما ذكرت وكالة تاس الروسية.

وأشارت الوزارة إلى أن الخطط التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -نهاية الأسبوع- لنشر أسلحة نووية تكتيكية روسية في بيلاروس، لا تخالف معاهدة حظر الانتشار النووي، لأن الرؤوس النووية لن تخضع لسيطرة بيلاروس.

 

خطاب نووي

وحذرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، الرئيس الروسي، مما وصفوه بالخطاب النووي "الخطير"، بعد أن أعلن خططًا لتخزين أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا المجاورة، وهي حليف وثيق لموسكو تشترك في حدود مع شمالي أوكرانيا.

وقلل المسؤولون الأمريكيون من أهمية هذه الخطوة، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي لقناة "سي بي إس" الأمريكية، ردًا على سؤال عن إعلان بوتين أن موسكو ستنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا: "لا يوجد ما يشير إلى أن بوتين نفذ هذا التعهد أو نقل أي أسلحة نووية لبيلاروسيا"، وأضاف: "لم نر شيئًا من شأنه أن يدفعنا إلى تغيير موقفنا الاستراتيجي الرادع".

 

بوتين يتوعد

كان الرئيس الروسي قد أعلن أن موسكو ستنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، هذا العام، بناءً على طلب من مينسك.

ورأى أن الخطة لن تنتهك اتفاقيات حظر انتشار الأسلحة النووية لروسيا، وشبه هذا التحرك بنشر الولايات المتحدة أسلحة نووية في أوروبا، مضيفًا: "في الأول من يوليو المقبل، سننتهي من بناء منشأة تخزين خاصة للأسلحة النووية التكتيكية في بيلاروسيا".

وأوضح أن بلاده سترد على تزويد الغرب أوكرانيا بقذائف اليورانيوم المنضب، مشيرًا إلى أن روسيا تمتلك الكثير من الأسلحة التي لم تستخدمها.

كما رأى بوتين أن أولئك الذين يستخدمون هذه الأسلحة، سيعملون في الواقع ضد شعوبهم ويلوثون المناطق المزروعة، كاشفًا أن روسيا ستساعد مينسك في تجديد طائرات لنقل الأسلحة، منوهًا إلى أن موسكو نقلت أنظمة صواريخ إسكندر إلى بيلاروسيا.

وأشار في تصريحات نقلتها قناة روسيا-24 الرسمية، إلى أن المرابض اللازمة لهذه الطائرات قيد الإنشاء في بيلاروسيا، وستصبح جاهزة يوليو المقبل.

وشدد على أن سبب هذه الخطوة، إعلان بريطانيا نيتها إمداد أوكرانيا بذخيرة اليورانيوم المنضب، مشيرًا إلى أن بيلاروسيا طلبت نشر أسلحة نووية روسية على أراضيها منذ فترة طويلة.

ولفت إلى أن ذخائر اليورانيوم المنضب التي سيرسلها الغرب إلى كييف، لا تعد من أسلحة الدمار الشامل، لكنها تترك غبارًا مُشعًا.

وردًا على ذلك، رفض "الناتو" هذا الوصف، ووصفه بأنه "مضلل".

من جانبها، رأت كييف، أن روسيا "تحتجز بيلاروسيا رهينة نووية" بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نشر أسلحة نووية "تكتيكية" على أراضي الدولة الحليفة لموسكو.

وكتب الأمين العام لمجلس الأمن الأوكراني أوليكسي دانيلوف في تغريدة: "يحتجز الكرملين بيلاروسيا رهينة نووية"، مضيفًا أن هذا القرار "خطوة نحو زعزعة استقرار البلد".

 

صخب نووي

وأشارت "واشنطن بوست" إلى أنه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل أكثر من عام، لجأ الكرملين مرارًا إلى ما سمته "الصخب النووي" ردًا على الانتقادات الغربية أو العدوان المتصور.

وأوضحت أن المسؤولين الروس هددوا مرارًا بشن ضربات نووية ضد أوكرانيا، إذا حاولت استعادة شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني عام 2014.

لكن -وفق الصحيفة- تصريحات بوتين الأخيرة، تتناقض بشكل صارخ مع تعهده الواضح قبل أسبوع فقط، لمنع الحرب النووية، خلال زيارة استمرت ثلاثة أيام للرئيس الصيني شي جين بينغ لموسكو.

ففي بيان مشترك، اتفقت روسيا والصين على أنه لا يمكن الانتصار في حرب نووية، وأكدتا مجددًا التزامهما بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

لدرجة أن البيان دفع جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إلى القول إنه يعتقد أن العالم أصبح أكثر أمانًا نتيجة لذلك.

لكن بوريل نفسه، عاد لينتقد خطط بوتين لنقل أسلحة نووية إلى بيلاروسيا ، واصفًا إياها بأنها "تصعيد غير مسؤول وتهديد للأمن الأوروبي".

وقال بوريل عبر تويتر إن "استضافة بيلاروسيا للأسلحة النووية الروسية تعني تصعيدًا غير مسؤول وتهديدًا للأمن الأوروبي"، مشددًا على أنه لا يزال بإمكان مينسك إيقاف تلك الخطوة.

كما أكد استعداد الاتحاد الأوروبي للرد بفرض مزيد من العقوبات على مينسك.

يذكر أن رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، وحليف بوتين، كان أكد أنه "حال تزويد لندن كييف باليورانيوم، ستعطيها يورانيوم حقيقيًا"، حسب تعبيره.

