حول أوكرانيا والصين... تسريبات جديدة لوثائق عسكرية أمريكية سرية

يرى مسؤولين أمريكيين، أن حجم التسريب -الذي يصل لأكثر من من 100 وثيقة- إلى جانب حساسية الوثائق نفسها، قد يكون ضارًا للغاية بواشنطن وحلفائها.

حول أوكرانيا والصين... تسريبات جديدة لوثائق عسكرية أمريكية سرية

ترجمات - السياق

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن تسريب مجموعة جديدة من الوثائق السرية، التي تتناول بالتفصيل أسرار الأمن القومي للولايات المتحدة من أوكرانيا للشرق الأوسط والصين، وسط اتهامات أمريكية لموسكو بالوقوق وراء التسريب.
كانت مواقع التواصل الاجتماعي، ضجت بوثائق حربية سرية لا يُعرف مصدرها ولا منبع تسريبها، تكشف -بشكل معمق- خطط واستراتيجيات، تعود إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تتضمن كيفية إعداد الجيش الأوكراني وتهيئته لشن هجوم مضاد على روسيا.
وسرعان ما كُشف عن وثائق جديدة، أثارت قلق البنتاغون، وأضافت توترًا جديدًا إلى الوضع الذي يبدو أنه فاجأ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
من جانبها، أعلنت وزارة العدل الأمريكية، أنها بدأت تحقيقًا في واقعة التسريب، وقال متحدث باسم الوزارة: "نحن على تواصل مع وزارة الدفاع في ما يتعلق بهذه المسألة وبدأنا تحقيقًا، لكننا نمتنع عن الإدلاء بمزيد من التعليقات".
كان تسريب سابق لوثائق عسكرية أمريكية سرية على وسائل التواصل الاجتماعي، قد أعطى صورة جزئية للحرب في أوكرانيا، بينما تتضمن الوثائق الجديدة لمحة جزئية عن الحرب في أوكرانيا تعود إلى شهر مضى، إضافة إلى أسرار خاصة بالأمن القومي الأمريكي، تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط والصين.

كابوس للغرب
ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أمريكيين قولهم: إن حجم التسريب -الذي يصل لأكثر من من 100 وثيقة- إلى جانب حساسية الوثائق نفسها، قد يكون ضارًا للغاية بواشنطن وحلفائها.
بينما وصف مسؤول استخباراتي كبير التسريب بأنه "كابوس للعيون الخمس"، في إشارة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا، وهي ما تسمى دول العيون الخمس، التي تشارك المعلومات الاستخباراتية على نطاق واسع.
وأشارت الصحيفة إلى العثور على أحدث الوثائق في "تويتر" ومواقع أخرى الجمعة، بعد يوم من قول مسؤولين بارزين في إدارة بايدن إنهم يحققون في تسرب محتمل لخطط حرب أوكرانية سرية، بما في ذلك تقييم مقلق لقدرات الدفاع الجوي الأوكرانية المتعثرة.
ونوهت إلى أن إحدى الوثائق المؤرخة في 23 فبراير الماضي، بعنوان "معلومات سرية للغاية"، ما يعني أنه لم يكن من المفترض مشاركتها مع دول أجنبية.
من جانبه، أشار المسؤول الكبير السابق في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" ميك مولروي، إلى أن تسريب الوثائق السرية يُمثل خرقًا كبيرًا للأمن، يمكن أن يُعيق التخطيط العسكري الأوكراني، مضيفًا: "نظرًا لأن عديدًا منها كانت صورًا لوثائق، يبدو أنها كانت تسريبًا متعمدًا من شخص ما أراد الإضرار بجهود أوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي".
وحسب الصحيفة الأمريكية، وصف أحد المحللين التسريبات الجديدة بأنها "قمة جبل الجليد"، في إشارة إلى احتمال ظهور تسريبات جديدة خلال الأيام المقبلة.
كان مسؤولون كبار في الأمن القومي الأمريكي -ممن تعاملوا مع التسريب الأولي، الذي نشرته "نيويورك تايمز"- قد حذروا من إمكانية ظهور وثائق جديدة تضر بالأمن القومي الأمريكي، متوقعين ظهور مزيد منها، وهو ما حدث.
وبينت الصحيفة الأمريكية، أنه بينما كان المسؤولون في "البنتاغون" ووكالات الأمن القومي يحققون في مصدر الوثائق التي ظهرت في "تويتر" و"تلغرام"، فوجئوا بظهور وثائق أخرى على موقع الصور "فورتشان"، التي كانت خريطة تهدف إلى إظهار حالة الحرب في مدينة باخموت شرقي أوكرانيا، التي كانت مسرحًا لمعركة شرسة استمرت لأشهر.

