انهيار اقتصادي محتمل... تونس بين فكي صندوق النقد وانهيار العملة
كانت تونس توصلت إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر، على خطة إنقاذ بـ 1.9 مليار دولار ، إلا أن المحادثات بينهما وصلت إلى طريق مسدود، بسبب عدم التزام البلاد بتنفيذ برنامج إصلاح صارم، لإعادة هيكلة أكثر من 100 شركة عامة مُثقلة بالديون، ورفع الدعم عن منتجات أساسية

ترجمات – السياق
أثار رفض التونسي قيس سعيد "إملاءات" صندوق النقد الدولي، الذي طلب من تونس تنفيذ إصلاحات اقتصادية هيكلية مقابل منحها قرضاً، مخاوف من انزلاق البلاد نحو مزيد من الانهيار الاقتصادي.
فقد أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، رفضه لما سماها إملاءات صندوق النقد الدولي، الذي طلب من تونس تنفيذ إصلاحات اقتصادية هيكلية تشمل رفع الدعم عن عدد كبير من المواد الاستهلاكية الأساسية مقابل منحها قرضًا.
وقال سعيد للصحفيين في ولاية المنستير على هامش حفل بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لوفاة الحبيب بورقيبة: "في ما يخص صندوق النقد الدولي فإن الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدي لمزيد من الفقر مرفوضة"، وأضاف ردًا على سؤال بشأن المفاوضات مع المؤسسة المالية الدولية، أن البديل هو "أن نعوّل على أنفسنا".
بالمقابل، حذر محللون من أن إعلان قيس سعيد يهدد بتعميق الأزمة الاقتصادية، ويُفاقم أزمة الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا.
كانت تونس توصلت إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر، على خطة إنقاذ بـ 1.9 مليار دولار ، إلا أن المحادثات بينهما وصلت إلى طريق مسدود، بسبب عدم التزام البلاد بتنفيذ برنامج إصلاح صارم، لإعادة هيكلة أكثر من 100 شركة عامة مُثقلة بالديون، ورفع الدعم عن منتجات أساسية.
هبوط الدينار
ونقلت "فايننشال تايمز" عن جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي في "كابيتال إيكونوميكس"، وهي شركة استشارية مقرها لندن، قوله: إن الرفض يعني أن "الدعم الذي يحتاجه الاقتصاد التونسي بشدة لن يأتي".
وأضاف أنه من دون قرض صندوق النقد الدولي، ومع تضاؤل الاحتياطات الأجنبية، فإن هناك خطرًا أكبر يتمثل في هبوط حاد وغير منظم في قيمة الدينار، العملة التونسية.
وتعرض الاقتصاد التونسي لأزمات متلاحقة طوال العقد الماضي، نتيجة للاضطرابات السياسية والهجمات الإرهابية على السياح ووباء كورونا، وغزو روسيا لأوكرانيا، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
ومنذ العام الماضي، كافحت الحكومة للعثور على عملات أجنبية لسداد قيمة الواردات المهمة، مثل السكر والدقيق والبن والزيت، ما أدى إلى نقص متكرر.
ورغم ذلك، فإن قيس سعيد أصر على أن الفساد والاحتكار والتلاعب بالسوق، المسؤولة عن المشكلات الاقتصادية، بل اتهم سياسيين منافسين، بالوقوف وراء ارتفاع الأسعار، حسب الصحيفة البريطانية.
كان البنك الدولي أعلن -في مارس الماضي- تعليق مناقشات الشراكة مع تونس مؤقتًا، على خلفية الاتهامات الموجهة إلى نظامها بالعنصرية ضد المهاجرين.
وعلّق البنك الدولي إلى إشعار آخر مناقشات الشراكة والتعاون المستقبلي مع تونس بين عامي 2023 و2027، بعد الاعتداءات التي شهدتها ضد مهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، في أعقاب خطاب ندد فيه الرئيس قيس سعيد بقدوم جحافل من المهاجرين غير النظاميين.
تحذيرات غربية
ومؤخرًا، أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أن التكتل يشعر بالقلق لتدهور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس، ويخشى انهيارها.
وقال، حسب "فايننشال تايمز": "إذا انهارت تونس، فإن ذلك يُهدد بتدفق مهاجرين نحو الاتحاد الأوروبي، والتسبب في عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا... نريد تجنُّب هذا الوضع".
وعبَّرت الخارجية التونسية، عن رفضها لتصريحات بوريل، مشيرة إلى أنها "مبالغ فيها".
بينما حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن -مارس الماضي- من أن تونس تحتاج بشكل طارئ إلى التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بعد تعبير الاتحاد الأوروبي عن قلقه لتدهور الوضع السياسي والاقتصادي في هذا البلد.
وقال بلينكن ردًا على سؤال عن تونس، خلال جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي: "أهم ما يمكنهم فعله في تونس من الناحية الاقتصادية هو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي". وأضاف: "نشجّعهم على ذلك لأن الاقتصاد قد يتجه إلى المجهول".
وتكافح تونس تحت وطأة ديون متزايدة وتفاقم ارتفاع الأسعار بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وتوصلت إلى اتفاق مبدئي في أكتوبر للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي بنحو ملياري دولار، إلا أن الصفقة لم تكتمل.
كما أعربت إيطاليا عن قلقها لتزايد أعداد المهاجرين الوافدين من تونس في قوارب المهربين منذ بداية العام.
وبحسب روما، بلغ عدد المهاجرين من تونس في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، نحو 15600 مهاجر، بزيادة عشرة أضعاف عن الفترة نفسها من العام الماضي.
وتخشى جيورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، أن يؤدي الانهيار الاقتصادي في تونس إلى دفع قرابة 900 ألف شخص للهجرة إلى شواطئ إيطاليا.
كانت روما ضغطت -خلال الأسابيع الأخيرة- على صندوق النقد الدولي لبدء صرف القرض من دون موافقة سعيد.
وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، إن بلاده ترغب في أن يُفرج صندوق النقد الدولي عن قرض بـ 1.9 مليار دولار لتونس، إذ تخشى أن يؤدي نقص السيولة إلى زعزعة استقرار الدولة الإفريقية وموجة جديدة من المهاجرين نحو أوروبا.