كذلك رأى أنه حالما تنفجر الذخيرة البريطانية في مواقع القوات الروسية "فإن الرد سيكون فظيعًا، ودرسًا لكوكب الأرض".

وهو ما ردت عليه زعيمة المعارضة البيلاروسية في المنفى، سفيتلانا تسيخانوسكايا، بالقول في "تويتر": إن نشر أسلحة نووية تكتيكية روسية "ينتهك بشكل مباشر دستور بيلاروسيا" و "لا يحترم" سيادة البلاد.

وكتب تسيخانوسكايا: "تعمل روسيا كقوة احتلال، وتنتهك الأمن القومي وتضع بيلاروسيا في مسار تصادمي مع جيرانها والمجتمع الدولي".

5 سيناريوهات تصعيدية للحرب.. من يملك قرار الحرب النووية في روسيا؟ 

هل القنابل آمنة؟

وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن خطة نقل الأسلحة النووية الروسية أثارت تساؤلات عما إذا كانت هذه القنابل مازالت آمنة.

ولفتت إلى أنه، الشهر الماضي، زعم أنصار مناهضون للحكومة في بيلاروسيا أنهم ألحقوا أضرارًا بطائرة مراقبة –من دون طيار- روسية متمركزة في أحد مطارات مينسك.

وكان ألياكساندر أزاروف زعيم "رابطة قوات الأمن في بيلاروسيا" المناهضة للحكومة، قال إن "مناصرين" له استخدموا طائرات مسيّرة في مهاجمة طائرة تجسس روسية من طراز "بيريف إيه 50"، لكنه لم يقدم أدلة تدعم ادعاءه.

بينما نفى نائب وزير خارجية بيلاروسيا يوري أمبرازيفيتش، تعليقات نشطاء مناهضين للحكومة، بأنهم فجروا طائرة تجسس عسكرية روسية، في هجوم بطائرات مسيّرة على قاعدة جوية خارج العاصمة مينسك، ووصف المزاعم بأنها "ادعاءات كاذبة".

وتسمح بيلاروسيا لحليفتها موسكو باستخدام أراضيها في شن هجمات على أوكرانيا، رغم أنها تمتنع -حتى الآن- عن التورط بشكل مباشر في الحرب.

وتتمتع طائرة الإنذار المبكر المحمولة جوًا من طراز "بيريف إيه 50" بقدرات على القيادة والتحكم، وتعقب 60 هدفًا في وقت واحد.

ورغم هذا التصعيد، فإن الخارجية الألمانية، قللت من قرار روسيا بنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، ووصفته بأنه "محاولة جديدة للترهيب النووي".

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الألمانية لوكالة "فرانس برس" طالبًا عدم كشف هويته: "لن ندع أنفسنا ننحرف عن مسارنا" بسبب هذه التهديدات.

وأضاف: "المقارنة التي أجراها الرئيس بوتين مع صواريخ حلف شمال الأطلسي النووية خاطئة، ولا يمكن استخدامها كمبرر"، مشيرًا إلى أن بيلاروسيا "تخالف" التزامها بالبقاء أرضًا خالية من الأسلحة النووية.

من جانبه، حذر السناتور الأمريكي مارك وارنر (ديمقراطي من فرجينيا) من خطورة تصريحات بوتين، ووصف الرئيس الروسي بأنه "رجل خطير"، داعيًا إدارة بايدن لاتخاذ الاحتياطات اللازمة، مشددًا على أن التهديد يوضح حاجة واشنطن للانتباه دفاعًا عن مصالحها.

واستطرد قائلًا إنه إذا تراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا، يمكن لبوتين أن يمضي قدمًا لتهديد بولندا، أو يمكن للرئيس الصيني شي جين بينغ أن يعد ضعف الولايات المتحدة "ضوءًا أخضر لاتخاذ إجراءات محتملة ضد تايوان".

 

تأثيرات مدمرة

من جانبه، قال عضو مجلس النواب الأمريكي، الجمهوري مايك غالاغر: "تهديد روسيا يجب ألا يمنع الولايات المتحدة من مواصلة دعمها لأوكرانيا".

وأضاف غالاغر خلال مقابلة مع قناة "إيه بي سي" الأمريكية أنه "ينبغي ألا نسمح لتهديدات بوتين بأن تردعنا، أو أن يكون ذلك سببًا لتأخير تسليم أنظمة الأسلحة المهمة إلى الأوكرانيين".

بدوره، قال مايكل ماكول رئيس لجنة الشئون الخارجية بالكونغرس، خلال مقابلة مع برنامج "فوكس نيوز صنداي": "التوترات تتصاعد، أعتقد أن هذه هي قعقعة السيوف من جانب بوتين".

أما مايخايلو بودولاك، مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فيرى أن تصريحات بوتين كانت "متوقعة" ودلالة على ضعف القوات الروسية، في مواجهة القوات الأوكرانية بساحة المعركة.

وكتب بودولياك مستشار الرئاسة الأوكرانية في تغريدة، الأحد، أن بوتين "يعترف بأنه يخشى الهزيمة في الحرب، وأن كل ما يمكنه فعله هو بث الخوف".

وتُخزن الولايات المتحدة أسلحة بمكونات نووية في قواعد ببلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا.

يذكر أن الأسلحة النووية "التكتيكية" أقل قوة مقارنة بتلك المصنفة "استراتيجية"، لكن تأثيراتها تبقى مدمرة ولا يمكن التكهن بها.