الصين
ورغم خطورة ما كُشف عنه، فإن "نيويورك تايمز" بينت أن الوثائق الجديدة لا تتوقف عند أوكرانيا، وإنما -حسب محللين أمنيين راجعوا الوثائق التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي- تتضمن أيضًا شرح إحاطة حساسة عن الصين والمسرح العسكري في المحيطين الهندي والهادئ والشرق الأوسط والإرهاب.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في بيان بداية الاكتشافات: وزارة الدفاع تدرس الأمر، إلا أنه مع اتساع نطاق عمليات الكشف، قال مسؤولو الوزارة إنه ليس لديهم ما يضيفونه.
لكن بعيدًا عن البيانات، أقر مسؤولون في عديد من وكالات الأمن القومي -حسب الصحيفة الأمريكية- بخطورة الموقف، مشيرين إلى أنهم مازالوا يبحثون عن مصدر التسريب، معربين عن مخاوفهم من أن يكون هذا المصدر يمتلك تسريبات أخرى، ينشرها تباعًا على مواقع التواصل، ما يضر بالأمن القومي الأمريكي.
وتظهر الوثائق الخاصة بالجيش الأوكراني، كصور لرسوم بيانية لتسليم الأسلحة المتوقعة، وعدد القوات والكتائب، وخطط حربية أخرى.
ويقر مسؤولو "البنتاغون" بأنها وثائق رسمية لوزارة الدفاع، لكن يبدو أن النسخ قد تغيرت في أجزاء معينة من تنسيقها الأصلي.
على سبيل المثال، فإن النسخ المعدلة تبالغ في التقديرات الأمريكية لقتلى الحرب الأوكرانية، وتقلل التقديرات الخاصة بعدد القتلى الروس.
فقد أشارت إحدى الوثائق المسربة، إلى أن ما بين 16 و17 ألفًا و500 جندي روسي، سقطوا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022. 
ويقول مسؤولون إن الولايات المتحدة تعتقد أن الرقم الفعلي أعلى بكثير ويبلغ قرابة 200 ألف ضحية ومصاب روسي.

ونقلت الصحيفة عن خبراء قولهم إن الوثائق تبدو صحيحة، لكن أدخلت تعديلات على بعضها، لعكس صورة أفضل عن الوضع الروسي، لا سيما من خلال تقليل حجم الخسائر بين القوات الروسية.
وتتضمن الوثائق الوتيرة التي تستخدم فيها القوات الأوكرانية ذخائر قاذفات الصواريخ من طراز هيمارس، والجدول الزمني لتسليم الأسلحة والتدريبات التي يوفرها الغرب للجيش الأوكراني.
وجاء في هذه التسريبات أن كييف بصدد تشكيل 12 لواءً جديدًا، بينها 9 تدربها الولايات المتحدة، وتجهزها، حسبما ذكرت "نيويورك تايمز".
في المقابل، يرى مسؤول أوكراني أن الوثائق تتضمن "كمية كبيرة للغاية من المعلومات الزائفة"، وأن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي حملة تضليل روسية، في ما يبدو للتشكيك في الهجوم المضاد، الذي يتطلب الحصول على أسلحة غربية متطورة.
وقال ميخائيلو بودولياك المسؤول بالرئاسة الأوكرانية في بيان: "هذه مجرد أدوات معروفة في ألاعيب العمليات التي تصنعها المخابرات الروسية... ولا شيء أكثر من ذلك".
لكن خلف الأبواب المغلقة، كان مسؤولو الأمن القومي الغاضبون يحاولون العثور على الجاني.
ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين قوله: "من المستبعد خروج هذه الوثائق من قِبل مسؤولين أوكرانيين، لأنهم لم يتمكنوا من الاطلاع على الخطط المحددة، التي تحمل بصمة مكاتب هيئة الأركان المشتركة في البنتاغون".
بينما قال مسؤول آخر إن تحديد كيفية تسريب الوثائق سيبدأ بتحديد المسؤولين الذين تمكنوا من الوصول إليها.

حرب معلومات
ونقلت "نيويورك تايمز" عن إريك تولير، مراسل "بيلينغ كات"، وهو موقع إلكتروني للصحافة الاستقصائية، تأكيده أن الوثائق نالت اهتمامًا غير عادي بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
وأشار إلى أن الدفعة الأولى من الوثائق التي نُشرت أوائل مارس على "ديسكورد"، وهي منصة دردشة على وسائل التواصل الاجتماعي، حظيت باهتمام غير مسبوق لدى المستخدمين، بل هناك من حولها إلى محتوى "فيديو".
وفي أوكرانيا، تجاهل اللفتنانت كولونيل يوري بيريزا ، قائد كتيبة مع الحرس الوطني الأوكراني، الذي قاتلت قواته شرقي البلاد في الأشهر الأخيرة، نبأ التسريب.
وأشار إلى أن حرب المعلومات أصبحت شديدة، لدرجة أنه "لم يعد بإمكاننا تحديد مكان الحقيقة وأين الكذبة".
وأضاف العقيد بريزا: "نحن في مرحلة من الحرب يلعب فيها الإعلام دورًا كبيرًا".
بينما قال خبراء استراتيجيون للصحيفة الأمريكية، إن من الصعب استخلاص استنتاجات بمن أصدر المعلومات ولماذا.
ويرى كايل والتر رئيس شركة "لوغيكالي" البريطانية للأبحاث التي تتعقب المعلومات المضللة، أن حرب روسيا وأوكرانيا شهدت أكبر عملية تسريبات لوثائق سرية من أي حرب سابقة.
وقال جوناثان تيوبنر، الرئيس التنفيذي لشركة "فلتر لابس" للذكاء الاصطناعي، التي تتعقب الرسائل في روسيا، إنه في حين أن الأصوات الموالية للكرملين تقول إن التسريب كان حملة تضليل أمريكية أو أوكرانية، فإنه يعتقد أنها قد تكون عملية روسية تهدف إلى زرع عدم الثقة بين واشنطن وكييف.
وأوضح أن الصورة المزيفة التي تُظهر أعدادًا أقل من الضحايا لروسيا، وأرقامًا أعلى لأوكرانيا، نوقشت بشكل متكرر في وسائل التواصل الاجتماعي ذات التوجه الغربي، أكثر من المنصات التي تركز على روسيا.
ويبيّن والتر أنه كان تكتيكًا روسيًا متكررًا للتضليل لتغيير الوثائق المسروقة، بما في ذلك بعض الوثائق التي يزعم أنها تسربت من الحكومة الأوكرانية، لكن نظرًا لأن الحكومة الأوكرانية رفضت هذه الوثائق لأنها معدلة أو خارجة عن سياقها، فإنها عمومًا لا تحظى بكثير من الاهتمام.
وأضاف: "هناك كثير من الأمثلة لوثائق مسربة تُستخدم في حملات الدعاية، وعلى وجه التحديد في ما يتعلق بالتضليل الإعلامي"، لكنه أضاف أن ما يجرى مع هذه الوثائق الأمريكية "لا يزال غير واضح إلى حد كبير في الوقت الحالي".
بينما رجح ثلاثة مسؤولين أمريكيين أن تكون روسيا أو موالين لها، وراء تسريب عديد من الوثائق العسكرية الأمريكية السرية على مواقع التواصل الاجتماعي.